
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلكم نصف مَا ترك أزواجكم إِن لم يكن لَهُنَّ ولد فَإِن كَانَ لَهُنَّ ولد فلكم الرّبع مِمَّا تركن من بعد وَصِيَّة يوصين بهَا أَو دين﴾ هَذَا فِي مِيرَاث الْأزْوَاج، وَفِيه إِجْمَاع ﴿ولهن الرّبع مِمَّا تركْتُم إِن لم يكن لكم ولد فَإِن كَانَ لكم ولد فَلَهُنَّ الثّمن مِمَّا تركْتُم من بعد وَصِيَّة توصون بهَا أَو دين﴾ وَهَذَا فِي مِيرَاث الزَّوْجَات، وَلَا خلاف فِيهِ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِن كَانَ رجل يُورث كَلَالَة أَو امْرَأَة﴾ يعْنى: أَو امْرَأَة تورث كَلَالَة، قَالَ بعض الْعلمَاء: الْكَلَالَة لَا يعلم مَعْنَاهَا، وَعَن عمر - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: خرج رَسُول الله من الدُّنْيَا وَلم يبين لنا ثَلَاثَة: الْكَلَالَة، والخلافة، والربا.
وَالصَّحِيح أَنَّهَا مَعْلُومَة الْمَعْنى، ثمَّ اخْتلفُوا، قَالَ ابْن عَبَّاس فِي رِوَايَة وَهِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن عمر: إِن الْكَلَالَة اسْم لمَيت لَا ولد لَهُ، وَورث الاخوة مَعَ الْأَب.
وَقَالَ الحكم بن عتيبة: والكلالة: اسْم لمَيت لَا ولد لَهُ، وَورث الاخوة مَعَ الْوَالِد، وهما قَولَانِ فِي شواذ الْخلاف، وَالصَّحِيح فِيهِ قَولَانِ:
أَحدهمَا قَول لأهل الْمَدِينَة والكوفة أَن الْكَلَالَة اسْم لوَرَثَة لَيْسَ فيهم ولد وَلَا وَالِد؛ مَأْخُوذ من الإكليل، وَهُوَ الَّذِي على جَانِبي الْوَجْه، فالكلالة اسْم لمن يُحِيط بجانبي الْمَيِّت من الاخوة وَالْأَخَوَات، والأعمام، وَنَحْوهم، وَلم يكن أَعلَى وَلَا أَسْفَل.
وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِحَدِيث جَابر " كَانَ مَرِيضا؛ فَدخل عَلَيْهِ رَسُول الله يعودهُ، فَقَالَ: إِنَّمَا يَرِثنِي كَلَالَة ". وَلم يكن فِي ورثته ولد وَلَا وَالِد، وَجعل الْكَلَالَة اسْما للْوَارِث، وَيشْهد لهَذَا مَا قرئَ فِي الشواذ: " وَإِن كَانَ رجل يُورث كَلَالَة " مشددا بِكَسْر الرَّاء.

﴿غير مضار وَصِيَّة من الله وَالله عليم حَلِيم (١٢) تِلْكَ حُدُود الله وَمن يطع الله وَرَسُوله يدْخلهُ جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار خَالِدين فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْز الْعَظِيم (١٣) وَمن يعْص الله وَرَسُوله ويتعد﴾
وَقَالَ البصريون: وَهُوَ قَول أَبى بكر، وَعلي، وَابْن مَسْعُود، وَزيد، وفى أصح الرِّوَايَتَيْنِ عَن ابْن عَبَّاس: أَن الْكَلَالَة: اسْم للْمَيت الَّذِي لَيْسَ لَهُ ولد وَلَا وَالِد، وَهُوَ ظَاهر الْآيَة، وَتشهد لَهُ الْقِرَاءَة الْأُخْرَى فِي الشواذ: " وَإِن كَانَ رجل يُورث كَلَالَة " مشددا بِفَتْح الرَّاء. قَالَ الشَّاعِر:
(وَإِن أَبَا الْمَرْء أحمى لَهُ | وَمولى الْكَلَالَة لَا يغْضب) |
وَفِيه قَول آخر: أَن الْكَلَالَة اسْم للتركة، قَالَه عَطاء. وَقَوله: ﴿وَله أَخ أَو أُخْت فَلِكُل وَاحِد مِنْهُمَا السُّدس﴾ أَجمعُوا على أَن المُرَاد بالأخ وَالْأُخْت هَاهُنَا أَوْلَاد الْأُم، وَفرض لكل وَاحِد مِنْهُم السُّدس ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى.
﴿فَإِن كَانُوا أَكثر من ذَلِك فهم شُرَكَاء فِي الثُّلُث﴾ وَفِيه إِجْمَاع، أَن فرضهم الثُّلُث إِذا تعددوا، وَإِن كَثُرُوا ﴿من بعد وَصِيَّة يوصى بهَا أَو دين غير مضار﴾ يَعْنِي: الْمُوصي لَا يضر بالورثة بمجاوزة الثُّلُث، وَنَحْوه ﴿وَصِيَّة من الله﴾ أَي: فَرِيضَة من الله ﴿وَالله عليم حَلِيم﴾ صفحة رقم 405