
وبساتينها، وذلك الوعد الإلهي وعد حق، وصدق قاطع، ومن أصدق من الله حديثا ووعدا؟ أي لا أحد أصدق منه خبرا لأنه القادر على كل شيء.
الأماني والعمل
ينخدع كثير من الناس في هذه الحياة، فيظنون أن تحقيق الآمال في الدنيا أو في الآخرة بمجرد التمنيات والأماني النفسية، ويتركون العمل الصالح الطيب ويركنون إلى الكسل والتقاعس، ويطمئنون إلى وعود الشيطان بالباطل التي يمنّي فيها بعض الناس بالأماني الكاذبة.
وقد نزل القرآن مفندا الاعتماد على مثل هذه التمنيات، وباعثا حب العمل، ومحركا النفوس البشرية للإقبال على العمل الصالح، ليظفروا بالسعادة والغايات السامية، وتحقيق المطالب المنشودة.
قال الله تعالى:
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٢٣ الى ١٢٦]
لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٢٣) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (١٢٤) وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً (١٢٥) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً (١٢٦)
«١» «٢» «٣» [النساء: ٤/ ١٢٣- ١٢٦].
تعدّد سبب نزول هذه الآيات، فقال ابن عباس: قالت اليهود والنصارى: لا يدخل الجنة غيرنا، وقالت قريش: إنا لا نبعث يوم القيامة. فأنزل الله: لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ.. أي فالخطاب لكفار قريش.
(٢) أخلص نفسه لله.
(٣) مائلا عن الباطل إلى الدين الحق.

وقال مسروق وغيره: سبب الآية أن المؤمنين اختلفوا مع قوم من أهل الكتاب، فقال أهل الكتاب: ديننا أقدم من دينكم وأفضل، ونبينا قبل نبيكم، فنحن أفضل منكم، وقال المؤمنون: كتابنا يقضي على الكتب، ونبينا خاتم النبيين، فنزلت الآية، أي فالخطاب لأمة محمد صلّى الله عليه وسلّم.
والمعنى: ليس تحقيق المطالب ومنها الثواب يوم القيامة يحصل بالأماني منكم أيها المسلمون، ولا أنتم أهل الكتاب وكفار قريش، ولكن الجزاء منوط بالعمل، والثواب المعد في الآخرة مرتبط بالاعتقاد الصحيح، والعمل الصالح، والعبرة بطاعة الله عز وجل واتباع ما شرعه على ألسنة الرسل الكرام.
فمن يعمل سوءا يجز به لأن الجزاء أثر للعمل، كما قال الله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨) [الزلزلة:
٩٩/ ٧- ٨] وفاعل السوء لا نجاة له يوم القيامة، ولا يجد له شفيعا ينقذه، ولا وليا يتولى أمره، ولا ناصرا ينصره ويدفع عنه شيئا من عذاب الله.
وهذا كله لمن كفر بالله وجحد بنعمه، فجزاء السوء أمر حتمي لكل كافر، كما قال الله تعالى: ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ (١٧) [سبأ: ٣٤/ ١٧].
أما المؤمنون الصالحون فإن الله وعد المؤمنين أن يكفر عنهم سيئاتهم إذا تابوا وأنابوا، وقد تكون بعض الحوادث مكفرة الخطايا لأهل الإيمان، مثل الأمراض والبلايا والمصائب في الدنيا، وهموم الحياة ومخاوفها.
وتكون العقيدة: أن الكافر مجازي على سيئات أعماله، والمؤمن يجازى في الدنيا غالبا على سوء عمله، فمن بقي له سوء إلى الآخرة فهو متروك إلى مشيئة الله تعالى، يغفر الله لمن يشاء، ويجازي من يشاء. وقانون القرآن في قبول الله تعالى الأعمال

الصالحة والأفعال الخيرة مرتكز على قاعدة الإيمان الصحيح بالله تعالى، فمن آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، وعمل صالح الأعمال التي أمر الله بها، لا فرق بين ذكر وأنثى، فأولئك لا غيرهم يدخلون الجنة، دون أن ينقص من ثواب عملهم شيء مهما كان قليلا، والله أرحم الراحمين لا يظلم العباد، ولا يزيد في عقاب المقصرين.
وبعد أن بين الله سبحانه أن الجزاء منوط بالعمل والإيمان، لا بالأماني المعسولة والتمنيات الموهومة الكاذبة، أوضح لجميع الناس أنه لا أحسن دينا ممن أخلص مقصده وتوجهه لله، وأحسن في أعماله، واتبع ملة التوحيد الحنيفية التي هي ملة إبراهيم الخليل عليه السلام، وقد سمى الله إبراهيم خليلا لإخلاصه لربه في عبادته، واجتهاده في مرضاة خالقه، وتفانيه في حب الله والإيمان به.
ثم أعلمنا القرآن الكريم عن إحاطة علم الله بكل شيء في هذا العالم، يعلم بأعمال جميع العباد، وهو سبحانه واسع الملك، له جميع ما في السماوات والأرض ملكا وخلقا وتصريفا وعبيدا، فهو القادر على جزاء العاملين خيرا وشرا، إذ الكل ملكه، ولا يخرج أحد عن سلطانه وملكوته، وهو وحده المستحق للطاعة والعبادة لأنه المالك، وما عداه مملوك.
رعاية اليتامى والضعفاء
إن من أخص ما تميزت به شريعة الإسلام أنها شريعة المستضعفين من النساء والأولاد والكبار العاجزين والفتيان المعاقين والمشوهين وأصحاب العاهات والأمراض، لأنها شريعة الرحمة العامة بالعالمين من الجن والإنس، وشريعة الإنقاذ والأخذ بيد الضعيف، ليصبح في رتبة مساوية أو مقاربة لغيره، لا ينتقصه أحد شيئا من حقوقه، وإنما ينال حظه المقرر له في هذه الدنيا.