آيات من القرآن الكريم

وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَٰئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا
ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ

(وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ... (١٥٢)
* * *
وصف الله سبحانه وتعالى المؤمنين حقا وصدقا بوصفين: الوصف الأول الإيمان بالله تعالى ورسله أجمعين، لَا فرق بين رسول ورسول، إذ الجميع يؤدون رسالات ربهم ويبلغونها، والثاني أنهم لم يفرقوا في الإيمان بين رسول ورسول، بل إن الجميع في موضع من نفوسهم، والإيمان من قلوبهم. ذلك أنه حق على المؤمن أن يؤمن بكل رسول أرسله الله تعالى، كما قال تعالى: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٦).
فإذا كان محمد خاتم النبيين فرسالته متممة للرسالات، وهو آخر لبنة في صرح النبوة الإلهية.
وإذا كان المؤمنون حقا وصدقا هم الذين يذعنون لما أمر الله، ويصدقون برسالاته، ويستجيبون لدعوة رسول الله وهم يناقضون الذين فرقوا بين رسله، فجزاؤهم لذلك مختلف، ولذا قال سبحانه في هذا الجزاء:
(أُوْلَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) الإشارة هنا إلى الذين آمنوا الموصوفين بالصفات السابقة وتكرار ذكرهم بالإشارة للتوكيد بأن الإذعان الكامل من غير استعلاء، وجحود، وحقد، وعدم التفرقة بين الأنبياء وهو وحده الذي جعل لهم ذلك الجزاء، والأجر هنا هو الجزاء، وهي رحمة الله تعالى عليهم إذ جعل ذلك

صفحة رقم 1940

الثواب المقيم، والنعيم الدائم، جزاء العمل، وهو أكبر من العمل، بل إن الأعمال ذاتها قد يكون فيها هفوات تستوجب الحساب ويتبعه العقاب، ولكن الله تعالى قرر في كتابه الكريم: (... إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ).
ولذلك ذُيلت بقوله الآية تعالى: (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) للدلالة على أن ذلك الثواب هو من فضل الله وسعة رحمته، وإن ذلك لأنه متصف بالغفران الدائم والرحمة الدائمة.
وقد أكد الله سبحانه وتعالى الجزاء والثواب بالتعبير بسوف الدالة على تأكيد الفعل في الزمن المستقبل. اللهم اغفر لنا وارحمنا فأنت خير الراحمين.
* * *
(يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا (١٥٣) وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (١٥٤)
* * *
بين سبحانه وتعالى في الآيات السابقة أحوال بعض أهل الكتاب الذين آمنوا ببعض النبيين وكفروا ببعض، واعتبروا بهذا كافرين بالله تعالى؛ لأن من كفر برسول، فقد كفر بالرسالة الإلهية، ومن كفر برسالة الله تعالى، فقد كفر به، ثم بين سبحانه وتعالى حقيقة الإيمان واصفا الذين آمنوا بالله ورسوله، ولم يفرقوا بين أحد من رسله موازنا بذلك بين الإيمان والكفر في الحقيقة وفي النتيجة، وأن الكافرين أعد الله لهم عذابا أليما، وأن المؤمنين لهم أجرهم نعيم مقيم، وغفران ورحمة، ورضوان من الله

صفحة رقم 1941

أكبر، وفي الآيات التالية يبين الله تعالى لجاجة اليهود في كفرهم وإعنات الرسول المبعوث لهم، ولغيرهم، وهو خاتم النبيين محمد - ﷺ -، ومن هذه اللجاجة ما قاله الله سبحانه وتعالى عنهم بقوله:

صفحة رقم 1942
زهرة التفاسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة
الناشر
دار الفكر العربي
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية