آيات من القرآن الكريم

بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا
ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ

الآية ١٣٧ المارة «وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا» (١٥٠) مذهبا يدينون به بين الكفر والإيمان والحال لا واسطة بينهما تتخذ طريقا بدأت به البتة كما أنه لا درجة ولا مرتبة بين الجنة والنار كما نوهنا به في الآية ٤٥ فما بعدها من سورة الأعراف في ج ١
«أُولئِكَ» الذين هذه صفتهم «هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا» المستحقون العذاب الأليم، ولذلك فإنا هيأنا «وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً» (١٥١) نزلت هذه في اليهود لأنهم كفروا بعيسى ومحمد والإنجيل والقرآن وآمنوا بموسى والتوراة، وفي النصارى لأنهم آمنوا بعيسى والإنجيل وكفروا بمحمد والقرآن. قال تعالى «وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ» في الإيمان والتصديق، وكذلك بكتبه فآمنوا بها كلها «أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ» كاملة يوم القيامة «وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً» لما سبق منهم من الخطايا «رَحِيماً» (١٥٢) بهم يعفو عنهم. ثم طفق جل شأنه يعدد من مساوئ اليهود وجرأتهم على الله فقال جل قوله «يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ» وذلك أن كعب بن الأشرف وفنخاص بن عازوراء قالا يا محمد إن كنت نبيا فأتنا بكتاب جملة واحدة كما جاءنا موسى بالتوراة. وهذا سؤال تعنت، لأن الله لا ينزل الآيات على اقتراح المقترحين، ثم شرع يبين ما وقع منهم قبل من القبائح فقال يا سيد الرسل لا ترد عليهم «فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً» عيانا بعد أن أنزلنا عليهم الكتاب جملة واحدة وأسمعناهم كلامنا كما مر في الآية ٥٤ من البقرة وتجاه جرأتهم هذه أمتناهم «فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ» أنفسهم وتحكمهم على نبيهم ثم أحييناهم إكراما لنبيهم ولم يتعظوا ولم ينتهوا ومالوا عن دينه الحق «ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ» إلها وعبدوه من دوننا «مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ» على صدق رسولهم «فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ» ولم نعاقبهم عليه تفضلا منا بعد توبتهم، وكانوا استحقوا بذلك عذاب الاستئصال «وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً» (١٥٣) على من خالفه وأجبنا دعوته راجع الآية ١٥٣ من الأعراف في ج ١. قال تعالى «وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ» لئلا ينقضوه

صفحة رقم 622

«وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً» مطأطئين رؤوسكم عند دخول باب إيليا، فدخلوه زحفا على أستاههم «وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ» أي لا تتعدوا وتتجاوزوا حدود الله فيه، فحفروا حياضا أدخلوا فيها السمك وسدوها عليها وتركوها فيها ليوم الأحد، فأخذوها راجع الآية ١٦٣ من الأعراف في ج ١ أيضا لتقف على حيلتهم هذه على الله وتعديهم حدوده «وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً» (١٥٤) مؤكدا في ذلك فنقضوه، ونكثوا عهد الله في ذلك كما فعلوا من قبل، وبعد، ولذلك عوقبوا بما قصه الله تعالى بقوله «فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ» الذي أوقعنا عليهم العذاب لسببه «وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ» محجوبة عما تدعونا إليه فرد الله عليهم بأنها ليست غلفا «بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ» أي الطبع الذي هددوا به هو السبب لعدم فهمهم مراد الله وانقيادهم لأمر رسوله «فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا» (١٥٥) ببعض التوراة وبعض أوامر نبيهم، ولو أنهم آمنوا بكل ذلك لآمنوا بعيسى والإنجيل ولآمنوا بمحمد والقرآن، لأن هذا مما هم مأمورون به في كتابهم وتعاليم نبيهم، ولكنهم لم يعملوا بهما فأعمى الله قلوبهم عن سلوك الصواب. ترشدنا هذه الآيات للوفاء بالعهد والأخذ بما جاء من عند الله وما أمر به الرسل وعلى حرمة التضليل واتخاذ الحيل لتحليل ما حرم الله وعلى الأخذ بالقرآن وأقوال الرسل وزجر النفس عن اتباع الهوى والإقلاع عن المعاصي والتوبة إلى الله وعدم الرجوع إلى ما نهى عنه. وهذا هو الحكم الشرعي في ذلك «وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً» (١٥٦) وهذا من جملة ما طبع على قلوبهم أيضا لأنهم أنكروا قدرة الله بخلقه من غير أب ورموا أمه الطاهرة بما لا يليق رماهم الله في طينة الخيال، وجحدوا المعجزات التي ظهرت عند ولادته وبعدها مما يدل على براءتها. وخلقه كخلق آدم «وَقَوْلِهِمْ» قاتلهم الله «إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ» بهت عظيم وكذب محض وزور مفترى.

صفحة رقم 623

مطلب عدم تيقن اليهود بان عيسى هو المصلوب، وآية الربا الرابعة، وعدد الأنبياء والرسل وفرق النصارى ونص الأقانيم الثلاث:
واعلم أن كلمة رسول الله هي من كلام الله تعالى لا من كلامهم لأنهم لا يعتقدون رسالة وقد صدقهم النصارى على فعل القتل فأكذبهم الله بقوله «وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ» بالمنافق يهودا الأسخريوطي الذي دلهم عليه لقاء ثلاثين درهما، وكان عليه السلام أخبر أصحابه بذلك بحضوره كما مر في الآية ١٥٤ من آل عمران المارة وما كان الله ليسلط هؤلاء الأنذال على صفيه عيسى «وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ» وهم اليهود الذين قبضوا على شبيهه وصلبوه «لَفِي شَكٍّ مِنْهُ» بأنه عيسى لأنه كان عند القبض عليه يصيح ويقول أنا لست المعلم يعني عيسى لأنهم كانوا يسمونه معلما، وعند الصلب كان يتضجر ويتويل ويقول أنا الذي دللتكم عليه، وكانوا يعهدون في عيسى الحزم والعزم وعدم التذلل، ولأنه حينما وضعوه على المصلبة صار يصيح (إلي إلي لم شبقنى) أي إلهي إلهي لم شنقتني؟
كما هو ثابت بالأناجيل الأربعة التي بيد النصارى الآن راجع الاصحاح ٤٧ من إنجيل متى و ١٥ من إنجيل مرقس، وجاء في بعضها بلفظ الى الى، وبعضها بلفظ إلهي إلهي، بما أوقع الشك في قلوبهم إنه ليس بعيسى لأنهم تحققوا فيه العزم والعزة والصّبر والشهامة، ولا يزال بصيح وهم يلكمونه ويبصقون عليه حتى قضى نحبه جزاء خيانته لعنه الله، وإنما شكوا فيه لأنهم يقولون لو كان عيسى لما تصور منه وقوع هذا الضجر كيف وهو من أولي العزم الذين يسلمون لأمر الله تسليما مطلقا ومما يؤيد عدم صدور ذلك منه قول النصارى بأنه أسلم نفسه ليكفر خطايا أمته ومن يسلم نفسه لذلك القصد باختياره لا يقع منه مثل هذا الكلام «ما لَهُمْ بِهِ» هؤلاء المختلفون بعيسى «مِنْ عِلْمٍ» حقيقي إن هو «إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ» لأن الصورة صورته عنا لا خلاف فيها والكلام غير كلامه، لأنه كثيرا ما جادلوه وهددوه فلم يروا منه إلا صلابة في المدافعة، ولم يأنسوا منه هذا الانخذال والانكسار والتذلل، ولهذا فانهم حينما قتلوه ما كانوا معتقدين أنه هو، ولهذا قال تعالى «وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً» (١٥٧) لما رابهم من تخضعه بالكلام وتمسكنه لهم

صفحة رقم 624
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية