آيات من القرآن الكريم

إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا
ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ

(وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا)
أي نافذًا في حكم المفروغ منه.
وقيل: هو إشارة إلى ما قال - ﷺ -:
"أول ما خلق الله القلم، فقال له: اجر بما هو كائن إلى يوم القيامة".
وقيل: الأمر ههنا إشارة إلى الإِبداع، وهو اختراع الشيء من غير أصل.
لا في زمان ولا في مكان، ولا بآلة، وذلك يعبر عنه بالأمر.
وعلى ذلك قوله: (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ).
قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (٤٨)

صفحة رقم 1265

معنى أن يشرك به: أن يديم الإِنسان الشرك، فلا خلاف أن من لم يُدم
ذلك بل أقلع عنه بالتوبة على الوجه الذي يجب يُغفر له.
لكن اختُلِف في قوله (لِمَنْ يَشَاءُ) لكونه مجملًا.
فقال بعضهم: عنى به غير المشركين، فكأنه قيل:
يغفر ما دون ذلك لغير المشركين، ففيه توعُّد أن المشرك
مأخوذ بكل ذنب مع الشرك بخلاف المؤمنين، الذين قال لهم: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ).
ومنهم من قال: عنى به التائب بدلالة قوله تعالى: (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ).
وقول من قال: (لِمَنْ يَشَاءُ) يقتضي ذلك، أن فيما دون الكفر
ما يُغفر، وهو الصغائر، وفيه ما لا يغفر وهو الكبائر، وإلا لم
يكن لقوله: (لِمَنْ يَشَاءُ) فائدة، فليس بصحيح لأن قوله:
(مَا دُونَ ذَلِكَ) عام للذنوب صغائرها وكبائرها، والمغفور له هو

صفحة رقم 1266

الذي جعله خاصَّا منهما، فيقتضي أن ما دون الشرك كله يُغفر.
لكن يُغفر لبعض دون بعض، واشتراط (لِمَنْ يَشَاءُ) لئلا يقرر
أن ذلك عامٌّ للمشرك وغير المشرك، فصار قوله: (لِمَنْ يَشَاءُ)
عبارة عن غير المشركين.
وقولهم: إن الكبائر دون الشرك لو صح غفرانها لم يثبت فيها اللعن
ولا الحد على وجه النكال ليس بشيء.
فليس في ذكر اللعن ما يقتضي أن لا يُغفر لصاحبه.
وأما النكال في الدنيا فتعلُقهم به جهل أو تجاهل، لأن موضوع النكال
ليكون قمعًا للمنكَّل به عن معاودته وقمع غيره عن أن يحذو
حذوه، وليس ذلك من عقوبة الآخرة في شيء، بل قد قيل هو
مُسقطٌ لعقوبة الآخرة، لقوله - ﷺ -:
"الحدود كفّارات لأهلها "،

صفحة رقم 1267

ألا ترى أنه قد يُحدّ التائب مع أن العقوبة في الآخرة قد سقطت
عنه بالتوبة؟!
وما رواه جابر أنا كنا نمسك عن الاستغفار لأهل الكبائر حتى نزل قوله: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) الآية. دلالة على فساد قولهم، وما قالوه بأن هذا من أخبار الآحاد فلا يقبل فيما هو من باب التدين والعلم، فإن أخبار

صفحة رقم 1268

الآحاد تُردّ فيما تعافه العقول الصحيحة، وقد علم أن العفو
من باب الإِحسان الذي حثنا عليه العقل والشرع، وبتحريه يصير
العبد من الصديقين والشهداء والصالحين.
والافتراء: يقال في القول والفعل كالصدق والكذب.
بل الافتراء وإن تُعوُرِف في القول فهو بالفعل أولى.
وكذا الاختلاق، لأنهما من فريت الأديم وخلقته.
ومعنى الإِثم العظيم هو الذي إذا اعتبر بالآثام كان

صفحة رقم 1269
تفسير الراغب الأصفهاني
عرض الكتاب
المؤلف
أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى
تحقيق
هند بنت محمد سردار
الناشر
كلية الدعوة وأصول الدين - جامعة أم القرى
سنة النشر
1422
عدد الأجزاء
2
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية