آيات من القرآن الكريم

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ
ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀ ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ

هؤلاء الكفار تحزبوا ضد النبي والمؤمنين، وبالغوا في إظهار العداوة للنبي وصحبه وهم قلة بالنسبة لهم، فأراد ربك أن يطمئن خاطر المسلمين ويشد أزرهم ببيان أن معهم أشرف الخلق، من الملائكة الأطهار، يدعون لهم ويستغفرون، وذلك بلا شك هو الفوز العظيم، فقال ما معناه:
الذين يحملون عرش ربك، ومن حوله حافين به وهم في خدمته، ورهن إشارته، والقائمون بحفظه وتنفيذ أمر ربهم هؤلاء يسبحون حامدين منزهين ربهم عن كل ما لا يليق بشأنه الجليل، ويؤمنون به إيمانا حقيقيا كاملا بظهر الغيب. ويستغفرون للذين آمنوا قائلين: ربنا وسعت رحمتك وعلمك كل شيء، وإنما عدل عن هذه العبارة إلى ما في النظم الكريم للمبالغة. ربنا فاغفر للذين تابوا إليك، واتبعوا سبيلك الحق وهو الإسلام، وقهم عذاب الجحيم، ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم، وأدخل معهم من صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم ليتم سرورهم، ويضاعف ابتهاجهم وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ [الطور ٢١]، وقهم السيئات، واحفظهم من المكروه والآلام كلها يوم القيامة، ومن يتق السيئات يومئذ يقوم الناس لرب العالمين لقد رحمته بدخول الجنة وذلك هو الفوز العظيم.
ومن أهوال يوم القيامة [سورة غافر (٤٠) : الآيات ١٠ الى ١٧]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ (١٠) قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (١١) ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (١٢) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَنْ يُنِيبُ (١٣) فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (١٤)
رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (١٥) يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (١٦) الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٧)

صفحة رقم 292

المفردات:
لَمَقْتُ اللَّهِ المقت: أشد أنواع البغض، والمراد به في جانب الله لازمه وهو تعذيبهم والغضب عليهم رَفِيعُ الدَّرَجاتِ: مرتفع الصفات منزه عن مشابهة المخلوقات ذُو الْعَرْشِ: خالقه ومالكه الرُّوحَ المراد به: الوحى، سماه روحا لأنه كالروح في إحيائه الموات من الناس يَوْمَ التَّلاقِ: يوم اجتماع الخلائق للحساب بارِزُونَ: ظاهرون لا سبيل إلى إخفائهم.
وهذا حال من أحوال الكفرة يوم القيامة، وهم في جهنم، بعد ما بين سابقا أنهم أصحاب النار.
المعنى:
إن الذين كفروا بالله ورسوله ينادون من بعيد، وهم في النار يتلظون سعيرها فقال لهم: لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون، وذلك أنهم حينما يرون ما كانوا يكفرون به حقا لا شك فيه يمقتون أنفسهم أشد المقت لأنهم وقعوا

صفحة رقم 293

فيما وقعوا باتباع هواها، ويصح أن يكون المعنى أنهم يمقت بعضهم بعضا، الأتباع والمتبوعين الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ «١» يكفر بعضكم ببعض ويعلن بعضكم بعضا فيقال لكم عند ذلك رءوس الأشهاد: لمقت الله أنفسكم الأمارة بالسوء إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون أشد من مقتكم أنفسكم، أو المعنى لمقت الله أنفسكم في الدنيا إذ «٢» تدعون من جهة الأنبياء إلى الإيمان فتأبون قبوله فتكفرون اتباعا لأنفسكم ومسارعة في هواها أو اقتداء بأخلائكم المضللين، لمقت الله هذا أكبر من مقتكم أنفسكم أو أكبر من مقت بعضكم لبعض.
هؤلاء الكفار حينما يشتد بهم العذاب، ولا يطيقون الصبر يقولون: ربنا أمتنا اثنتين أى: موتتين، الأولى قبل الحياة، والثانية في الدنيا، وأحييتنا اثنتين، الأولى في الدنيا والثانية يوم القيامة، فاعترفنا بذنوبنا وآثامنا، وبدا لنا سيئات ما عملنا، فارجعنا نعمل صالحا في حياة ثالثة فإنا أدركنا خطأنا وتبين لنا صدق الرسل- عليهم السلام- وأصبحنا موقنين بذلك، فهل إلى خروج من سبيل «٣» ؟ لا.. فإنهم «لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه»، ذلكم العذاب الدائم المستمر الذي هم فيه بسبب أنه إذا دعى الله وحده كفروا باستمرار، وإن يشرك به يؤمنوا على أن له شريكا، وحيث كان الأمر كذلك فالحكم لله العلى الكبير.
هو الذي يريكم أيها الناس آياته الكونية وآياته القرآنية الشاهدة له بالوحدانية والقدرة والاتصاف بكل كمال والتنزه عن كل نقص، وهو الذي ينزل لكم من السماء رزقا، ترى أن الله- سبحانه- جمع في الآية نعمه التي تحيى الأديان والتي تحيى الأبدان، وتقوى الروح والأجسام، ولا يتذكر بهذا، ولا يتعظ إلا من ينيب.
وإذا كان الأمر كذلك فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، هو رفيع الدرجات، عظيم الصفات، رافع درجات المؤمنين، ذو العرش وصاحب الملك وكامل التصرف لا إله إلا هو، يلقى الروح على من يشاء من عباده، وهو أعلم حيث يجعل رسالته، فهو الذي ينزل الوحى على الأنبياء، لينذروا الناس يوم التلاقي، واجتماع الخلق

(١) - سورة الزخرف آية ٦٧.
(٢) - إذ تدعون إذ ظرف لمقت الأول وإن توسط بينهما الخبر، واللام في لمقت لام الابتداء وقعت بعد ينادون لأنها في معنى يقول لهم.
(٣) - هذا استفهام مراد به التمني لأنهم يعلمون أنهم لا يخرجون.

صفحة رقم 294
التفسير الواضح
عرض الكتاب
المؤلف
محمد محمود حجازي
الناشر
دار الجيل الجديد
سنة النشر
1413
الطبعة
العاشرة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية