
وقال السدي: يعني بالملك العظيم ما أحل لداود من النساء، وهن تسع وتسعون. ولسليمان ألف، بين حرة ومملوكة (١).
وقال الحسن وابن جريج وقتادة: الفضل في هذه الآية النبوة وكانت اليهود حسدت محمدًا ما آتاه الله من النبوة، وقد علموا أنَّ النبوة في آل إبراهيم فقيل لهم: أتحسدون النبي - ﷺ - وقد كانت النبوة في آله، وهم آل إبراهيم (٢).
وهذا الوجه اختيار أبي إسحاق (٣). والحكمة في هذا القول النبوة.
وقال مجاهد في قوله: ﴿وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا﴾: النبوة (٤).
لأن الملك لمن له الأمر والطاعة، والأنبياء لهم الطاعة والأمر.
وليس يحتاج في تصحيح معنى الآية إلى إضمار، ومثله من الكلام أن نقول: أتحسدون زيدًا ما أعطاه الله من المال، فعند عمرو أكثر من ذلك، أو فقد آتى عمرًا أكثر من ذلك. وتأويل هذا: فلا تحسدوا زيدًا، ولتحسدوا عمرًا. وهذا مفهوم من فحوى الكلام وإن لم يذكر.
٥٥ - وقوله تعالى: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ﴾.
قال ابن عباس والأكثرون: من أهل الكتاب من آمن بمحمد عليه السلام،
(٢) أخرجه عن قتادة بنحوه وعن ابن جريج مختصرًا: الطبري ٥/ ١٣٩ - ١٤٠، أما الحسن فقد فسر الملك بالنبوة، لا الفضل، كما أخرج ذلك ابن أبي حاتم. انظر: "الدر المنثور" ٢/ ٣٠٩، "تفسير الحسن" ١/ ٢٨٤.
(٣) الزجاج في "معانيه" ٢/ ٦٤، وانظر: "زاد المسير" ٢/ ١١٠.
(٤) "تفسيره" ١/ ١٦٢، وأخرجه الطبري ٥/ ١٤٠، وعبد بن حميد وابن المنذر. انظر: "الدر المنثور" ٢/ ٣٠٩، وهو قول الحسن كما تقدم.

﴿وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ﴾ أعرض عنه ولم يؤمن (١).
وتأويل الآية: أن اليهود مهما ذُكر منهم من البُخل والجهل والحسد، فقد آمن به بعضهم.
ومن قال: إن الوعيد المذكور في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا﴾ [النساء: ٤٧] (٢) إنما أوعدوا به في الدنيا، قال: ذلك الوعيد صرف عنهم بإيمان هذا الفريق الذين ذكرهم الله في قوله: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ﴾ ولذا قال: ﴿وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا﴾ أي: إن كان صرف بعض العقاب فكفى بجهنم عذابًا لمن لا يؤمن (٣).
وقال السدي وجماعة: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ﴾ أي من أمة إبراهيم من آمن بإبراهيم، ومنهم من صدّ عنه كما أنكم في أمر محمد عليه السلام كذلك (٤).
وفائدة هذا الكلام ههنا أنَّ تأويله ليس في ترك بعضكم الإيمان بمحمد عليه السلام توهين لأمره، كما لم يكن في ذلك توهين لأمر إبراهيم.
وقال الفراء: لما تليت على اليهود قوله: ﴿فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [النساء: ٥٤] الآية كذب بذلك بعضهم وصدق بعضهم، وهو قوله: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ﴾ أي بالنبأ عن سليمان وداود ومما أبيح لهما من النساء ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ﴾ بالتكذيب والإعراض (٥).
(٢) من القسم الساقط.
(٣) انظر: الطبري ٥/ ١٤١.
(٤) انظر: "معالم التنزيل" ٢/ ٢٣٦، "زاد المسير" ٢/ ١١٢، "الدر المصون" ٤/ ٧.
(٥) "معاني الفراء" ١/ ٢٧٥ بتصرف.