
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- حرمة التحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا وُجد عالم بهما.
٢- وجوب الكفر بالطاغوت أياً كان نوعه.
٣- وجوب الدعوة إلى التحاكم إلى الكتاب والسنة ووجوب قبولها.
٤- استحباب الإعراض عن ذوي الجهالات، ووعظهم بالقول البليغ الذي يصل إلى قلوبهم فيهزها.
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً (٦٤) فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيما (٦٥) ﴾
شرح الكلمات:
﴿بِإِذْنِ اللهِ﴾ : إذن الله: إعلامه بالشيء وأمره به.
﴿ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ : بالتحاكم إلى الطاغوت وتركهم إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
﴿فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ﴾ : طلبوا منه أن يغفر لهم بلفظ اللهم اغفر لنا، أو استغفروا الله.
﴿يُحَكِّمُوكَ﴾ : يجعلونك حكماً بينهم ويفوضون الأمر إليك.
﴿فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ١﴾ : أي: اختلفوا لاختلاط وجه الحق والصواب فيه بالخطأ والباطل.
﴿حَرَجاً﴾ : ضيفاً وتحرجاً.
﴿مِمَّا قَضَيْتَ﴾ : حكمت فيه.
﴿وَيُسَلِّمُوا﴾ : أي: يذعنوا لقبول حكمك ويسلمون به تسليماً تاماً.
وهم الحكام أرباب الهدى...
وسعاة الناس في الأمر الشجر

معنى الآيتين:
بعد تقرير خطأ وضلال من أراد أن يتحاكما إلى الطاغوت، كعب بن الأشرف اليهودي، وهما: اليهودي والمنافق في الآيات السابقة أخبر تعالى في هذه الآية الكريمة أنه ما أرسل رسولاً١ من رسله المئات إلا وأمر المرسل إليهم بطاعته واتباعه والتحاكم إليه وتحكيمه في كل ما يختلفون فيه، وذلك أمره وقضاؤه وتقديره فيما شاءه كان وما لم يشأه لم يكن كما أخبر تعالى أن أولئك الظالمين لأنفسهم بتحاكمهم٢ إلى الطاغوت وصدودهم عن التحاكم إليك أيها الرسول لو جاءوك متنصلين من خطيئتهم مستغفرين الله من ذنوبهم واستغفرت لهم أنت أيها الرسول، أي: سألت الله تعالى لهم المغفرة لو حصل منهم هذا لدل ذلك على توبتهم وتاب الله تعالى عليهم فوجدوه عز وجل ﴿تَوَّاباً رَحِيماً﴾. هذا معنى الآية (٦٤) ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً﴾.
وأما الآية الثانية (٦٥) ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ٣ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيما﴾ فإن الله تعالى يقول ﴿فَلا﴾ أي: ليس الأمر كما يزعمون، ثم يقسم تعالى فيقول: ﴿وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ﴾ أيها الرسول، أي: يطلبون حكمك فيما اختلفوا فيه واختلط عليهم من أمورهم ثم بعد حكمك لا يجدون في صدورهم أدنى شك في صحة حكمك وعدالته، في التسليم له والرضا به وهو معنى الحرج المتبقي في قوله، ﴿ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيما﴾.
هداية الآيتين
من هداية الآيتين:
١- وجوب طاعة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما يأمر به وينهى عنه.
٢- بطلان من يزعم أن في الآية دليلاً على جواز طلب الاستغفار٤ من الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأن
٢ تقدم أن الخطاب بصيغة الجمع وإن كان المتحاكمان اثنين فقط، فإن الحكم فيهم وفي غيرهم، فكل من يصدر عنه هذا النوع من الذنب فتوبته هي: ما ذكر تعالى في هذه الآية.
٣ قيل أن هذه الآية: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ﴾ نزلت في الزبير والأنصاري في قضية سقي البستان، إذا اختلفا وأتيا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للزبير: "اسقي يا زبير أرضك ثم أرسل الماء إلى أرض جارك". أي: الأول، فقال الأنصاري: أراك تحابي ابن عمتك. فتلون وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال للزبير: "اسق ثم أحبس الماء حتى يبلغ الجدر"، فنزلت الآية. والحديث في صحيح البخاري.
٤ وذلك أنه لو كان كل مذنب لا يغفر له إلا إذا أتى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واستغفر له لما تاب أحد، وللذم أن يبقى الرسول حياً ليستغفر للمذنبين بمثل هذا الذنب، ولا قائل بها ولا يعقل ولم يشرع أبداً، وكل حكاية ذكرت في هذه المسألة فهي باطلة.

قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ﴾ الآية نزلت في الرجلين اللذين أرادا التحاكم إلى كعب بن الأشرف اليهودي وإعراضهما عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاشترط توبتهما إتيانهما لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واستغفارهما الله تعالى، واستغفار الرسول لهما، وبذلك تقبل توبتهما، وإلا فلا توبة لهما، أما من عداهما فتوبته لا تتوقف على إتيانه لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا لاستغفاره له وهذا محل إجماع بين المسلمين.
٣- كل ذنب كبر أو صغر يعتبر ظلماً للنفس وتجب التوبة منه بالاستغفار والندم والعزم على عدم مراجعته بحال من الأحوال.
٤- وجوب التحاكم إلى الكتاب والسنة وحرمة التحاكم إلى غيرهما.
٥- وجوب الرضا١ بحكم الله ورسوله والتسليم به.
﴿وَلَوْ٢ أَنَّا كَتَبْنَا٣ عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً (٦٦) وَإِذاً لآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً (٦٧) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً (٦٨) وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ٤ أُولَئِكَ رَفِيقاً (٦٩) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفَى بِاللهِ عَلِيماً (٧٠) ﴾
٢ لو حرف امتناع لامتناع أي امتناع شيء لامتناع غيره، إذ امتنع القتل لامتناع الكتب له.
٣ روي أنه لما نزلت هذه الآية: ﴿وَلو أنا كَتبْنا﴾ قال أبو بكر الصديق: "لو أمرنا لفعلنا"، فبلغ ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "إن من أمتي رجالا الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي".
٤ "حسن" مضمن معنى التعجب، فهو كنعم المدح، أي: مدح الحسن فيه، وأولئك فاعلة، ورفيقا: منصوب على التمييز.