
لا فرق في ذلك بين الملائكة والنبيين والناس أجمعين! وهل الإله في حاجة للولد؟
ليقيم اسمه، ويحفظ ذكره، ويرثه بعد موته، وهل هو في حاجة إلى الولد ليعينه؟ كلا فالله قوى قادر، مالك الملكوت، حي دائم باق بعد فناء خلقه، صاحب الأمر والتصريف، وكفى بالله وكيلا!؟
وهذا عيسى نفسه يقول في إنجيل يوحنا: (وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته) فهذا نص صريح في أن المسيح رسول الله فقط، وفي الإنجيل أيضا: (من يقبلكم يقبلني ومن يقبلني يقبل الله الذي أرسلنى لن يتكبر المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة الذين هم أعظم من المسيح خلقا وقوة، فهم أعلم بذات الله ومكانته).
ومن يستنكف عن عبادة الله وحده ويتكبر ويدعى الإشراك أو التثليث فسيحشرهم إليه جميعا ويجازيهم على كل ذلك.
فأما المؤمنون بالله وحده والعاملون الصالحات فيوفيهم أجورهم كاملة، ويزيدهم من فضله فهو واسع الفضل كثير الخير.
وأما الذين استنكفوا وتكبروا فهم المعذبون عذابا أليما في الدنيا والآخرة ولا يجدون لهم من دون الله وليّا ولا نصيرا يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ
الدعوة العامة [سورة النساء (٤) : الآيات ١٧٤ الى ١٧٥]
يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (١٧٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً (١٧٥)

المناسبة:
بعد أن حاج القرآن النصارى فأفحمهم. ومن قبل حاج اليهود فألزمهم، وناقش المنافقين وكشف سترهم، وظهرت نبوءة محمد صلّى الله عليه وسلّم ظهور الشمس في رابعة النهار، نادى الناس جميعا ودعاهم إلى اتباعه.
المعنى:
أيها الناس: قد جاءكم برهان واضح، ونور ساطع، يبين لكم حقيقة الإيمان بالله، وهو رسول من أنفسكم، عزيز عليه ما عنتم، حريص عليكم، بالمؤمنين رؤوف رحيم، ذلك البرهان هو محمد صلّى الله عليه وسلّم النبي العربي الأمى، الذي نشأ في الجاهلية. لم يجلس إلى معلم، ولم يؤدبه مؤدب، ولم يتعلم في جامعة ولم يتخرج في معهد. ولم يعد إعدادا لتحمل أكبر رسالة في الوجود من إنسان!! كان في شبابه الأمين الصادق، وعند رجولته الكاملة كان الداعية إلى الله بأقوى أسلوب، وأوضح بيان، وقد كان المثل الأعلى في عمله، وعلمه، ورسالته، وسياسته وقيادته، وزعامته، فحقا أدبه ربه فأحسن تأديبه، نعم كان برهانا على صدق رسالته اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ [سورة الأنعام آية ١٢٤].
وأنزل الله إليكم مع هذا البرهان، نورا مبينا هو القرآن الكريم، ظهر في الوجود، بعد ما عميت القلوب، وغشيت الأبصار من الوثنية المشركة، واليهودية الكاذبة، والمسيحية الضالة، ظهر في الكون فأنار الوجود، وأضاء القلوب، وأحيا النفوس.
وأوضح الطريق لعبادة الله حق العبادة، وكان محكم التنزيل، كاملا في السياسة والاقتصاد، والاجتماع والعمران والعلوم الكونية والإلهية والسياسة الحربية للأمم، فحقا هو حبل الله المتين وهو النور المبين وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ. بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [سورة الشعراء آية ١٩٢- ١٩٥].. فمن تأمل هذا البرهان القوى، وذلك النور السماوي، ظهر له أن محمدا صلّى الله عليه وسلّم برهان من الله وحجة على أحقية هذا الدين، وأن كتابه القرآن أنزله الله بعلمه وشهد له بصدقه.