
وعن أم سلمة - رضي اللَّه عنها - قالت: سمعت رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه كان يقول في مرضه: " الصلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم " فجعل يتكلم وما يقبض بها لسانه.
وعن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " لِلْمَملُوكِ طَعَامُهُ وَكسوَتُهُ، وَلَا يُكَلَّفُ مِنَ العَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ ".
وعن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كان آخر وصية رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - حين حضرته الوفاة: الصلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكم "، ثم جعل رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يغرغر بها في صدره، ولا يفصح بها لسانه.
وعن أبي ذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سمعت رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يقول في المماليك: " هُم إِخْوَانُكُم، وَلَكِن اللهَ خَوَّلَهُم إِياكُم، فَأطْعِمُوهُم مِما تَأكُلُونَ، وَأَلْبِسُوهُم مما تَلْبَسُونَ ".
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) الآية.
قيل: المختال: هو المتكبر.
وقيل: هو من الخداع.
وقيل: هو الذي يمشي مرحًا؛ وهو واحد، يتكبر على عبادة اللَّه - تعالى - أو يتكبر على عباد اللَّه - تعالى - ويخدعهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا)؛ لأنه لا يحب الاختيال، وكذا في كل ما ذكر: لا يحب ذا ويحب ذا؛ كقوله: (وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) والتائبين، ولا يحب الظالمين؛ لأنه يحب الطهارة والتوبة، ولا يحب الظلم ولا الكفر، فإذا لم يحب هذا، لم يحب فاعله لفعله وإذا أحب هذا، أحب فاعله لفعله.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ - (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ... (٣٧)

يحتمل أن تكون الآية تفسيرًا لما تقدم من قوله: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) ووصف لهم؛ إذ لا يتكلم بمثله إلا عن تَقَدُّمِهِ.
ويحتمل على الابتداء؛ كقوله: (الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ...) الآية.
ثم يحتمل وجوهًا:
يحتمل قوله: يبخلون بما عندهم من الأموال، ويأمرون الناس به، وهكذا دأب كل بخيل أنه يبخل ويأمر به غيره.
ويحتمل: يبخلون بما عندهم من العلوم والأحكام، لم يُعَلِّمُوا غيرهم، ويأمرون الناس بذلك.
ويحتمل قوله: يبخلون بإظهار نعت مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ويأمرون الناس به؛ ألا ترى أنه قال: (وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) أي: يكتمون نعت مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وصفته.
ويحتمل قوله: (وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) أي: يكتمون، من العلوم والحكمة.
ويحتمل: ما ذكرنا: أنهم يكتمون ويبخلون بما آتاهم اللَّه من فضله من الأموال، ولا ينفقونها، وفي ترك الإنفاق والتصدق كتمان ما أنعم اللَّه عليهم، وعلى ذلك روي عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: " مَنْ أَتَاهُ اللهُ نِعْمَة فَلْتُرَى عَلَيهِ " لعله أراد بقوله: " تُرَى عَلَيهِ " أن ينفقها على نفسه ويتصدق بها ويلبسها.
وجائز أن يكون أراد - واللَّه أعلم - الإنفاق والتصدق على غيرهم، فعلى ذلك كتمان ما آتاهم اللَّه من الأموال إذا تركوا الإنفاق على غيرهم؛ لأن من كانت له الأموال لا يترك الإنفاق على نفسه.