آيات من القرآن الكريم

۞ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَنْ تَعْدِلُوا ۚ وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ

١٣٥ - قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ﴾
القسط: العدل (١)، ومضى الكلام فيه (٢).
وقوّام مبالغة من قائم، كأنه قيل: كونوا قائمين بالقسط (٣).
والقائم بالشيء معناه الكفيل به الذي يأتي به على وجهه.
قال ابن عباس: معناه: كونوا قوَّالين بالعدل في الشهادة، على من كانت، ولو على أنفسكم (٤).
وانتصب قوله: ﴿شُهَدَاءَ لِلَّهِ﴾ على الحال من ﴿قَوَّامِينَ﴾، ويجوز أن يكون خبر ﴿كُونُوا﴾، على أن لها خبرين بمنزلة خبر واحد، ونحو هذا: حلو حامض، وجائز أن يكون صفة لقوامين (٥).
وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾، قال عطاء: يريد وقولوا الحق، ولو على أنفسكم، وإن كان فيه مضرة عليكم (٦).
وشهادة الإنسان على نفسه: هو إقراره بما عليه من الحق (٧)، وذلك الإقرار شهادة منه على نفسه، فكأنه قيل: ولو كان لأحد عليكم حق فأقروا به على أنفسكم.

(١) انظر: الطبري ٥/ ٣٢٠، و"معاني الزجاج" ٢/ ١١٧، و"زاد المسير" ٢/ ٢٢٢.
(٢) انظر تفسير قوله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى﴾ [النساء: ٣].
(٣) انظر: الطبري ٥/ ٣٢١، و"زاد المسير" ٢/ ٢٢٢.
(٤) من "الكشف والبيان" ٤/ ١٣١، والأثر بمعناه في تفسير ابن عباس ص ١٦١، وأخرجه الطبري ٥/ ٣٢٢، من طريق علي بن أبي طلحة أيضًا.
(٥) انظر: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٤٦٠، و"الدر المصون" ٤/ ١١٣، وقد رجح كل منهما القول الأول.
(٦) لم أقف عليه.
(٧) "النكت والعيون" ١/ ٥٣٤، وانظر: "زاد المسير" ٢/ ٢٢٢.

صفحة رقم 140

وقال أبو إسحاق: المعنى: قوموا بالعدل واشهدوا الله (١) بالحق، وإن كان الحق على نفس الشاهد، أو على والديه، أو أقربيه (٢).
وقوله تعالى: ﴿إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا﴾ اسم كان مضمر، على تقدير: إن يكن المشهود عليه ومن يخاصم غنيًا أو فقيرًا (٣).
قال ابن عباس: يقول: لا تُحابوا غنيًا لغناه، ولا ترحموا فقيرًا لفقره (٤).
قال عطاء: يريد يكونون عندكم سواء، لا تحيفوا على الفقير، ولا تُعظِّموا الغني، وتمسكوا عن القول فيه (٥).
يريد: يكون شأنكم العدل والصدق في القريب والبعيد، والغني والفقير.
وقوله تعالى: ﴿فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا﴾ ولم يقل به وكان الغنى والفقر صفة مشهود عليه واحد، لأن المعنى: فالله أولى بكل واحد منهما.
قال الزجاج: أي: إن يكن المشهود عليه غنيًّا فالله أولى به، وكذلك إن يكن المشهود عليه فقيرًا فالله أولى به (٦). فجمعهما في الكناية لهذا المعنى.
ومعنى: ﴿فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا﴾ أي: أعلم بهما منكم؛ لأنه يتولى علم أحوالهما من الغنى والفقر.
وهذا معنى قول الحسن: الله أعلم بغناهم وفقرهم (٧).

(١) في "معاني الزجاج": لله، وهو الأظهر.
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ١١٨، وانظر: "زاد المسير" ٢/ ٢٢٢.
(٣) انظر: الطبري ٥/ ٣٢٣، و"معاني الزجاج" ٢/ ١١٨، و"إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٤٦٠، و"زاد المسير" ٢/ ٢٢٢.
(٤) "الكشف والبيان" ٤/ ١٣١ ب.
(٥) انظر: "زاد المسير" ٢/ ٢٢٢.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ١١٨، وانظر: "زاد المسير" ٢/ ٢٢٢.
(٧) انظر: "تفسير كتاب الله العزيز" ١/ ٤٣٠، و"معالم التنزيل" ٢/ ٢٩٨.

صفحة رقم 141

وقوله تعالى: ﴿فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا﴾، أكثر المفسرين على أن هذا من العدول الذي هو الميل والجور، على معنى: واتقوا أن تعدلوا (١)، فحذف؛ لأن في النهي عن اتباع الهوى دليلًا على الأمر بالتقوى.
وهذا معنى قول مقاتل، لأنه قال: ﴿فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى﴾ في الشهادة، واتقوا الله ﴿أَنْ تَعْدِلُوا﴾ عن الحق إلى الهوى (٢).
وقال ابن عباس: يريد أن تميلوا عن العدل، وهو قول الكلبي أيضًا (٣).
وعند الفراء والزجاج: يجوز أن يكون ﴿تَعْدِلُوا﴾ من العدل على معنى: ولا تتبعوا الهوى لتعدلوا، كما تقول: لا تتبعن هواك لترضي ربك، أي: أنهاك عن هذا كيما (٤) ترضي ربك. قاله الفراء (٥).
وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا﴾ يجوز أن يكون من لوي بمعنى المدافعة (٦)، ويجوز أن يكون من لوى الشيء إذا قتله (٧)، وكلاهما قريب.
قال مجاهد: ﴿وَإِنْ تَلْوُوا﴾ تبدِّلوا الشهادة ﴿أَوْ تُعْرِضُوا﴾ تكتموها فلا تقيموها (٨).

(١) دعوى أن أكثر المفسرين على هذا القول فيها نظر، فلم أجد من ذهب إلى ذلك غير الطبري مع أنه أشار إليه إشارة في "تفسير الطبري" ٥/ ٣٢٣، وقد عزاه في "زاد المسير" ٢/ ٢٢٢، إلى مقاتل، وانظر: "الدر المصون" ٤/ ١١٧.
(٢) "تفسيره" ١/ ٤١٤، وانظر: و"زاد المسير" ٢/ ٢٢٢.
(٣) لم أقف عليهما.
(٤) في المخطوط "كما"، وهو تصحيف ظاهر، انظر: "معاني الفراء" ١/ ٢٩١.
(٥) "معاني القرآن" ١/ ٢٩١، وانظر: "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج ٢/ ١١٨.
(٦) انظر: الطبري ٥/ ٣٢٥، و"معاني الزجاج" ٢/ ١١٨.
(٧) انظر: "اللسان" ٧/ ٤١٠٧ (لوى).
(٨) "تفسيره" ١/ ١٧٨، وأخرجه الطبري ٥/ ٣٢٣ من طرق، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" ٢/ ٤١٤ إلى البيهقي.

صفحة رقم 142

وهذا من ليّ اللسان، كأنه لواها من الحق إلى الباطل. ونحو ذلك قال السدي: اللي: الدفع والإعراض: الجحود (١). وهو من قولهم: [لوى] (٢) حقه، إذا مطله ودفعه (٣).
وقال مقاتل: ﴿وَإِنْ تَلْوُوا﴾ يعني التحريف للشهادة، يلجلج بها لسانه فلا يقيمها ليبطل شهادته، ﴿أَوْ تُعْرِضُوا﴾ عنها فلا تشهدوا بها (٤).
وقال عطية العوفي: ﴿وَإِنْ تَلْوُوا﴾ "تلجلجوا في الشهادة فتفسدوها، ﴿تُعْرِضُوا﴾ بتركها" (٥).
وفي قوله: ﴿وَإِنْ تَلْوُوا﴾ قراءتان: إحداهما - بواوين. والأخرى تلُوا اللام (٦).
فمن قرأ بواوين فحجته: ما رُوي عن ابن عباس أنه فسر هذا بأنه القاضي، ليُّهُ وإعراضه لأحد الخصمين على الآخر (٧).

(١) أخرجه بمعناه الطبري ٥/ ٤٢٤، وانظر: "زاد المسير" ٢/ ٢٢٣.
(٢) ما بين المعقوفين في المخطوط: "لوا" وهو خطأ في "الإملاء".
(٣) انظر: الطبري ٥/ ٤٢٥، و"معاني الزجاج" ٢/ ١١٨، و"الكشف والبيان" ٤/ ١٣١ ب، و"النكت والعيون" ١/ ٥٣٤.
(٤) "تفسيره" ١/ ٤١٤.
(٥) أخرجه الطبري ٥/ ٣٢٤.
(٦) هكذا في المخطوط، ولعل في الكلام سقطًا، فإن استقامة الكلام: "بواو واحدة وضم اللام" انظر: "الحجة" ٣/ ١٨٥، وهذِه القراءة لحمزة وابن عامر، والقراءة الأولى للباقين. انظر: "السبعة" ص ٢٣٩، و"الحجة" ٣/ ١٨٥، و"المبسوط" ص ١٥٩، و"تحبير التيسير في قراءات الأئمة العشرة" ص ١٠٦.
(٧) "الحجة" ٣/ ١٨٥، والأثر عن ابن عباس أخرجه الطبري ٥/ ٣٢٣، وانظر: "الكشف والبيان" ٤/ ١٣٢ أ، و"زاد المسير" ٢/ ٢٢٣

صفحة رقم 143

قال الزجاج: وجاء في التفسير أن لوى الحاكم في قضيته: أو أعرض (١).
﴿فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ [النساء: ١٣٥] قال (٢): ويقال: لويت فلانًا حقه، إذا دافعته به ومطلته.
وكذلك جميع ما حكينا عن المفسرين في هذا الحرف يدل على صحة هذه القراءة.
قال الزجاج: وهذا هو الأشبه على ما جاء في التفسير (٣).
وحجة من قرأ: ﴿تلوا﴾ بواو واحدة أن يقول: إن ﴿تلوا﴾ في هذا الموضع حسن، لأن ولاية الشيء إقبال عليه، وخلاف الإعراض عنه، فالمعنى: إن تقبلوا أو تعرضوا، فلا تلوا، فإن الله كان بما تعملون خبيرًا، فيجازي المحسن المقبل بإحسانه، والمسيء المعرض بإعراضه (٤).
وقال المبرد: إن للولاية ههنا وجهًا حسنًا، يقول: إن تلوا إقامتها أو تعرضوا عن إقامتها (٥).
وقال قطرب: (إن تلوا) من الولاية، يريد: إن تلوا القيام بالحق وتتولوه، أو تعرضوا عنه فلا تقوموا به (٦).
وذكر أبو إسحاق والفراء جميعًا لهذه القراءة وجهًا آخر: وهو أنه يجوز أن يكون (تلُوا) أصله: تَلْوُوا، فأبدل من الواو المضمومة همزة، ثم

(١) "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ١١٨ لكن فيه: "أنَّ" لوى الحاكم في قضيته: "أعرض". فلعل الصواب. أي أعرض.
(٢) أي: الزجاج.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ١١٨.
(٤) "الحجة" ٣/ ١٨٥، وانظر: "إعراب القراءات السبع" لابن خالويه ١/ ١٣٨.
(٥) لم أقف عليه.
(٦) لم أقف عليه.

صفحة رقم 144
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية