
ترك الإيمان مرة بعد مرة، ثم ازداد تماديا في الغي، فقد صار من الذين وصفهم بقوله: (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)، ثم قال: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)، فبين تعالى أن من انتهى في الغي إلى هذا المنزل فقد صار بحيث لا يتوب، وإذا لم يتب لم يغفر له ولا ليهديه إذ هو لا يهتدي لكونه مطبوعا على قلبه لما ارتكبه،
وقال بعض الفقهاء: إن المرتد تقبل توبته سار
بالكفر أولم يُسر، لأنه جعلهم مؤمنين بعد دخولهم في الكفر.
قوله تعالى (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٣٨) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (١٣٩)
العِّزةُ: حالة مانعة للإنسان من أن يغلب، وهو من قولهم أرض عزاز أي صلبة، وتعزز اللحم اشتد

وعزَّ كأنه حصل في عزاز يصعب الوصول إليه، كقولهم: تظلف كأنه حصل
في ظلف من الأرض، وعزز المطر الأرض صلبها، وشاة عزوز قل درُّها،
والبشارة: الخبر الذي ظهر أثره في بشر الوجه، وأكثر ما يستعمل في
السرور، ويجوز أن يكون في مثل هذا الموضع رد إلى أصله، كالطرب الذي هو خفة من الفرح والترح في الأصل ثم كثر في الفرح، فرد الشاعر إلى أصله في قوله:
وأراني طَرباً في إثرهم | طَرَبَ الوَالِهِ أو المُخْتَبَل |