
هداية الآيتين
من هداية الآيتين:
١- تقرير كفر اليهود والنصارى لفساد عقيدتهم وبطلان أعمالهم.
٢- كفر من كذب بالله ورسوله ولو في شيء واحد مما وجب الإيمان به.
٣- بطلان إيمان من يؤمن ببعض الرسل ويكفر ببعض.
٤- صحة الدين الإسلامي وبطلان اليهودية١ والنصرانية حيث أوعد تعالى اليهود والنصارى بالعذاب المهين، ووعد المؤمنين بتوفية أجورهم والمغفرة والرحمة لهم.
﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَاناً مُبِيناً (١٥٣) وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُلْنَا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً (١٥٤) ﴾
شرح الكلمات:
﴿جَهْرَةً﴾ : عياناً نشاهده ونراه بأبصارنا.
﴿الصَّاعِقَةُ﴾ : صوت حاد ورجفة عنيفة صعقوا بها.
﴿بِظُلْمِهِمْ﴾ : بسبب ظلمهم بطلبهم ما لا ينبغي.
﴿اتَّخَذُوا الْعِجْلَ﴾ : أي: إلهاً فعبدوه.
﴿فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ﴾ : أي: لم يؤاخذهم به.
﴿سُلْطَاناً مُبِيناً﴾ : حجة واضحة وقدرة كاملة قهر بها أعداءه.

﴿وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ﴾ : أي: جبل الطور بسيناء.
﴿ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً﴾ : أي: راكعون متواضعين خاشعين لله شكراً لنعمه عليهم.
﴿لا تَعْدُوا١﴾ : لا تعتدوا، أي: لا تتجاوزوا ما حد لكم فيه من ترك العمل إلى العمل فيه.
﴿مِيثَاقاً غَلِيظاً﴾ : عهداً مؤكداً بالأيمان.
معنى الآيتين:
لما نعى الرب تعالى على أهل الكتاب قولهم نؤمن ببعض الرسل ونكفر ببعض حيث آمن اليهود بموسى وكفروا بعيسى وآمن النصارى بعيسى وكفروا بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما كفر به اليهود أيضاً ذكر تعالى لرسوله أن اليهود إذا سألوك أن تنزل عليهم٢ كتاباً من السماء فلا تعجب من قولهم، ولا تحفل به إذ هذه سننهم وهذا دأبهم، فإنهم قد سألوا موسى قبلك أعظم من هذا، فقالوا له: أرنا الله جهرة، فأغضبوا الله تعالى، فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون واتخذوا العجل إلهاً يعبدونه في غياب موسى عليهم، وكان ذلك منهم بعد مشاهداتهم البينات حيث فلق الله لهم البحر وأنجاهم وأغرق عدوهم ومع هذا فقد عفا الله عنهم، وآتى نبيهم سلطاناً مبيناً، ولم يؤثر ذلك في طباعهم هذا ما تضمنته الآية الأولى (١٥٣) وهي قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً٣ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ٤ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ٥ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَاناً مُبِيناً﴾. أما الآية الثانية (١٥٤) فقد أخبر تعالى أنه رفع فوقهم الطور تهديداً لهم ووعيداً وذلك ما امتنعوا أن يتعهدوا بالعمل بما في التوراة، فلما رفع الجبل فوقهم خافوا فتعهدوا معطين بذلك ميثاقاً غير أنهم نقضوه كما سيأتي الإخبار بذلك. هذا
٢ ذكر القرطبي بغير إسناد أن اليهود سألت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يصعد إلى السماء وهم يرونه، فينزل عليهم كتابًا مكتوبًا فيما يدعيه على صدقه دفعة واحدة، كما أتى موسى بالألواح تعنتًا منهم فأنزل الله تعالى الآية.
٣ ﴿جَهْرَة﴾ نعت لمصدر محذوف تقديره: رؤية جهرة، ويصح أن يكون حالا، أي: مجاهرة بلا حجاب ساتر.
٤ ﴿بِظلمهم﴾ : الباء سببية، أي: سبب ظلمهم، وليس المراد من ظلمهم طلب رؤية الله تعالى. إذ هذا طلبه موسى أيضاً، ولكن ظلمهم: كونهم اشترطوا لإيمانهم بموسى حتى يريهم الله جهرة.
٥ العطف بثم هنا: هو للتراخي الرتبي لا لإفادة الترتيب الزمني، إذ اتخاذهم العجل كان قبل طلبهم رؤية الله جهرة، إذ المراد من البينات التي جاءتهم انفلاق البحر، وقبله آية العصا، وغيرها من التسع آيات التي أتى الله موسى عليه السلام.

معنى قوله تعالى: ﴿وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً﴾ كان هذا عندما دخل يوشع بن نون فتى موسى مدينة القدس فاتحاً أوحى الله تعالى إليه أن يأمر بني إسرائيل أن يدخلوا باب المدينة خاضعين متطامنين شكراً لله تعالى على نعمة الفتح فبدل أن يطيعوا ويدخلوا الباب راكعين متطامنين دخلوه زحفاً على استاهم مكراً وعناداً والعياذ بالله. وقوله: ﴿وَقُلْنَا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ﴾ أي: ونهيناهم عن الصيد في السبت فتعدوا نهينا وصادوا عصياناً وتمرداً، وقوله تعالى: ﴿وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً﴾ أي: على أن يعملوا بما شرعنا لهم تحليلاً وتحريماً في التوراة، ومع هذا فقد عصوا وتمردوا وفسقوا، إذاً فلا غرابة في سؤالهم إياك على رسالتك وليؤمنوا بك أتنزل عليهم كتاباً من السماء. هذا معنى قوله تعالى في الآية (١٥٤) ﴿وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُلْنَا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ﴾ أي: لا تتجاوزا ما أحللنا لكم إلى ما حرمنا عليكم ﴿وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً١﴾.
هداية الآيتين:
من هداية الآيتين:
١- تعنت أهل الكتاب إزاء الدعوة الإسلامية وكفرهم بها على علم إنها دعوة حق.
٢- بيان قبائح اليهود وخبثهم الملازم لهم طوال حياتهم.
٣- نفض اليهود للعهود والمواثيق أصبح طبعاً لهم لا يفارقهم أبداً، ولذا وجب عدم الثقة في عهودهم ومواثيقهم.
{فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلاً (١٥٥) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً (١٥٦) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ