آيات من القرآن الكريم

قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ
ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ

قالَ تعالى: فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ أي: أقسم بالحق ولا أقول إلا الحق، أو: الحق قسَمي «١» وأقول الحق: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ من جنسك، وهم الشياطين، وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ من ذرية آدم أَجْمَعِينَ أي: لأعمرنَّ جهنم من المتبوعين والتابعين أجمعين، لا أترك منهم أحداً.
الإشارة: التجلي بهذا الهيكل الآدمي فاق جميع التجليات، وصورته البديعة فاقت جميع الصور، ولذلك لم يَقُلِ الحقُّ تعالى في شيء أنه خلقه في أحسن تقويم إلا الآدمي، وذلك لأنه اجتمع فيه الضدان، واعتدل فيه الأمران الظلمة والنور، الحس والمعنى، الروحانية والبشرية، القدرة والحكمة. ولذلك قال تعالى فيه: لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ، ولم يقله في غيره، أي: خلقته بيد القدرة ويد الحكمة. فالقدرة كناية عما في باطنه من أسرار المعاني الإلهية، والحكمة عبارة عما في قالَبه من عجائب التصوير، وغرائب التركيب، ولذلك كانت معرفته أتم، وترقِّيه لا ينقطع، إن كان من أهله، وراجع ما تقدم في قوله تعالى وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ «٢».
وقال القشيري بعد كلام: فسبحان الله! خلق أعَزَّ خَلْقِه من أذّلِّ شيءٍ وأَخَسِّه. ثم قال: ما أودع عند آدم لم يوجد عند غيره، فيه ظهرت الخصوصية. هـ.
ثم نزّه نبيه عن الطمع فى الأجر على التبليغ والتكلف، فقال:
[سورة ص (٣٨) : الآيات ٨٦ الى ٨٨]
قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (٨٦) إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٨٧) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (٨٨)
يقول الحق جلّ جلاله: قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ على تبليغ، الوحي أو على القرآن مِنْ أَجْرٍ دنيوي، حتى يثقل عليكم، وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ أي: المتصنِّعين بما ليسوا من أهله، وما عرفتموني قط متصنعاً حتى أنتحل النبوة، أو أتقوّل القرآن، وعنه صلّى الله عليه وسلم: «للمتكلف ثلاث علامات: ينازع من فوقه، ويتعاطى ما لا ينال، ويقول ما لا يعلم» «٣».

(١) هذا المعنى على قراءة «فالحق» بالرفع، وهى قراءة عاصم وحمزة. والمعنى الأول على قراءة «فالحق» بالنصب، على أنه مقسم به حذف منه حرف القسم، فانتصب. و «لأملأن» جواب القسم، وهى قراءة نافع، وابن كثير، وأبى عمرو، وابن عامر، والكسائي.
انظر الإتحاف (٢/ ٤٢٥).
(٢) الآية ٧٠ من سورة الإسراء. (٣/ ٢١٦- ٢١٨).
(٣) عزاه الحافظ ابن حجر فى الكافي الشاف (رقم ٣١٤) للثعلبى، عن سلمة بن نفيل، مرفوعا.

صفحة رقم 45

إِنْ هُوَ: ما هو إِلَّا ذِكْرٌ: وعظ من الله عزّ وجل لِلْعالَمِينَ الثقلين كافة، وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ نبأ القرآن، وصحة خبره، وما فيه من الوعد والوعيد، وذكر البعث والنشور، بَعْدَ حِينٍ بعد الموت، أو: يوم بدر، أو: القيامة، أو: بعد ظهور الإسلام وفشوه. وفيه من التهديد ما لا يخفى. ختم السورة بالذكر كما افتتحها بالذكر.
الإشارة: تقدّم مراراً التحذير من طلب الأجر على التعليم، أو الوعظ والتذكير، اقتداء بالرسل عليهم السلام.
وفي الآية أيضاً: النهي عن التكلُّف والتصنُّع، وهو نوع من النفاق، وضرب من الرياء. وعن الزبير بن العوام رضي الله عنه نادى منادى النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم اغفر للذين لا يدعون، ولا يتكلفون، ألا إني بريء من التكلُّف، وصالحو أمتي» «١».
وقال سلمان «٢» :«أمرنا رسول الله ﷺ ألاَّ نتكلف للضيف ما ليس عندنا!» «٣». وكان الصحابة رضي الله عنهم يُقَدِّمون ما حضر من الكسر اليابسة، والحشف البالي- أي: الرديء من التمر- ويقولون: لا ندري أيهما أعظم وزراً، الذي يحتقر ما قدم إليه، أو: الذي يحتقر ما عنده فلا يقدمه. هـ. وبالله التوفيق، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه.

(١) ذكره السيوطي فى الدر (٥/ ٦٠٠) بلفظ: «إنى لا ألى من التكلف وصالحو أمتى» وعزاه للديلمى وابن عساكر، عن الزبير رضي الله عنه.
(٢) فى الأصول (أبو سليمان).
(٣) أخرجه البيهقي فى الشعب (الباب السابع والستون، ح ٩٦٠١) من حديث سلمان الفارسي- رضي الله عنه.

صفحة رقم 46
البحر المديد في تفسير القرآن المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
أبو العباس أحمد بن محمد بن المهدي بن عجيبة الحسني الأنجري الفاسي الصوفي
تحقيق
أحمد عبد الله القرشي رسلان
الناشر
الدكتور حسن عباس زكي - القاهرة
سنة النشر
1419
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية