آيات من القرآن الكريم

قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ
ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀ ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ

الْعَرْشُ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ مِثْلُ مَا بَيْنَ سماء إلى سماء ثم الله تبارك وتعالى فَوْقَ ذَلِكَ». ثُمَّ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ بِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ حَمَلَةَ الْعَرْشِ ثَمَانِيَةٌ كَمَا قَالَ شَهْرُ بن حوشب رضي الله عنه: حَمَلَةُ الْعَرْشِ ثَمَانِيَةٌ: أَرْبَعَةٌ مِنْهُمْ يَقُولُونَ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى حِلْمِكَ بَعْدَ عِلْمِكَ، وَأَرْبَعَةٌ يَقُولُونَ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى عَفْوِكَ بَعْدَ قُدْرَتِكَ وَلِهَذَا يَقُولُونَ إِذَا اسْتَغْفَرُوا لِلَّذِينِ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً أَيْ إِنَّ رَحْمَتَكَ تَسَعُ ذُنُوبَهُمْ وَخَطَايَاهُمْ وَعِلْمُكَ مُحِيطٌ بِجَمِيعِ أَعْمَالِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ وَحَرَكَاتِهِمْ وَسَكَنَاتِهِمْ فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ أَيْ فَاصْفَحْ عَنِ الْمُسِيئِينَ إِذَا تَابُوا وَأَنَابُوا وَأَقْلَعُوا عَمَّا كَانُوا فِيهِ وَاتَّبَعُوا مَا أَمَرْتَهُمْ بِهِ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرَاتِ وَتَرْكِ الْمُنْكَرَاتِ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ أَيْ وَزَحْزِحْهُمْ عَنْ عَذَابِ الْجَحِيمِ وَهُوَ الْعَذَابُ الْمُوجِعُ الْأَلِيمُ رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ أَيْ اجْمَعْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ لِتَقَرَّ بِذَلِكَ أَعْيُنُهُمْ بِالِاجْتِمَاعِ فِي مَنَازِلَ متجاورة كما قال تبارك وتعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ [الطُّورِ: ٢١] أَيْ سَاوَيْنَا بَيْنَ الْكُلِّ فِي الْمَنْزِلَةِ لِتَقَرَّ أَعْيُنُهُمْ وَمَا نَقَصْنَا الْعَالِيَ حَتَّى يُسَاوِيَ الداني بل رفعنا ناقص الْعَمَلِ فَسَاوَيْنَاهُ بِكَثِيرِ الْعَمَلِ تُفَضُّلًا مِنَّا وَمِنَّةً.
وقال سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا دَخَلَ الْجَنَّةَ سَأَلَ عَنْ أَبِيهِ وَابْنِهِ وَأَخِيهِ وَأَيْنَ هُمْ؟ فَيُقَالُ إِنَّهُمْ لَمْ يَبْلُغُوا طَبَقَتَكَ فِي الْعَمَلِ فَيَقُولُ إِنِّي إِنَّمَا عَمِلْتُ لِي وَلَهُمْ فَيُلْحَقُونَ بِهِ فِي الدَّرَجَةِ ثُمَّ تَلَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ هَذِهِ الْآيَةَ رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ قَالَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ: أَنْصَحُ عِبَادِ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ الْمَلَائِكَةُ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ الآية وأغش عباده للمؤمنين الشياطين. وقوله تبارك وتعالى: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ أَيِ الَّذِي لَا يُمَانَعُ وَلَا يُغَالَبُ وَمَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ الْحَكِيمُ فِي أَقْوَالِكَ وَأَفْعَالِكَ مِنْ شَرْعِكَ وَقَدَرِكَ وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ أَيْ فِعْلَهَا أَوْ وَبَالَهَا مِمَّنْ وَقَعَتْ مِنْهُ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَدْ رَحِمْتَهُ أَيْ لَطَفْتَ بِهِ وَنَجَّيْتَهُ مِنَ الْعُقُوبَةِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.
[سورة غافر (٤٠) : الآيات ١٠ الى ١٤]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ (١٠) قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (١١) ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (١٢) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَنْ يُنِيبُ (١٣) فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (١٤)
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الْكُفَّارِ أَنَّهُمْ يُنَادَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُمْ فِي غَمَرَاتِ النيران يتلظون وذلك

صفحة رقم 119

عند ما باشروا من عذاب الله تعالى مَا لَا قِبَلَ لِأَحَدٍ بِهِ فَمَقَتُوا عِنْدَ ذَلِكَ أَنْفُسَهُمْ وَأَبْغَضُوهَا غَايَةَ الْبُغْضِ بِسَبَبِ مَا أَسْلَفُوا مِنَ الْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ الَّتِي كَانَتْ سَبَبَ دُخُولِهِمْ إِلَى النَّارِ فَأَخْبَرَتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ ذَلِكَ إخبارا عاليا نادوهم نداء بأن مقت الله تعالى لَهُمْ فِي الدُّنْيَا حِينَ كَانَ يُعْرَضُ عَلَيْهِمُ الْإِيمَانُ فَيَكْفُرُونَ أَشَدُّ مِنْ مَقْتِكُمْ أَيُّهَا الْمُعَذَّبُونَ أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.
قَالَ قَتَادَةُ في قوله تعالى: لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ يَقُولُ لَمَقْتُ اللَّهِ أَهْلَ الضَّلَالَةِ حِينَ عُرِضَ عَلَيْهِمُ الْإِيمَانُ فِي الدُّنْيَا فَتَرَكُوهُ وَأَبَوْا أَنْ يَقْبَلُوهُ أَكْبَرُ مِمَّا مَقَتُوا أَنْفُسَهُمْ حِينَ عَايَنُوا عَذَابَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ «١»، وَهَكَذَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ وذر بن عبيد اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أسلم وابن جرير الطبري رحمة الله عليهم أجمعين. وَقَوْلِهِ: قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ قَالَ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذِهِ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [الْبَقَرَةِ: ٢٨] وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ وَأَبُو مَالِكٍ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا مِرْيَةَ. وَقَالَ السُّدِّيُّ أُمِيتُوا فِي الدُّنْيَا ثُمَّ أُحْيَوْا فِي قُبُورِهِمْ فَخُوطِبُوا، ثُمَّ أُمِيتُوا ثُمَّ أُحْيَوْا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ:
أُحْيَوْا حِينَ أخذ عليهم الميثاق من صلب آدم عليه السلام ثُمَّ خَلَقَهُمْ فِي الْأَرْحَامِ ثُمَّ أَمَاتَهُمْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهَذَانَ الْقَوْلَانِ مِنَ السُّدِّيِّ وَابْنِ زَيْدٍ ضَعِيفَانِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُمَا عَلَى مَا قَالَا ثَلَاثُ إِحْيَاءَاتٍ وَإِمَاتَاتٍ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمَنْ تَابَعَهُمَا، وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ الْكُفَّارَ يَسْأَلُونَ الرَّجْعَةَ وَهُمْ وُقُوفٌ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي عرصات القيامة كما قال عز وجل: وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ [السَّجْدَةِ: ١٢] فَلَا يُجَابُونَ ثُمَّ إِذَا رَأَوُا النَّارَ وَعَايَنُوهَا وَوَقَفُوا عَلَيْهَا وَنَظَرُوا إِلَى مَا فِيهَا مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ سَأَلُوا الرَّجْعَةَ أَشَدَّ مِمَّا سَأَلُوا أَوَّلَ مَرَّةٍ فَلَا يُجَابُونَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يَا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدا لَهُمْ مَا كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ [الْأَنْعَامِ: ٢٧- ٢٨] فَإِذَا دَخَلُوا النَّارَ وَذَاقُوا مَسَّهَا وَحَسِيسَهَا وَمَقَامِعَهَا وَأَغْلَالَهَا كَانَ سُؤَالُهُمْ لِلرَّجْعَةِ أَشَدَّ وَأَعْظَمَ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ [فَاطِرٍ: ٣٧] رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ [الْمُؤْمِنُونَ: ١٠٧- ١٠٨].
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ تَلَطَّفُوا فِي السُّؤَالِ وَقَدَّمُوا بَيْنَ يَدَيْ كلامهم مقدمة وهي قولهم

(١) انظر تفسير الطبري ١١/ ٤٣.

صفحة رقم 120

رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ أَيْ قُدْرَتُكَ عظيمة فإنك أحييتنا بعد ما كانا أَمْوَاتًا ثُمَّ أَمَتَّنَا ثُمَّ أَحْيَيْتَنَا فَأَنْتَ قَادِرٌ عَلَى مَا تَشَاءُ، وَقَدِ اعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا وَإِنَّنَا كُنَّا ظَالِمِينَ لِأَنْفُسِنَا فِي الدَّارِ الدُّنْيَا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ أَيْ فَهَلْ أَنْتَ مُجِيبُنَا إِلَى أَنْ تُعِيدَنَا إِلَى الدَّارِ الدُّنْيَا فَإِنَّكَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ لِنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ فَإِنْ عُدْنَا إِلَى مَا كُنَّا فيه فإنا ظالمون، فأجيبوا أن لا سَبِيلَ إِلَى عَوْدِكُمْ وَمَرْجِعِكُمْ إِلَى الدَّارِ الدُّنْيَا، ثُمَّ عَلَّلَ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ بِأَنَّ سَجَايَاكُمْ لَا تَقْبَلُ الْحَقَّ وَلَا تَقْتَضِيهِ بَلْ تَجْحَدُهُ وَتَنْفِيهِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا أَيْ أَنْتُمْ هَكَذَا تَكُونُونَ وَإِنْ رُدِدْتُمْ إلى الدار الدنيا كما قال عز وجل: وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ [الأنعام: ٢٨].
وقوله جل وعلا: فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ أَيْ هُوَ الْحَاكِمُ فِي خَلْقِهِ الْعَادِلُ الَّذِي لَا يَجُورُ فَيَهْدِي من يشاء ويضل من يشاء ويرحم من يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هو، وقوله جل جلاله: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ أَيْ يُظْهِرُ قُدْرَتَهُ لِخَلْقِهِ بِمَا يُشَاهِدُونَهُ فِي خَلْقِهِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ مِنَ الْآيَاتِ الْعَظِيمَةِ الدَّالَّةِ عَلَى كَمَالِ خَالِقِهَا وَمُبْدِعِهَا وَمُنْشِئِهَا وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَهُوَ الْمَطَرُ الَّذِي يُخْرِجُ بِهِ مِنَ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ مَا هُوَ مُشَاهَدٌ بِالْحِسِّ مِنِ اخْتِلَافِ أَلْوَانِهِ وَطَعُومِهِ وَرَوَائِحِهِ وَأَشْكَالِهِ وَأَلْوَانِهِ وَهُوَ مَاءٌ وَاحِدٌ فَبِالْقُدْرَةِ الْعَظِيمَةِ فَاوَتَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَما يَتَذَكَّرُ أَيْ يَعْتَبِرُ وَيَتَفَكَّرُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَيَسْتَدِلُّ بِهَا عَلَى عَظَمَةِ خَالِقِهَا إِلَّا مَنْ يُنِيبُ أَيْ مَنْ هُوَ بَصِيرٌ مُنِيبٌ إلى الله تبارك وتعالى.
وقوله عز وجل: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ أَيْ فَأَخْلِصُوا لِلَّهِ وَحْدَهُ الْعِبَادَةَ وَالدُّعَاءَ وَخَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ فِي مَسْلَكِهِمْ وَمَذْهَبِهِمْ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «١» : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ يَعْنِي ابْنَ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أبي الزبير محمد بن مسلم بن مدرس الْمَكِّيِّ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ حِينَ يُسَلِّمُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهَلِّلُ بِهِنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَحَجَّاجِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي دبر كل صلاة: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ» «٢» وَذَكَرَ تَمَامَهُ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عن ابن الزبير رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له، له

(١) المسند ٤/ ٤.
(٢) أخرجه مسلم في المساجد حديث ١٣٧، ١٣٨، وأبو داود في الوتر باب ٢٤، والنسائي في السهو باب ٨٣.

صفحة رقم 121
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية