آيات من القرآن الكريم

لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ۚ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ

گر بپرانيم تير آن نى ز ماست ما كمان وتير اندازش خداست
اين نه جبر اين معنئ جباريست ذكر جبارى براى زاريست
زارئ ما شد دليل اضطرار خجلت ما شد دليل اختيار
وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ اى وما صح له ولالاق بحاله أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً بغير حق فان الايمان زاجر عن ذلك إِلَّا خَطَأً اى ليس من شأنه ذلك فى حال من الأحوال الا حال الخطأ فانه ربما يقع لعدم دخول الاحتراز عنه بالكلية تحت الطاقة البشرية فالمؤمن مجبول على ان يكون محلا لان يعرض له الخطأ كثيرا والخطأ ما لا يقارنه القصد الى الفعل او الى الشخص او لا يقصد به زهوق الروح غالبا او لا يقصد به محظور كرمى مسلم فى صف الكفار مع الجهل بإسلامه- روى- ان عياش بن ابى ربيعة وكان أخا ابى جهل لامه اسلم وهاجر الى المدينة خوفا من اهله وذلك قبل هجرة النبي عليه السلام فاقسمت امه لا تأكل ولا تشرب ولا يؤويها سقف حتى يرجع فخرج ابو جهل ومعه الحارث بن زيد بن ابى انيسة فاتياه وهو فى أطم اى جبل ففتل منه ابو جهل فى الذروة والغارب وقال أليس محمد يحثك على صلة الرحم انصرف وبرّ أمك ولك علينا ان لا نكرهك على شىء ولا نحول بينك وبين دينك حتى نزل وذهب معهما فلما بعدا من المدينة شدا يديه الى خلف بحبل وجلده كل واحد منهما مائة جلدة فقال للحارث هذا أخي فمن أنت يا حارث لله على ان وجدتك خاليا ان أقتلك وقدما به على امه فحلفت لا يحل وثاقه حتى يرجع عن دينه ففعل بلسانه مطمئنا قلبه على الايمان ثم هاجر بعد ذلك واسلم الحارث وهاجر فلقيه عياش لظهر قبا فانحنى عليه فقتله ثم اخبر بإسلامه فاتى رسول الله ﷺ فقال قتلته ولم أشعر بإسلامه فنزلت وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً صغيرا كان او كبيرا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ اى فعليه اعتاق نسمة عبر عن النسمة بالرقبة كما يعبر عنها بالرأس مُؤْمِنَةٍ محكوم بإسلامها سواء تحققت فيها فروع الايمان وثمراته بان صلت وصامت او لم يتحقق فدخل فيها الصغير والكبير والذكر والأنثى وهذا التحرير هو الكفارة وهى حق الله تعالى الواجب على من قتل مؤمنا مواظبا على عبادة الله تعالى والرقيق لا يمكنه المواظبة على عبادة الله تعالى فاذا اعتقه فقد اقامه مقام ذلك المقتول فى المواظبة على العبادات وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ اى مؤداة الى ورثته يقتسمونها كسائر المواريث بعد قضاء الدين منها وتنفيذ الوصية وإذا لم يبق وارث فهى لبيت المال لا المسلمين يقومون مقام الورثة كما قال ﷺ (انا وارث من لا وارث له) إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا اى يتصدق اهله عليه سمى العفو عنها صدقة حثا عليه وتنبيها على فضله وفى الحديث (كل معروف صدقة) وهو متعلق بعليه المقدر عند قوله وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ او بمسلمة اى تجب الدية ويسلمها الى اهله الا وقت تصدقهم عليه لان الدية حق الورثة فيملكون إسقاطها بخلاف التحرير فانه حق الله تعالى فلا يسقط بعفو الأولياء وإسقاطهم. واعلم ان الدية مصدر من ودى القاتل المقتول إذا اعطى وليه المال الذي هو بدل النفس وذلك المال يسمى الدية تسمية بالمصدر والتاء فى آخرها عوض عن الواو المحذوفة فى الاول كما فى العدة وهى اى الدية فى الخطأ من الذهب الف دينار ومن الفضة عشرة آلاف درهم وهى على العاقلة فى الخطأ

صفحة رقم 259

وهم الاخوة وبنوا الاخوة والأعمام وبنوا الأعمام يسلمونها الى اولياء المقتول ويكون القاتل كواحد من العاقلة يعنى يعطى مقدار ما أعطاه واحد منهم لانه هو الفاعل فلا معنى لاخراجه ومؤاخذة غيره وسميت الدية عقلا لانها تعقل الدماء اى تمسكه من ان يسفك الدم لان الإنسان يلاحظ وجود الدية بالقتل فيجتنب عن سفك الدم فان لم تكن له عاقلة كانت الدية فى بيت المال فى ثلاث سنين فان لم يكن ففى ماله فَإِنْ كانَ اى المقتول مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ كفار محاربين وَهُوَ مُؤْمِنٌ ولم يعلم به القاتل لكونه بين اظهر قومه بان اسلم فيما بينهم ولم يفارقهم بالهجرة الى دار الإسلام او بان اسلم بعد ما فارقهم لمهم من المهمات فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ اى فعلى قاتله الكفارة دون الدية إذ لا وراثة بينه وبين اهله لكونهم كفارا ولانهم محاربون وَإِنْ كانَ اى المقتول المؤمن مِنْ قَوْمٍ كفرة بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ اى عهد موقت او مؤبد فَدِيَةٌ اى
فعلى قاتله دية مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ من اهل الإسلام ان وجدوا وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ كما هو حكم سائر المسلمين فَمَنْ لَمْ يَجِدْ اى رقبة لتحريرها بان لم يملكها ولا ما يتوصل به إليها وهو ما يصلح ان يكون ثمنا للرقبة فاضلا عن نفقته ونفقة عياله وسائر حوائجه الضرورية من المسكن وغيره فَصِيامُ اى فعليه صيام شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ وإيجاب التتابع يدل على ان المكفر بالصوم لو أفطر يوما فى خلال شهرين او نوى صوما آخر فعليه الاستئناف الا ان يكون الفطر بحيض او نفاس او نحوهما مما لا يمكن الاحتراز عنه فانه لا يقطع التتابع والإطعام غير مشروع فى هذه الكفارة بدليل الفاء الدالة على ان المذكور كل الواجب واثبات البدل بالرأى لا يجوز فلا بد من النص تَوْبَةً كائنة مِنَ اللَّهِ ونصبه على المفعول له اى شرع لكم ذلك توبة اى قبولا لها من تاب الله عليه إذا قبل توبته. فان قيل قتل الخطأ لا يكون معصية فما معنى التوبة. قلت ان فيه نوعا من التقصير لان الظاهر انه لو بالغ فى احتياط لما صدر عنه ذلك. فقوله توبة من الله تنبيه على انه كان مقصرا فى ترك الاحتياط وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً بحاله اى بانه لم يقصد القتل ولم يتعمد فيه حَكِيماً فيما امر فى شأنه. والاشارة فى قوله تعالى فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ ان تربية النفس وتزكيتها ببذل المال وترك الدنيا مقدم على تربيتها بالجوع والعطش وسائر المجاهدات فان حب الدنيا رأس كل خطيئة وهى عقبة لا يقتحمها الا الفحول من الرجال كقوله تعالى فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ الآية. وان أول قدم السالك ان يخرج من الدنيا وما فيها. وثانيه ان يخرج من النفس وصفاتها كما قال (دع نفسك وتعال) والإمساك عن المشارب كلها من الدنيا والآخرة على الدوام انما هو بجذبة من الله تعالى وإعطائه القابلية لذلك: كما قيل

داد حق را قابليت شرط نيست بلكه شرط قابليت داد حق
- حكى- ان أولاد هارون الرشيد كانوا زهادا لا يرغبون فى الدنيا والسلطنة فلما ولد له ولد قيل له ادخله فى بيت من زجاج يعيش فيه مع التنعم والترنم والأغاني حتى يليق للسلطنة ففعل فلما كبر كان يوما يأكل اللحم فوقع عظم من يده فانكسر الزجاج فرأى السماء والعرض فسأل

صفحة رقم 260

كما تموتون) هر كسى آن درود عاقبت كار كه كشت. والاشارة فى الآية الى البالغين الواصلين بالسير الى الله ان يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ووفقوا لمجرد الايمان بالغيب إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يعنى سرتم بقدم السلوك فى طلب الحق حتى صار الايمان إيقانا والإيقان إحسانا والإحسان عيانا والعيان غيبا وصار الغيب شهادة والشهادة شهودا والشهود شاهدا والشاهد مشهودا وبهما اقسم الله بقوله وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ فافهم جدا وهذا مقام الشيخوخية فَتَبَيَّنُوا عن حال المريدين وتثبتوا فى الرد والقبول وفى قوله وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً اشارة الى ارباب الطلب فى البدء والارادة اى إذا تمسك أحد بذيل ارادتكم والقى إليكم السلام بالانقياد والاستسلام لكم فلا تقولوا ألست مؤمنا اى صادقا مصدقا فى التسليم لاحكام الصحبة وقبول التصرف فى المال والنفس على شرط الطريقة ولا تردوه ولا تنفروه بمثل هذه التشديدات وقولوا له كما امر الله موسى وهارون عليهما السلام فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً فما أنتم أعز من الأنبياء ولا المريد المبتدئ أذل من فرعون ولا يهولنكم امر رزقه فتجتنبون منه طلبا للتخفيف والى هذا المعنى أشار بقوله تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فلا تهتموا لاجل الرزق فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ من يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ اى كذلك كنتم ضعفاء فى الصدق والطلب محتاجين الى الصحبة والتربية بدواء الارادة فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ بصحبة المشايخ وقبولهم إياكم والإقبال على تربيتكم وإيصال رزقكم إليكم وشفقتهم وعطفهم عليكم فَتَبَيَّنُوا ان تردوا صادقا اهتماما لرزقه او تقبلوا كاذبا حرصا على تكثير المريدين إِنَّ اللَّهَ كانَ فى الأزل بِما تَعْمَلُونَ اليوم من الرد والقبول والاحتياج الى الرزق الذي تهتمون له خَبِيراً بتقدير امور قدرها فى الأزل وفرغ منها كما قال عليه السلام (ان الله فرغ من الخلق والرزق والاجل) وقال (الضيف إذا نزل نزل برزقه وإذا ارتحل ارتحل بذنوب مضيفه) كذا فى التأويلات النجمية لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ عن الجهاد مِنَ الْمُؤْمِنِينَ حال من القاعدين اى كائنين من المؤمنين وفائدتها الإيذان من أول الأمر بعدم إخلال وصف القعود بايمانهم والاشعار بعلة استحقاقهم كما سيأتى من الحسنى غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ بالرفع صفة للقاعدون. فان قلت كلمة غير لا تتعرف بالاضافة فكيف جاز كونها صفة للمعرفة. قلت اللام فى القاعدون للعهد الذهني فهو جار مجرى النكرة حيث لم يقصد به قوم بأعيانهم والأظهر انه بدل من القاعدون. والضرر المرض والعاهة من عمى او عرج او شلل او زمانة او نحوها وفى معناه العجز عن الاهبة. عن زيد بن ثابت رضى الله عنه انه قال كنت الى جنب رسول الله ﷺ فغشيته السكينة فوقعت فخذه على فخذى حتى خشيت ان ترضها اى تكسرها ثم سرى عنه وازيل ما عرض له من شدة الوحى فقال (اكتب فكتبت لا يستوى القاعدون من المؤمنين والمجاهدون) فقال ابن أم مكتوم وكان أعمى يا رسول الله وكيف بمن لا يستطيع الجهاد من المؤمنين فغشيته السكينة كذلك ثم سرى عنه فقال (اكتب لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر) قال زيد أنزلها الله وحدها فالحقتها فالمراد

صفحة رقم 265
روح البيان
عرض الكتاب
المؤلف
إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي , المولى أبو الفداء
الناشر
دار الفكر - بيروت
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية