آيات من القرآن الكريم

وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا
ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ

وَهُوَ مُحْسِنٌ وهو عامل للحسنات تارك للسيئات حَنِيفاً حال من المتبع، أو من إبراهيم كقوله: (بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) وهو الذي تحنف أى مال عن الأديان كلها إلى دين الإسلام وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا مجاز عن اصطفائه واختصاصه بكرامة تشبه كرامة الخليل عند خليله. والخليل: المخال، وهو الذي يخالك أى يوافقك في خلالك، أو يسايرك في طريقك، من الخل: وهو الطريق في الرمل، أو يسدّ خللك كما تسدّ خلله، أو يداخلك خلال منازلك وحجبك. فإن قلت: ما موقع هذه الجملة؟ قلت: هي جملة اعتراضية لا محل لها من الإعراب، كنحو ما يجيء في الشعر من قولهم:
......... وَالْحَوَادِثُ جَمَّةٌ «١»
فائدتها تأكيد وجوب اتباع ملته، لأن من بلغ من الزلفى عند اللَّه أن اتخذه خليلا، كان جديراً بأن تتبع ملته وطريقته. ولو جعلتها معطوفة على الجملة قبلها لم يكن لها معنى. وقيل: إن إبراهيم عليه السلام بعث إلى خليل له بمصر في أزمة أصابت الناس يمتار منه. فقال خليله: لو كان إبراهيم يطلب الميرة لنفسه لفعلت، ولكنه يريدها للأضياف، فاجتاز غلمانه ببطحاء لينة فملئوا منها الغرائر حياء من الناس. فلما أخبروا إبراهيم عليه السلام ساءه الخبر، فحملته عيناه وعمدت امرأته إلى غرارة منها فأخرجت أحسن حوّارى، واختبزت واستنبه إبراهيم عليه السلام فاشتم رائحة الخبز، فقال: من أين لكم؟ فقالت امرأته: من خليلك المصري. فقال: بل من عند خليلي اللَّه عز وجل، فسماه اللَّه خليلا.
[سورة النساء (٤) : آية ١٢٦]
وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً (١٢٦)
وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ متصل بذكر العمال الصالحين والصالحين. معناه: أن له ملك أهل السموات والأرض، فطاعته واجبة عليهم وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً فكان عالما بأعمالهم فمجازيهم على خيرها وشرها، فعليهم أن يختاروا لأنفسهم ما هو أصلح لها.
[سورة النساء (٤) : آية ١٢٧]
وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللاَّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً (١٢٧)

(١).
يا ليت شعري والحوادث جمة هل أغدون يوما وأمرى مجمع
قوله «والحوادث جمة» أى كثيرة، جملة اعتراضية. وأغدون: مؤكد بالنون الخفيفة. «وأمرى مجمع» أى منوي مجزوم بامتثاله. أو المعنى: وشملى مجتمع بعد تفرقه، وهي جملة حالية مغنية عن خبر أغدون أو خبرها، وزيدت الواو لتوكيد الربط. وأجمع يتعلق بالمعقول، وجمع يتعلق بالمحسوس.

صفحة رقم 569

ما يُتْلى في محل الرفع. أى اللَّه يفتيكم والمتلوّ فِي الْكِتابِ في معنى اليتامى، يعنى قوله (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى) وهو من قولك: أعجبنى زيد وكرمه. ويجوز أن يكون.
(ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) مبتدأ و (فِي الْكِتابِ) خبره على أنها جملة معترضة، والمراد بالكتاب اللوح المحفوظ تعظيما للمتلو عليهم، وأن العدل والنصفة في حقوق اليتامى من عظائم الأمور المرفوعة الدرجات عند اللَّه التي تجب مراعاتها والمحافظة عليها، والمخل بها ظالم متهاون بما عظمه اللَّه. ونحوه في تعظيم القرآن: (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) ويجوز أن يكون مجروراً على القسم، كأنه قيل:
قل اللَّه يفتيكم فيهنّ، وأقسم بما يتلى عليكم في الكتاب. والقسم أيضا لمعنى التعظيم، وليس بسديد أن يعطف على المجرور في: (فِيهِنَّ)، لاختلاله من حيث اللفظ والمعنى، فإن قلت بم تعلق قوله فِي يَتامَى النِّساءِ؟ قلت: في الوجه الأوّل هو صلة (يُتْلى) أى يتلى عليكم في معناهن. ويجوز أن يكون (فِي يَتامَى النِّساءِ) بدلا من (فِيهِنَّ) وأما في الوجهين الآخرين فبدل لا غير. فإن قلت:
الإضافة في: (يَتامَى النِّساءِ) ما هي؟ قلت: إضافة بمعنى «من» كقولك: عندي سحق عمامة.
وقرئ: في ييامى النساء، بياءين على قلب همزة أيامى ياء لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وقرئ: ما كتب اللَّه لهنّ، أى ما فرض لهن من الميراث. وكان الرجل منهم يضم اليتيمة إلى نفسه وما لها «١». فإن كانت جميلة تزوجها وأكل المال، وإن كانت دميمة عضلها عن التزوج حتى تموت فيرثها وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ يحتمل في أن تنكحوهن لجمالهن، وعن أن تنكحوهن لدمامتهن. وروى أن عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه كان إذا جاءه ولى اليتيمة نظر، فإن كانت جميلة غنية قال: زوّجها غيرك والتمس لها من هو خير منك. وإن كانت دميمة ولا مال لها قال:
تزوجها فأنت أحق بها «٢» وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مجرور معطوف على يتامى النساء، وكانوا في الجاهلية إنما يورثون الرجال القوام بالأمور دون الأطفال والنساء. ويجوز أن يكون خطابا للأوصياء كقوله: (وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) وَأَنْ تَقُومُوا مجرور كالمستضعفين بمعنى: يفتيكم في يتامى النساء، وفي المستضعفين. وفي أن تقوموا. ويجوز أن يكون منصوبا بمعنى: ويأمركم أن تقوموا، وهو خطاب للأئمة في أن ينظروا لهم ويستوفوا لهم حقوقهم، ولا يخلوا أحداً يهتضمهم.

(١). قوله «ومالها الخ» عبارة النسفي: ولعل أصله ومالها إلى ماله. (ع)
(٢). أخرجه الطبري من طريق إبراهيم أن عمر بن الخطاب- فذكره مرسلا.

صفحة رقم 570
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشريّ، جار الله، أبو القاسم
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة
الثالثة - 1407 ه
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية