
يعمر: «ولاتَ حينُ» بفتح التاء ورفع النون. قال ابن عباس: ليس حين يروه فِرار. وقال عطاء: في لغة أهل اليمن «لاتَ» بمعنى «ليس». وقال وهب بن منبه: هي بالسّريانيّة. وقال الفرّاء: «لات» بمعنى «ليس»، فالمعنى: ليس بحينِ فِرار. ومن القرّاء من يَخْفضُ «لاتِ»، والوجه النَّصْب، لأنها في معنى «ليس» أنشدني المفضَّل:
تَذَكَّرَ حُبَّ لَيْلَى لاتَ حِينا | وأضْحَى الشَّيْبُ قَدْ قَطَعَ القَرِينا |
العَاطِفُونَ تَحِينَ مَا مِنْ عَاطِفٍ | والمَطْعِمُونَ زَمَانَ مَا مِنْ مُطْعِمِ |
«ولاتَ» : هي «لا» زيدت فيها التاء كما قالوا: ثُمَّ وثُمَّتْ، ورُبَّ ورُبَّتْ، وأصلها هاءٌ وُصِلَتْ ب «لا»، فقالوا: «لاه» فلمّا وَصَلُوها، جعلوها تاءً والوقف عليها بالتاء عند الزجاج وأبي عليّ، وعند الكسائي بالهاء، وعند أبي عبيد الوقف على «لا». فأما المَناص، فهو الفرار. قال الفراء: النَّوْص في كلام العرب: التأخُّر، والبَوْصُ: التقدّم، قال إمرؤ القَيْس:
أَمِنْ ذِكْرِ سَلْمَى إِذْ نأَتْكَ تَنُوصُ | فتَقْصُرُ عَنْها خطوة وتبوص |
[سورة ص (٣٨) : الآيات ٤ الى ١١]
وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ (٤) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ (٥) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ (٦) ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلاَّ اخْتِلاقٌ (٧) أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ (٨)
أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (٩) أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ (١٠) جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ (١١) صفحة رقم 559

قوله تعالى: وَعَجِبُوا يعني الكفار أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ يعني رسولاً من أَنْفُسهم يُنْذِرُهم النَّارَ.
أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً لأنه دعاهم إلى الله وحده وأبطل عبادة آلهتهم.
(١٢١٣) وهذا قولهم لمّا اجتمعوا عند أبي طالب، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: «أتُعطوني كلمة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم، وهي «لا إِله إِلا الله»، فقاموا يقولون: «أَجَعَلَ الآلهةَ إِلهاً واحداً»، ونزلت هذه الآية فيهم.
إِنَّ هذا الذي يقول محمد من أن الآلهة إِله واحد لَشَيْءٌ عُجابٌ أي: لأمرٌ عَجَبٌ. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو العالية، وابن يعمر، وابن السميفع: «عُجّابٌ» بتشديد الجيم. قال اللغويون: العجاب والعجّاب والعجيب بمعنى واحد، كما يقال: كَبِيرٌ وكُبَارٌ وكُبَّارٌ، وكَرِيمٌ وكُرامٌ وكُرَّامٌ، وطَوِيلٌ وطوال وطوّال، وأنشد الفرّاء:
جاءوا بصيد عَجَبٍ مِنَ العَجَبْ | أُزَيْرِقِ العينينِ طُوَّالِ الذَّنَبْ |
أشراف قريش. فخرجوا يقول بعضهم لبعض: امْشُوا. وأَنِ بمعنى «أي» فالمعنى: أي: امْشُوا.
قال الزجاج: ويجوز أن يكون المعنى: انْطَلِقوا بأن امْشُوا، أي: انْطَلَقوا بهذا القول. وقال بعضهم:
المعنى: انْطَلَقوا يقولون: امْشُوا إِلى أبي طالب فاشْكُوا إليه ابنَ أخيه، وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ أي: اثبُتوا على عبادتها إِنَّ هذا الذي نراه من زيادة أصحاب محمد لَشَيْءٌ يُرادُ أي: لأمرٌ يُرادُ بِنَا.
ما سَمِعْنا بِهذا الذي جاء به محمدٌ من التوحيد فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ وفيها ثلاثة أقوال:
أحدها: النصرانية، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وإِبراهيم بن المهاجر عن مجاهد، وبه قال محمد بن كعب القرظي، ومقاتل. والثاني: أنها مِلَّة قريش، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد، وبه قال قتادة. والثالث: اليهودية والنصرانية، قاله الفراء، والزجاج والمعنى أن اليهود أشركت بعُزَير، والنصارى، قالت: ثالث ثلاثة، فلهذا أنْكَرَتِ التوحيدَ.
إِنَّ هذا الذي جاء به محمّد صلى الله عليه وسلّم إِلَّا اخْتِلاقٌ أي: كذب. أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ يعنون القرآن.
«عليه» يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلّم، مِنْ بَيْنِنا أي: كيف خُصَّ بهذا دونَنَا وليس بأعلانا نَسَباَ ولا أعظمَنا شَرَفاَ؟! قال الله تعالى: بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي أي: من القرآن والمعنى أنهم ليسوا على يقين ممّا يقولون، إِنما هم شاكُّون بَلْ لَمَّا قال مقاتل: «لمّا» بمعنى «لم» كقوله تعالى: وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ. وقال غيره: هذا تهديد لهم والمعنى أنه لو نزل بهم العذاب، علموا أن ما قاله محمّد حقّ.
وأثبت ياء عَذابِ في الحالين يعقوب.
قال الزجاج: ولما دَلَّ قولُهم: «أَأُنْزِلَ عليه الذِّكْرُ» على حسدهم له، أعلم الله عزّ وجلّ أنّ الملك