آيات من القرآن الكريم

وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا
ﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ

كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً (١٠٢) فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً (١٠٣) وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٠٤) }
شرح الكلمات:
﴿ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ﴾ : أي: مسافرين مسافة قصر، وهي: أربعة برد، أي: ثمانية وأربعون ميلاً.
﴿أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ﴾ : بأن تصلوا الظهرين ركعتين ركعتين، والعشاء ركعتين لطولها.
﴿إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ﴾ : هذا خرج مخرج الغالب، فليس الخوف بشرط في القصر وإنما الشرط السفر١.
﴿حِذْرَهُمْ﴾ : الحيطة والأهبة لما عسى أن يحدث من العدو.
﴿أَسْلِحَتِكُمْ﴾ : جمع سلاح ما يقاتل به من أنواع الأسلحة.
﴿وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ : أي: لا تضييق عليكم ولا حرج في وضع الأسلحة للضرورة.

١ من أحكام صلاة السفر: أن المسافر لا يشرع في التقصير حتى يتجاوز مباني المدينة التي يسكنها، وأن المسافر إذا صلى وراء مقيم يتم معه، وأن المسافر إذا أم غيره قصر والمقيم يتم، وأنه يشرع له الجمع بين الظهرين، والعشاءين تقديماً أو تأخيراً.

صفحة رقم 532

﴿قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ﴾ : أديتموها وفرغتم منها.
﴿فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ﴾ : أي: ذهب الخوف فحصلت الطمأنينة بالأمن.
﴿كِتَاباً مَوْقُوتاً﴾ : فرضاً ذات وقت معين تؤدى فيه لا تتقدمه ولا تتأخر عنه.
﴿وَلا تَهِنُوا﴾ : أي: لا تضعفوا.
﴿تَأْلَمُونَ﴾ : تتألمون.
معنى الآيات:
بمناسبة الهجرة والسفر من لوازمها ذكر تعالى رخصة قصر الصلاة في السفر وذلك بتقصير الرباعية إلى ركعتين فقال تعالى: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ﴾ أي: سرتم فيها١ مسافرين ﴿فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ﴾ أي: حرج وإثم في ﴿أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وبينت السنة أن المسافر يقصر ولو أمن فهذا القيد غالي فقط، وقال تعالى: ﴿إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوّاً مُبِيناً﴾ تذييل أريد به تقرير عداوة الكفار للمؤمنين، فلذا شرع لهم هذه الرخصة.
هذا ما دلت عليه الآية الأولى (١٠١)، أما الآيتان بعدها فقد بينت صلاة الخوف وصورتها: أن ينقسم الجيش قسمين قسم يقف تجاه العدو وقسم يصلي مع القائد ركعة، ويقف الإمام مكانه فيتمون لأنفسهم ركعة، ويسلمون ويقفون تجاه العدو، ويأتي القسم الذي كان واقفاً تجاه العدو فيصلي بهم الإمام القائد ركعة ويسلم ويتمون لأنفسهم ركعة ويسلمون، وفي كلا الحالين هم آخذون أسلحتهم لا يضعونها على الأرض خشية أن يميل عليهم العدو وهم عزل فيكبدهم خسائر فادحة، هذا معنى قوله تعالى: ﴿وَإِذَا كُنْتَ٢ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ

١ اختلف في المسافة التي تقصر فيها الصلاة والجمهور على أنها أربعة برد، واختلفوا في مسافة الميل الذي هو جزء البريد، فالذي رجحه علماء المالكية، هو أن الميل ألفا ذراعاً، وعليه فمسافة القصر ثمانية وأربعون ميلاً، أي: كيلو متر، وهذا قول وسط بين قول من قال لا يقصر في أقل من سبعين ميلاً، وبين من قال كل سفر تقصر فيه الصلاة طال أو قصر ولو كان ثلاثة أميال.
٢ شذ أبو يوسف الحنفي فقال: "صلاة الخوف لا تصلى إلا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ناظراً إلى قوله تعالى: {وإذا كُنتَ فيهم﴾، وعليه ما لم يكن فيهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا تصلى صلاة الخوف. ورد هذا علماء السلف والخلف وقالوا: بمشروعية صلاة الخوف ما وجد خوف.

صفحة رقم 533

وَرَائِكُمْ} يريد الطائفة الواقعة تجاه العدو لتحميهم منه ﴿وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ١ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ٢ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً﴾ سبق هذا الكلام لبيان علة الصلاة طائفة بعد أخرى والأمر بالأخذ بالحذر وحمل الأسلحة في الصلاة، ومن هنا رخص تعالى لهم إن كانوا مرضى وبهم جراحات أو كان هناك مطر فيشق عليهم حمل السلاح أن يضعوا أسلحتهم فقال عز وجل: ﴿وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ٣﴾، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً﴾ تذييل لكلام محذوف ودل عليه السياق قد يكون تقديره فإن الكفار فجرة لا يؤمن جانبهم، ولذا أعد الله لهم عذاباً مهيناً، وإنما وضع الظاهر مكان المضمر إشارة إلى علة الشر والفساد التي هي الكفر.
وقوله تعالى في آية (١٠٣) ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا٤ اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ﴾ فإنه تعالى يأمر المؤمنين بذكره في كل الأحيان لا سيما في وقت لقاء العدو لما في ذلك من القوة الروحية التي تقهر القوى المادية وتهزمها، فلا يكتفي المجاهدون بذكر الله في الصلاة فقط بل إذا قضوا الصلاة لا يتركون ذكر الله في كل حال وقوله تعالى: ﴿فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ يريد إذا ذهب الخوف وحل الأمن واطمأنت النفوس أقيموا الصلاة بحدودها وشرائطها وأركانها تامة كاملة، لا تخفيف فيها كما كانت في حال الخوف إذ قد تصلي ركعة واحد، وقد تصلي إيماء وإشارة فقط وذلك إذا التحم المجاهدون بأعدائهم. وقوله: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً﴾ تعليل للأمر بإقام الصلاة فأخبر أن الصلاة مفروضة على المؤمنين وأنها موقوتة بأوقات لا تؤدى إلا فيها.
وقوله تعالى في آية (١٠٤) ﴿وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ﴾ أي: لا تضعفوا في طلب العدو

١ قد اختلفت الروايات في صلاة الخوف، واختلف لذلك العلماء، إذ صلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الخوف أربعاً وعشرين مرة. قال الإمام أحمد وهو إمام أهل الحديث: لا أعلم أنه روي في صلاة الخوف إلا حديث صحيح ثابت، وهو صحاح ثابتة، فعلى أي حديث صلى منها المصلي صلاة الخوف أجزأه إن شاء الله. وذهب مالك إلى حديث سهل بن أبي حثمة، وهو الذي ذكرته في التفسير فهو واضح سهل.
٢ الأمتعة: جمع متاع؛ كالأثاث والعروض وماله علاقة بالسلاح في حالة الحرب.
٣ في طلب الحذر التشريع للأمة بأن تأخذ بأسباب النصر ولا تهملها بحال، فإن الله تعالى ربط المسببات بأسبابها، فمن طلب النصر عليه بإعداد ما يمكنه من العدد والعتاد.
٤ يرى جمهور المفسرين أن هذا الذكر المطلوب يكون بعد صلاة الخوف، كقوله تعالى: ﴿إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً﴾ تقوية للقلوب وتوسلاً لحصول النصر على العدو المرهوب.

صفحة رقم 534

لإنزال الهزيمة به. ولا تتعللوا في عدم طلبهم بأنكم تألمون لجراحتكم ﴿إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ﴾ من النصر والمثوبة العظيمة ﴿مَا لا يَرْجُونَ﴾ فأنتم أحق بالصبر والجلد والمطالبة بقتالهم حتى النصر عليهم، وقوله تعالى: ﴿وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً﴾ فيه تشجيع للمؤمنين على مواصلة الجهاد، لأن علمهم بأن الله تعالى عليم بأحوالهم والظروف الملابسة لهم وحكيم في شرعه بالأمر والنهي لهم يطمئنهم على حسن العافية لهم بالنصر على أعدائهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- مشروعية صلاة القصر، وهي رخصة١ أكدها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله وعمله فأصبحت سنة مؤكدة لا ينبغي تركها.
٢- مشروعية صلاة الخوف وبيان كيفيتها.
٣- تأكد صلاة الجماعة بحيث لا تترك حتى في ساعة الخوف والقتال.
٤- استحباب ذكر الله تعالى بعد الصلاة وعلى كل حال من قيام وقعود واضطجاع.
٥- ةتقرير فريضة الصلاة ووجوب أدائها في أوقاتها الموقوتة لها.
٦- حرمة الوهن والضعف إزاء حرب العدو والاستعانة على قتاله بذكر الله ورجائه.
﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً (١٠٥) وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً (١٠٦) وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً (١٠٧) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ

١ كونها رخصه دل عليه قوله تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ﴾ كما دل عليه قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمر رضي الله عنه: "تلك صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته"، هذا وقد اختلف العلماء اختلافاً كبيراً هل القصر واجب أم سنة؟ فمن قال بالوجوب: استدل بحديث عائشة: "فرضت الصلاة ركعتين ركعتين"، ومن قال بالسنية وهم الجمهور ووهنوا حديثها لمخالفتها له. حيث كانت تتم في السفر وذهب بعضهم إلى أن المسافر مخير بين القصر والإتمام. والراجح أنها سنة مؤكدة وذلك لكون النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما ترك القصر في أسفاره أبداً.

صفحة رقم 535
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
عرض الكتاب
المؤلف
جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري
الناشر
مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة
سنة النشر
1424
الطبعة
الخامسة
عدد الأجزاء
5
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية