
ذلك في الآخرة.
وقال ابن جريج: معن: ﴿أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ﴾ ألم يتبين لكم أنا معكم.
وأصل الاستحواذ الغلبة والاستيلاء.
قوله: ﴿إِنَّ المنافقين يُخَادِعُونَ الله﴾ الآية.
معنى الآية أن المنافقين يخادعون الله بإحرازهم لإيمانهم دماءهم وأموالهم، ﴿وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾ هو ما حكم فيهم من منع دمائهم وأموالهم بما ظهر من إيمانهم مع علمه بباطن اعتقادهم استدراجاً للانتقام منهم في الآخرة.
وقال السدي: ﴿وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾ يعطيهم الله يوم القيامة نوراً يمشون به مع المؤمنين كما كان معهم في الدنيا إيمان يمنع من دمائهم ثم يسلبهم ذلك النور فيطفئه، فيقومون في ظلمتهم ويضرب بينهم بسور.
وقال ابن جريج: إخداع الله لهم هو ما ذكر من قولهم ﴿انظرونا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ﴾ [الحديد: ١٣].
وقال الحسن: يلقى على كل مؤمن ومنافق نور يمشون به حتى إذا انتهوا إلى

الصراط طفئ نور المنافقين ومضى المؤمنون بنورهم فينادونهم
﴿انظرونا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ﴾ ألم نكن معكم في المسجد والحج والغزو؟
﴿قَالُواْ بلى ولكنكم فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ﴾ باعتقادكم خلاف ما أظهرتم ﴿وَتَرَبَّصْتُمْ﴾ عن التوبة ﴿وارتبتم﴾ أي: شككتم في رسول الله ﷺ وثواب الله تعالى وعقابه سبحانه.
قال الحسن: فتلك خديعة الله إياهم.
وقيل: المعنى: يُخادعون أولياء الله وهو أنهم يظهرون خلاف ما يبطنون ﴿وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾ أي معاقبتهم، وسمي الثاني خداعاً لأنه مجازاة للأول، وقيل: لازدواج الكلام.
وقيل: معنى: ﴿يُخَادِعُونَ الله﴾ أي نبيه ﷺ لأن من خادع النبي ﷺ، فقد خادع الله سبحانه كما قال ﴿إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله﴾ [الفتح: ١٠].
قوله: ﴿وَإِذَا قاموا إِلَى الصلاة قَامُواْ كسالى﴾ الآية.
هذا إعلام من الله تعالى أن المنافقين لا يعملون شيئاً من الفروض إلا رياء، وإبقاء على [أنفسهم، فهم إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى، إذ ليست عندهم بفرض. إنما يقومون للناس] رياء إذ لا يرجون ثواباً، ولا يخافون عقاباً.

ثم يقال: ﴿وَلاَ يَذْكُرُونَ الله إِلاَّ قَلِيلاً﴾ أي إلا ذكراً قليلاً.
والمعنى: أنهم يذكرون الله رياء لا ذكر مؤمن موقن بتوحيد الله تعالى فلذلك سمي قليلاً، إذ هو غير مقصود به الله سبحانه، وما عنده تعالى، فمن أجل هذا وصف بالقلة، مع أنه ليس في ذكر الله تعالى قليل، إنما قل من أجل اعتقادهم لا من أجل قلة ذكرهم.
قال الحسن: إنما قل لأنه كان لغير الله سبحانه.
وقال علي رضي الله عنهـ " ما قل عمل مع تقوى، وكيف يقل ما يتقبل! يريد قوله ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ المتقين﴾ [المائدة: ٢٧] فمن تقبل شيء من عمله، فهو من المتقين، ومن كان من المتقين فهو من أهل الجنة، يقول الله: ﴿إِنَّ المتقين فِي جَنَّاتٍ﴾ [القمر: ٥٤].
قوله: ﴿مُّذَبْذَبِينَ﴾ أي: متحيرين في دينهم مضطربين، وأصل التذبذب التحرك والاضطراب، فهم يتحيرون في دينهم لا مع المؤمنين على بصيرة، ولا مع المشركين على جهالة، فهم حيارى.
قال النبي ﷺ: " مثل المنافق مثل الشاة العائرة بين الغنمين تعير إلى هذه مرة،