آيات من القرآن الكريم

وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ

ومنهم من أخذه أعم من ذلك، فقال: إن الله تعالى شرع لكل
أمة عبادة ومكارم، ولم يختلف حكم أصولها، وإن اختلفت
فروعها، وعلى ذلك قال: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ).
فبين أنه يريد أن تكون هذه الأمة جارية مجرى هؤلاء في ذلك.
وقيل: عنى أنه يبين لكم طريق من قبلكم إلى الجنة.
وهو المسئول في قوله تعالى: (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ).
وبين أنه أراد به ذلك لعلمه وحكمته.
قوله تعالى: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (٢٧)
الميل وإن كان عامًا في الميل إلى الخير والشر.
فالمقصود به ههنا الجور عن قصد السبيل.
ولما كان جميع عبادة الله بالقول المجمل ضربين،

صفحة رقم 1194

صقل العقل، وقمع الشهوة، وكلُّ أمر ونهي فذريعة إليهما.
صار اتباع الشهوة سبب كل مذمة، فلذلك عبر بمتبع الشهوات عن
الفاسق والكافر، وعلى هذا قوله: (أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ).
فإن قيل: فليس اتباع الشهوات مذمومًا في كل حال.
بل منها ما هو محمود؟
قيل: قد قال بعض المتكلمين وبعض المفسرين:
عنى بذلك بعض الشهوات.
وقال بعضهم: عنى من يتبع الشهوات كلها.
والصحيح أن اتباع الشهوة في

صفحة رقم 1195

كل حال مذموم، لأن ذلك هو الائتمار لها من حيث ما دعت.
وما سوّغ من تعاطي ذلك، فليس جواز تعاطيه من حيث دعت
الشهوة إليه، بل من حيث سوغ العقل أو الشرع، فذلك هو
اتباع لهما، ويؤكد ذلك قوله: (وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)
وقوله: (وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ)
وقيل: عبد الشهوة أذلُّ من عبد الرق.
إن قيل: كيف أدخل اللام في قوله: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ)
ولم يدخله في قوله: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ)؟
وكيف أعاد ذكر إرادته التوبة؟ ولمَ قال: (وَاللَّهُ يُرِيدُ)
فقدم ذكر المخبر عنه، ثم قال: (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ)
فأخر المخبر عنه؟
قيل: أما إدخال اللام في الأول فلأنه عنى أنه يريد ما يريد
لأجل التوبة عليهم، وأراد بقوله (أن يتوب) أنه كما أراد ما هو
سبب التوبة عليهم، فقد أراد التوبة عليهم، إذ قد يصح إرادة
سبب الفعل دون الفعل نفسه، ففي هذا ظهور فائدة اللام وحسن

صفحة رقم 1196

إعادته، واقتضى إعادته أيضا ذكر قوله: (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ)
ليبين أن إرادة الله لكم مضادة لما يريدونه.
وأما تأخير المخبر عنه في قوله: (وَيُرِيدُ الَّذِينَ) فيجوز أنه
جعل الواو للحال لا العطف، تنبيهاً أنه يريد التوبة عليكم
في حال ما يريدون أن تميلوا، فخالف بين الإِخبارين ليبين أن
الثاني ليس على العطف.
وتخصيص الميل العظيم هو أن الإِنسان قد يترك تحري الخيرات
من الإِيمان والأعمال الصالحة، إما لعارض شغل وإما لكسل.
وإما لضلالة، وهو أن يسبق إلى اعتقاد باطل فينشأ عليه.
وإما لفسق وهو أن يكون مع الاعتقاد يستلذ تعاطي الشر.
ومن تركه للشغل فهو أسهل معالجة ممن يتركه لكسل.
ومن تركه للكسل

صفحة رقم 1197
تفسير الراغب الأصفهاني
عرض الكتاب
المؤلف
أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى
تحقيق
هند بنت محمد سردار
الناشر
كلية الدعوة وأصول الدين - جامعة أم القرى
سنة النشر
1422
عدد الأجزاء
2
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية