هُوَ للقرآن كما روي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة، واستشهد بآخر السورة وقال: إنه يدخل ما ذكر دخولا أوليا، واختار كون هذه الجملة استئنافا ناعيا عليهم سوء حالهم بالنسبة إليه وأنهم لا يقدرون قدره الجليل مع غاية عظمته الموجبة للإقبال عليه وتلقيه بحسن القبول وكأن الكلام عليه ناظر إلى ما فيه أول السورة من قوله تعالى: وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ [ص: ١، ٢] جيء به ليستدل على أنه وارد من جهته تعالى بما يشير إليه قوله تعالى:
ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ إلخ حيث تضمن ذكر نبأ من أنبائه على التفصيل من غير سابقة معرفة به ولا مباشرة سبب من أسبابها المعتادة كالنظر في الكتب الإلهية والسماع من الكتابين وهو حجة بينة دالة على أنه بطريق الوحي من عند الله تعالى وأن سائر أنبائه أيضا كذلك وهو على ما قلنا تذكير لإثبات النبوة بذكر مختصر منه تمهيدا لإرشاد الطريق وتذكيرا للباقي وتسلقا منه إلى استماع ما ذكره لطف للمدعوين وتنويه للداعي، وعدم التعرض لنحو ذلك في أمر التوحيد لظهور أدلته مع كونه ذكر شيء منها غضا طريا وهو ما أشارت إليه الصفات المذكورة آنفا، فلا يقال: إن التعرض لإثبات النبوة دون التوحيد دليل على أن المقصود بالإفادة هو النبوة وأن الثاني جيء به تتميما لذلك.
وأنت تعلم أن النبوة وكون القرآن وحيا من عند الله تعالى مثلا زمان متى ثبت أحدهما ثبت الآخر، لكن يرجح جعل الآية في النبوة وإثباتها القرب وتصدير هذه الآية بنحو ما صدرت به الآية المتضمنة دعوى النبوة قبلها من قوله تعالى (قل) فإن سلم لك هذا المرجح فذاك وإلا فلا تعدل عما روي عن ابن عباس ومن معه، وعن الحسن أن ذلك يوم القيامة كما في قوله تعالى: عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ [النبأ: ١، ٢] وقيل: ما تقدم من أنباء الأنبياء عليهم السلام، وقيل: تخاصم أهل النار، وعدي العلم بالباء نظرا إلى معنى الإحاطة، والملأ الجماعة الأشراف لأنهم يملؤون العيون رواء والنفوس جلالة وبهاء وهو اسم جمع ولذا وصف بالمفرد أعني الْأَعْلى والمراد به عند ملأ الملائكة وآدم عليهم السلام وإبليس عليه اللعنة وكانوا في السماء فالعلو حسي وكان التقاول بينهم على ما ستعلمه إن شاء الله، وإذ متعلقة بمحذوف يقتضيه المقام إذ المراد نفي علمه عليه الصلاة والسلام بحالهم لا بذواتهم، والتقدير ما كان لي فيما سبق علم ما بوجه من الوجوه بحال الملأ إلا على وقت اختصامهم، وهو أولى من تقدير الكلام كما ذهب إليه الجمهور أي ما كان لي علم بكلام الملأ إلا على وقت اختصامهم لأن علمه ﷺ غير مقصور على ما جرى بينهم من
الأقوال فقط بل عام لها وللأفعال أيضا من سجود الملائكة عليهم السلام وإباء إبليس واستكباره حسبما ينطق به الوحي فالأولى اعتبار العموم في نفيه أيضا، وقيل: إذ بدل اشتمال من (الملأ) أو ظرف لعلم وفيه بحث والاختصام فيما يشير إليه سبحانه بقوله عزّ وجلّ إِذْ قالَ رَبُّكَ إلخ، والتعبير بيختصمون المضارع لأنه أمر غريب فأتى به لاستحضاره حكاية للحال، وضمير الجمع للملأ. وحكى أبو حيان كونه لقريش واستبعده وكأن في يَخْتَصِمُونَ حينئذ التفاتا من الخطاب في أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ إلى الغيبة والاختصام في شأن رسالته ﷺ أو في شأن القرآن أو شأن المعاد وفيه عدول عن المأثور وارتكاب لما لا يكاد يفهم من الآية من غير داع إلى ذلك ومع هذا لا يقبله الذوق السليم، وقوله تعالى: إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ اعتراض وسط بين إجمال اختصامهم وتفصيله تقريرا لثبوت علمه عليه الصلاة والسلام وتعيينا لسببه إلا أن بيان انتفائه فيما سبق لما كان منبئا عن ثبوته الآن، ومن البين عدم ملابسته ﷺ بشيء من مبادئه المعهودة تعين أنه ليس إلا بطريق الوحي حتما فجعل ذلك أمرا مسلم الثبوت غنيا عن الإخبار به قصدا وجعل مصب الفائدة إخباره بما هو داع إلى الوحي ومصحح له، فالقائم مقام الفاعل ليوحى إما ضمير عائد إلى الحال المقدر كما أشير إليه سابقا أو ما يعمه وغيره، فالمعنى ما يوحى إلي حال الملأ الأعلى أو ما يوحى إلى الذي يوحى من الأمور الغيبية التي من جملتها حالهم لأمر من الأمور إلا لأني نذير مبين من جهته تعالى فإن كونه عليه الصلاة والسلام كذلك من دواعي الوحي إليه ومصححاته، وجوز كون الضمير القائم مقام الفاعل عائدا إلى المصدر المفهوم من يُوحى أي ما يفعل الإيحاء إلى بحال الملأ الأعلى أو بشيء من الأمور الغيبية التي من جملتها حالهم لأمر من الأمور إلا لأني إلخ.
وجوز أيضا كون الجار والمجرور نائب الفاعل وأَنَّما على تقدير اللام، قال في الكشف: ومعنى الحصر أنه ﷺ لم يوح إليه لأمر إلا لأنه نذير مبين وأي مبين كقولك: لم تستقض يا فلان إلا لأنك عالم عامل مرشد. وجوز الزمخشري أن يكون بعد حذف اللام مقاما مقام الفاعل، ومعنى الحصر أني لم أومر إلا بهذا الأمر وحده وليس إلى غير ذلك لأنه الأمر الذي يشتمل على كل الأوامر إما تضمنا وإما التزاما أو لم أومر إلا بإنذاركم لا بهدايتكم وصدكم عن العناد فإن ذلك ليس إليّ، وما ذكر أولا أوفق بحال الاعتراض كما لا يخفى على من ليس أجنبيا عن إدراك اللطائف.
وقرأ أبو جعفر إنما بالكسر على الحكاية أي ما يوحى إلي إلا هذه الجملة وإيحاؤها إليه أمره عليه الصلاة والسلام أن يقولها وحاصل معنى الحصر قريب مما ذكر آنفا، وجوز أن يراد لم أومر إلا بأن أقول لكم هذا القول دون أن أقول أعلم الغيب بدون وحي مثلا فتدبر ولا تغفل.
وقوله تعالى: إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إلخ شروع في تفصيل ما أجمل من الاختصام الذي هو ما جرى بينهم من التقاول فهو بدل من إِذْ يَخْتَصِمُونَ بدل كل من كل، وجوز كونه بدل بعض، وصح إسناد الاختصام إلى الملائكة مع أن التقاول كان بينهم وبين الله تعالى كما يدل عليه إِذْ قالَ رَبُّكَ إلخ لأن تكليمه تعالى إياهم كل بواسطة الملك فمعنى المقاولة بين الملأ الأعلى مقاولة ملك من الملائكة مع سائر الملائكة عليهم السلام في شأن الاستخلاف ومع إبليس في شأن السجود ومع آدم في قوله: أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ [البقرة: ٣٣] ومعنى كون المقاولة بين الملائكة وآدم وإبليس وجودها فيما بينهم في الجملة ولا يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز في الإسناد فالكل حقيقة لأن الملأ الأعلى شامل للملك المتوسط وهو المقاول بالحقيقة وهو عزّ وجلّ مقاول بالمجاز، ولا تقل المخاصم ليكون الأمر بالعكس، وما يقال: إن قوله تعالى: إِذْ قالَ رَبُّكَ يقتضي بأن يكون مقاولته تعالى إياهم بلا واسطة فهو ممنوع لأنه إبدال زمان قصة عن زمان التفاوض فيها، والغرض أن تعلم القصة لا مطابقة كل جزء جزء لكل جزء جزء فذلك غير لازم ولا مراد، ثم فيه فائدة جليلة وهي أن مقاولة الملك إياهم أو إياهما عن الله تعالى فهم مقاولوه
تعالى أيضا، وأريد هذا المعنى من هذا إلا يراد لا من اللفظ ليلزم الجمع المذكور آنفا، وجعل الله عزّ وجلّ من الملأ الأعلى بأن يراد به ما عدا البشر ليكون الاختصام قائما به تعالى وبهم على معنى أنه سبحانه في مقابلتهم يخاصمونه ويخاصمهم مع ما فيه من إيهام الجهة له عزّ وجلّ ينبو المقام عنه نبوا ظاهرا، ولم يذكر سبحانه جواب الملائكة عليهم السلام لتتم المقاولة اختصارا بما كرر مرارا ولهذا لم يقل جل شأنه إني خالق خلقا من صفته كيت وكيت جاعل إياه خليفة.
وروعي هذا النسق هاهنا لنكتة سرية وهي أن يجعل مصب الغرض من القصة حديث إبليس ليلائم ما كان فيه أهل مكة وأنه بامتناعه عن امتثال أمر واحد جرى عليه ما جرى فكيف يكون حالهم وهم مغمورون في المعاصي وفيه أنه أول من سن العصيان فهو إمامهم وقائدهم إلى النار، وذكر حديث سجود الملائكة وطي مقاولتهم في شأن الاستخلاف ليفرق بين المقاولتين وأن السؤال قبل الأمر ليس مثله بعده فإن الثاني يلزمه التواني، ثم فيه حديث تكريم آدم عليه السلام ضمنا دلالة على أن المعلم والناصح يعظم وأنه شرع منه تعالى قديم، وكان على أهل مكة أن يعاملوا النبي صلّى الله عليه وسلم معاملة الملائكة لآدم لا معاملة إبليس له قاله صاحب الكشف وهو حسن بيد أن ما علل به الاختصار من تكرار ذلك مرارا لا يتم إلا إذا كان ذلك في سورة مكية نزلت قبل هذه السورة، وقد علل بعضهم ترك الذكر بالاكتفاء بما في البقرة، وفيه أن نزولها متأخر عن نزول هذه السورة لأنها مدنية وهذه مكية فلا يصح الاكتفاء إحالة عليها قبل نزولها، وكون المراد اكتفاء السامعين للقرآن بعد ذلك لا يخفى حاله، ولعل القصة كانت معلومة سماعا منه صلّى الله عليه وسلم وكان عالمها بها بواسطة الوحي وإن لم تكن إذ ذاك نازلة قرآنا فاختصرت هاهنا لما ذكر في الكشف اكتفاء بذلك، وقال فيه أيضا: وذلك أن تقول التقاول بين الملائكة وآدم عليهم السلام حيث قال: أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ [البقرة: ٣١] تبكيتا لهم بما نسبوا إليه من قولهم أَتَجْعَلُ [البقرة: ٣٠] فيها وبينه وبين إبليس إما لأنه داخل في الإنكار والتبكيت بل هو أشدهم في ذلك لكن غلب الله تعالى الملائكة لأنه أخس من أن يقرن مع هؤلاء مفردا في الذكر أو لأنه أمر بالسجود لمعلمه فامتنع وأسمعه ما اسمع.
وقوله تعالى: إِذْ قالَ رَبُّكَ إلخ للإتيان بطرف مشتمل على قصة المقاولة وتصوير أصلها فلم يلزم منه أن يكون الرب جل شأنه من المقاولين وإن كان بينه سبحانه وبينهم تقاول قد حكاه الله تعالى، وهذا أقل تكلفا مما فيه دعوى أن تكليمه تعالى كان بواسطة الملك إذ للمانع أن يمنع التوسط على أصلنا وعلى أصل المعتزلة أيضا لا سيما إذا جعل المبكتون الملائكة كلهم، وعلى الوجهين ظهر فائدة إبدال إِذْ قالَ رَبُّكَ من إِذْ يَخْتَصِمُونَ على وجه بين، والاعتراض بأنه لو كان بدلا لكان الظاهر إذ قال ربي لقوله: ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ فليس المقام مما يقتضي الالتفات غير قادح فإنه على أسلوب قوله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ [الزخرف: ٩، ١٠] فالخطاب بلكم نظرا إلى أنه من قول الله تعالى تمم قولهم وذنبه كذلك هاهنا هو من قول الله تعالى لتتميم قول النبي صلّى الله عليه وسلم وهذا على نحو ما يقول مخاطبك: جاءني الأمير فتقول الذي أكرمك وحباك أو يقول رأيت الأمير يوم الجمعة فتقول: يوم خلع عليك الخلعة الفلانية، ومنه علم أنه ليس من الالتفات في شيء وأن هذا الإبدال على هذا الأسلوب لمزيد الحسن انتهى، وجوز أن يقول: إن إِذْ قوله تعالى:
إِذْ قالَ رَبُّكَ ظرف ليختصمون، والمراد بالملأ الأعلى الملائكة وباختصامهم قولهم لله تعالى أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ [البقرة: ٣٠] في مقابلة قوله تعالى: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ [البقرة: ٣٠] إلى غير ذلك، ولا يتوقف صحة إرادة ذلك على جعل الله تعالى من الملأ ولا على أنه سبحانه كلمهم بواسطة ملك ولا تقدم
تفصيل الاختصام مطلقا بل يكفي ذكره بعد النزول سواء ذكر قرآنا أم لا، ويرجح تفسير الملأ بما ذكر على تفسيره بما يعم آدم عليه السلام أن ذاك على ما سمعت يستدعي القول بأن آدم كان في السماء وهو ظاهر في أنه عليه السلام خلق في السماء أو رفع إليها بعد خلقه في الأرض وكلا الأمرين لا يسلمهما كثير من الناس، وقد نقل ابن القيم في كتابه مفتاح دار السعادة عن جمع أن آدم عليه السلام إنما خلق في الأرض وأن الجنة التي أسكنها بعد أن جرى ما جرى كانت فيها أيضا وأتى بأدلة كثيرة قوية على ذلك ولم يجب عن شيء منها فتدبر. وذهب بعضهم إلى أن الملأ الأعلى الملائكة وأن اختصامهم كان في الدرجات والكفارات،
فقد أخرج الترمذي وصححه والطبراني وغيرهما من معاد بن جبل قال: «احتبس عنا رسول الله ﷺ ذات غداة من صلاة الصبح حتى كدنا نتراءى عين الشمس فخرج سريعا فثوب بالصلاة فصلى رسول الله ﷺ فلما سلم دعا بصوته فقال: على مصافكم ثم التفت إلينا ثم قال: أما إني أحدثكم بما حبسني عنكم الغداة إني قمت الليلة فقمت وصليت ما قدر لي ونعست في صلاتي حتى استثقلت فإذا أنا بربي تبارك وتعالى في أحسن صورة فقال: يا محمد قلت: لبيك ربي قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت لا أدري فوضع كفه بين كتفي فوجدت برد أنامله بين ثديي فتجلى لي كل شيء وعرفته فقال: يا محمد قلت: لبيك قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: في الدرجات والكفارات فقال: ما الدرجات؟ فقلت: إطعام الطعام وإفشاء السلام والصلاة بالليل والناس نيام قال: صدقت فما الكفارات؟ قلت إسباغ الوضوء في المكاره وانتظار الصلاة بعد الصلاة ونقل الاقدام إلى الجماعات قال: صدقت سل يا محمد فقلت: اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لي وترحمني وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون اللهم إني أسألك حبك وحب من أحبك وحب عمل يقربني إلى حبك قال النبي صلى الله عليه وسلم: تعلموهن وادرسوهن فإنهن حق»
ومعنى اختصامهم في ذلك على ما في البحر اختلافهم في قدر ثوابه، ولا يخفى أن حمل الاختصام في الآية على ما ذكر بمراحل عن السياق فإنه مما لم يعرفه أهل الكتاب فلا يسلمه المشركون له عليه الصلاة والسلام أصلا، نعم هو اختصام آخر لا تعلق له بالمقام، وجعل هؤلاء- إذ- في إِذْ قالَ منصوبا باذكر مقدرا، وكذا كل من قال: إن الاختصام ليس في شأن آدم عليه السلام يجعله كذلك.
والشهاب الخفاجي قال: الأظهر أي مطلقا تعلق إذ باذكر المقدر على ما عهد في مثله ليبقى إِذْ يَخْتَصِمُونَ على عمومه ولئلا يفصل بين البدل والمبدل منه وليشمل ما في الحديث الصحيح من اختصامهم في الكفارات والدرجات ولئلا يحتاج إلى توجيه العدول عن ربي إلى رَبُّكَ انتهى، وفيه شيء لا يخفى.
ومن غريب ما قيل في اختصامهم ما حكاه الكرماني في عجائبه أنه عبارة عن مناظرتهم بينهم في استنباط العلوم كمناظرة أهل العلم في الأرض، ويرد به على من يزعم أن جميع علومهم بالفعل، والمعروف عن السلف أنه المقاولة في شأن عليه السلام والرد به حاصل أيضا، والمراد بالملائكة في إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ ما يعم إبليس لأنه إذا ذاك كان مغمورا فيهم، ولعل التعبير بهم دون الضمير الراجع إلى الملأ الأعلى على القول بالاتحاد لشيوع تعلق القول بهم بين أهل الكتاب بهذا العنوان أو لشهرة المقابلة بين الملك والبشر فيلطف جدا قوله سبحانه إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ وقيل: عبر بذلك إظهار للاستغراق في المقول له، والمراد إني خالق فيما سيأتي، وفي التعبير بما ذكر ما ليس في التعبير بصيغة المضارع من الدلالة على أنه تعالى فاعل البتة من غير صارف، والبشر الجسم الكثيف يلاقي ويباشر أو بادي البشرة ظاهر الجلد غير مستور بشعر أو وبر أو صوف، والمراد به آدم عليه السلام وذكر هنا خلقه من طين وفي آل عمران خلقه من تراب وفي الحجر من صلصال من حمأ مسنون وفي الأنبياء من عجل ولا منافاة غاية ما في الباب أنه ذكر في بعض المادة القريبة وفي بعض المادة البعيدة، ثم إن ما جرى عند
وقوع المحكي ليس اسم البشر الذي لم يخلق مسماه حينئذ فضلا عن تسميته به بل عبارة كاشفة عن حاله وإنما عبر عنه بهذا الاسم عند الحكاية.
فَإِذا سَوَّيْتُهُ أي صورته بالصورة الإنسانية والخلقة البشرية أو سويت أجزاء بدنه بتعديل طبائعه وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي تمثيل لإفاضة ما به الحياة بالفعل على المادة القابلة لها فليس ثمت نفخ ولا منفوخ أي فإذا أكملت استعداده وأفضت عليه ما يحيا به من الروح الطاهرة التي هي أمري فَقَعُوا لَهُ أمر من وقع، وفيه دليل على أن المأمور به ليس مجرد الانحناء كما قيل: أي فاسقطوا له ساجِدِينَ تحية له وتكريما فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ أي فخلقه فسواه فنفخ فيه الروح فسجد له الملائكة كُلُّهُمْ بحيث لم يبق أحد منهم إلا سجد أَجْمَعُونَ أي بطريق المعية بحيث لم يتأخر أحد منهم عن أحد فكل للإحاطة وأجمع للاجتماع، ولا اختصاص لإفادته ذلك بالحالية خلافا لبعضهم، وتحقيقه على ما في الكشف أن الاشتقاق الواضح يرشد إلى أن فيه معنى الجمع والضم والأصل في الإطلاق الخطابي التنزيل على أكمل أحوال الشيء ولا خفاء في أن الجمع في وقت واحد أكمل أصنافه لكن لما شاع استعماله تأكيدا أقيم مقام كل في إفادة الإحاطة من غير نظر إلى الكمال فإذا فهمت الإحاطة بلفظ آخر لم يكن بد من ملاحظة الأصل صونا للكلام عن الإلغاء ولو سلم فكل تأكيد الشمول بإخراجه عن الظهور إلى النصوص، وأَجْمَعُونَ تأكيد ذلك التأكيد فيفيد أتم أنواع الإحاطة وهو الإحاطة في وقت واحد، واستخراج هذه الفائدة من جعله كإقامة المظهر مقام المضمر لا يلوح وجهه، والنقض بقوله سبحانه: لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [الحجر: ٣٩، ص: ٨٢] منشؤه عدم تصور وجه الدلالة، وظاهر هذه الآية وآية الحجر أن سجودهم مترتب على ما حكي من الأمر التعليقي وكثير من الآيات الكريمة كالتي في البقرة والأعراف وغيرهما ظاهرة في أنه مترتب على الأمر التنجيزي وقد مر تحقيق ذلك فليراجع.
وقوله تعالى: إِلَّا إِبْلِيسَ استثناء متصل لما أنه وإن كان جنيا معدود في زمرة الملائكة موصوف بصفاتهم لا يقوم ولا يقعد إلا معهم فشملته الملائكة تغليبا ثم استثني استثناء واحد منهم أو لأن من الملائكة جنسا يتوالدون وهو منهم أو هو استثناء منقطع، وقوله تعالى: اسْتَكْبَرَ على الأول استئناف مبين لكيفية ترك السجود المفهوم من الاستثناء فإن تركه يحتمل أن يكون للتأمل والتروي وبه يتحقق أنه للإباء والاستكبار وعلى الثاني يجوز اتصاله بما قبله أي لكن إبليس استكبر وتعظم وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ أي وصار منهم باستكباره وتعاظمه على أمر الله تعالى، وترك الفاء المؤذنة بالسببية إحالة على فطنة السامع أو لظهور المراد.
وكون التعاظم على أمره عزّ وجلّ لا سيما الشفاهي موجبا للكفر مما لا ينبغي أن يشك فيه على أن هذا الاستكبار كان متضمنا استقباح الأمر وعده جورا، ويجوز أن يكون المعنى وكان من الكافرين في علم الله تعالى لعلمه عزّ وجلّ أنه سيعصيه ويصدر عنه ما يصدر باختياره وخبث طويته واستعداده قالَ عزّ وجلّ على سبيل الإنكار والتوبيخ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ أي من السجود لِما خَلَقْتُ أي للذي خلقته على أن ما موصولة والعائد محذوف، واستدل به على جواز إطلاق ما على آحاد من يعقل ومن لم يجز قال: إن ما مصدرية ويراد بالمصدر المفعول أي أن تسجد لمخلوق بِيَدَيَّ وهذا عند بعض أهل التأويل من الخلف تمثيل لكونه عليه السلام معتنى بخلقه فإن من شأن المعتنى به أن يعمل باليدين، ومن آثار ذلك خلقه من غير توسط أب وأم وكونه جسما صغيرا انطوى فيه العالم الأكبر وكونه أهلا لأن يفاض عليه ما لا يفاض على غيره إلى غير ذلك من مزايا الآدمية. وعند بعض آخر منهم اليد بمعنى القدرة والتثنية للتأكيد الدال على مزيد قدرته تعالى لأنها ترد لمجرد التكرير نحو ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ [الملك: ٤] فأريد به لازمة وهو التأكيد وذلك لأن الله تعالى في خلقه أفعالا مختلفة من جعله طينا مخمرا
ثم جسما ذا لحم وعظم ثم نفخ الروح فيه وإعطائه قوة العلم والعمل ونحو ذلك مما هو دال على مزيد قدرة خالق القوى والقدر، وجوز أن يكون ذلك لاختلاف فعل آدم فقد يصدر منه أفعال ملكية كأنها من آثار اليمين وقد يصدر منه أفعال حيوانية كأنها من آثار الشمال وكلتا يديه سبحانه يمين. وعند بعض اليد بمعنى النعمة والتثنية إما لنحو ما مر وإما على إرادة نعمة الدنيا ونعمة الآخرة.
والسلف يقولون: اليد مفردة وغير مفردة ثابتة لله عزّ وجلّ على المعنى اللائق به سبحانه ولا يقولون في مثل هذا الموضع إنها بمعنى القدرة أو النعمة، وظاهر الأخبار أن للمخلوق بها مزية على غيره، فقد ثبت في الصحيح أنه سبحانه قال في جواب الملائكة: اجعل لهم الدنيا ولنا الآخرة وعزتي وجلالي لا أجعل من خلقته بيدي كمن قلت له كن فكان.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: خلق الله تعالى أربعا بيده: العرش وجنات عدن والقلم وآدم ثم قال لكل شيء كن فكان
، وجاء في غير ما خبر أنه تعالى كتب التوراة بيده، وفي حديث محاجة آدم وموسى عليهما السلام ما يدل على أن المخلوقية بها وصف تعظيم حيث قال له موسى: أنت آدم الذي خلقك الله تعالى بيده، وكذلك في حديث الشفاعة أن أهل الموقف يأتون آدم ويقولون له: أنت آدم أبو الناس خلقك الله تعالى بيده، ويعلم من ذلك أن ترتيب الإنكار في ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ على خلق الله تعالى إياه بيديه لتأكيد الإنكار وتشديد التوبيخ كأنه قيل: ما منعك أن تعظم بالسجود من هو أهل للتعظيم للعناية الربانية التي حفت إيجاده.
وزعم الزمخشري أن خَلَقْتُ بِيَدَيَّ من باب رأيته بعيني فبيدي لتأكيد أنه مخلوق لا شك فيه وحيث إنّ إبليس ترك السجود لآدم عليه السلام لشبهة أنه سجود لمخلوق وانضم إلى ذلك أنه مخلوق من طين وأنه هو مخلوق من نار وزل عنه أن الله سبحانه حين أمر من هو أجل منه وأقرب عباده إليه زلفى وهم الملائكة امتثلوا ولم يلتفتوا إلى التفاوت بين الساجد والمسجود له تعظيما لأمر ربهم وإجلالا لخطابه ذكر له ما يتشبث به من الشبهة وأخرج له الكلام مخرج القول بالموجب مع التنبيه على مزلة القدم فكأنه قيل له ما منعك من السجود لشيء هو كما تقول مخلوق خلقته بيدي لا شك في كونه مخلوقا امتثالا لأمري وإعظاما لخطابي كما فعلت الملائكة ولا يخفى أن المقام ناب عما ذكره أشد النبو، وجعل ذلك من باب رأيت بعيني لا يفيد إلا تأكيد المخلوقية، وإخراج الكلام مخرج القول بالموجب مما لا يكاد يقبل فإن سياق القول بالموجب أن يسلم له ثم ينكر عليه لا أن يقدم الإنكار أصلا ويؤتى به كالرمز بل كالألغاز، وأيضا الأخبار الصحيحة ظاهرة في أن ذاك وصف تعظيم لا كما زعمه، وأيضا جعل سجود الملائكة لآدم راجعا إلى محض الامتثال من غير نظر إلى تكريم آدم عليه السلام مردود بما سلم في عدة مواضع أنه سجود تكريم كيف وهو يقابل أَتَجْعَلُ فِيها وكذلك تعليمه إياهم فليلحظ فيه جانب الآمر تعالى شأنه وجانب المسجود له عليه الصلاة والسلام توفية للحقين وكأنه قال ما قال وأخرج الآية على وجه لم يخطر ببال إبليس حذرا من خرم مذهبه ولا عليه أن يسلم دلالة الآية على التكريم ويخصه بوجه وحينئذ لا تدل على الأفضلية مطلقا حتى يلزم خرم مذهبه، ولعمري إنّ هذا الرجل عق أباه آدم عليه السلام في هذا المبحث من كشافه حيث أورد فيه مثالا لما قرره في الآية جعل فيه سقاط الحشم مثالا لآدم عليه السلام وبر عدو الله تعالى إبليس حيث أقام له عذره وصوب اعتقاده أنه أفضل من آدم لكونه من نار وآدم من طين وإنما غلطه من جهة أخرى وهو أنه لم يقس نفسه على الملائكة إذ سجدوا له على علمهم أنه بالنسبة إليهم محطوط الرتبة ساقط المنزلة وكم له من عثرة لا يقال لصاحبها لعا مع الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم في هذا المقام، نسأل الله تعالى أن يعصمنا من مهاوي الهوى ويثبت لنا الأقدام، وقرىء «بيدي»
بكسر الدال كمصرخي و «بيدي» على التوحيد أَسْتَكْبَرْتَ بهمزة الإنكار وطرح همزة الوصل أي أتكبرت من غير استحقاق أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ أو كنت مستحقا للعلو فائقا فيه، وقيل المعنى أحدث لك الاستكبار أم لم تزل منذ كنت من المستكبرين فالتقابل على الأول باعتبار الاستحقاق وعدمه وعلى الثاني باعتبار الحدوث والقدم ولذا قيل كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ دون أنت من العالين، وقيل إن العالين صنف من الملائكة يقال لهم المهيمون مستغرقون بملاحظة جمال الله تعالى وجلاله لا يعلم أحدهم أن الله تعالى خلق غيره لم يؤمروا بالسجود لآدم عليه السلام أو هم ملائكة السماء ولم يؤمروا بالسجود وإنما المأمور ملائكة الأرض فالمعنى أتركت السجود استكبارا أم تركته لكونك ممن لم يؤمر به ولا يخفى ما فيه، وأم في كل ذلك متصلة ونقل ابن عطية عن كثير من النحويين أنها لا تكون كذلك إذا اختلف الفعلان نحو أضربت زيدا أم قتلته.
وتعقبه أبو حيان بأنه مذهب غير صحيح وأن سيبويه صرح بخلافه. وقرأت فرقة منهم ابن كثير فيما قيل أَسْتَكْبَرْتَ بصلة الألف وهي قراءة أهل مكة وليست في مشهور ابن كثير فاحتمل أن تكون همزة الاستفهام قد حذفت لدلالة أم عليها كقوله:
بسبع رمينا الجمر أم بثمان واحتمل أن يكون الكلام إخبارا وأم منقطعة والمعنى بل أنت من العالين والمراد استخفافه سبحانه به قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ قيل هو جواب عن الاستفهام الأخير يؤدي مؤدى أنه كذلك أي هو من العالين على الوجه الأول وأنه ليس من الاستكبار سابقا ولا حقا في شيء على الوجه الثاني ويجري مجرى التعليل كونه فائقا إلا أنه لما لم يكن وافيا بالمقصود لأنه مجرد دعوى أوثر بيانه بما يفيد ذلك وزيادة وهو قوله: خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ أما الأول فظاهر وأما الثاني فلأنه ذكر النوعين تنبيها على أن المماثلة كافية فضلا عن الأفضلية ولهذا أبهم وفصل وقابل وآثر خَلَقْتَنِي وخَلَقْتَهُ دون أنا من نار وهو من طين ليدل على أن المماثلة في المخلوقية مانعة فكيف إذا انضم إليها خيرية المادة، وفيه تنبيه على أن الآمر كان أولى أن يستنكف فإنه أعني السجود حق الآمر، واستلطفه صاحب الكشف ثم قال: ومنه يعلم أن جواب إبليس من الأسلوب الأحمق. وجعل غير واحد قوله أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ جوابا أولا وبالذات عن الاستفهام بقوله تعالى: ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ بادعاء شيء مستلزم للمانع من السجود على زعمه، وقوله: خَلَقْتَنِي إلخ تعليلا لدعوى الخيرية.
وأيا ما كان فقد أخطأ اللعين إذ لا مماثلة في المخلوقية فمخلوقية آدم عليه السلام باليدين ولا كذلك مخلوقيته وأمر خيرية المادة على العكس في النظر الدقيق ومع هذا الفضل غير منحصر بما كان من جهتها بل يكون من جهة الصورة والغاية أيضا وفضل آدم عليه السلام في ذلك لا يخفى، وكأن خطاه لظهوره لم يتعرض لبيانه بل جعل جوابه طرده وذلك قوله تعالى: قالَ فَاخْرُجْ مِنْها والفاء لترتيب الأمر على ما ظهر من اللعين من المخالفة للأمر الجليل وتعليلها بأظهر الأباطيل أي فاخرج من الجنة، والإضمار قبل ذكرها لشهرة كونه من سكانها.
وعن ابن عباس أنه كان في عدن لا في جنة الخلد ثم إنه يكفي في صحة الأمر كونه ممن اتخذ الجنة وطنا ومسكنا ولا تتوقف على كونه فيها بالفعل وقت الخطاب كما هو شائع في المحاورات يقول من يخاصم صاحبه في السوق أو غيره في دار: اخرج من الدار مع أنه وقت المخاصمة ليس فيها بالفعل وهذا إن قيل: إن المحاورة لم تكن في الجنة، وقيل: منها أي من زمرة الملائكة المعززين وهو المراد بالهبوط لا الهبوط من السماء كما قيل فإن وسوسته لآدم عليه السلام كانت بعد هذا الطرد وكانت على ما روي عن الحس بطريق النداء من باب الجنة على أن كثيرا من
العلماء أنكروا الهبوط من السماء بالكلية، بناء على أن الجنة التي أسكنها آدم عليه السلام كانت في الأرض، وقيل:
اخرج من الخلقة التي أنت فيها وانسلخ منها والأمر للتكوين، وكان عليه اللعنة يفتخر بخلقته فغير الله تعالى خلقته فاسود بعد ما كان أبيض وقبح بعد ما كان حسنا وأظلم بعد ما كان نورانيا.
وقوله تعالى: فَإِنَّكَ رَجِيمٌ تعليل للأمر بالخروج أي مطرود من كل خير وكرامة فالرجم كناية عن الطرد لأن المطرود يرجم بالحجارة أو شيطان يرجم بالشهب كذا قالوا، وقد يقال: المراد برجيم ذليل فإن الرجم يستدعي الذلة، وهو أبعد من توهم التكرار مع الجملة بعد من الوجه الأول وأوفق لما في [الأعراف: ١٣] من قوله تعالى: فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي أي إبعادي عن الرحمة، وفي [الحجر: ٣٥] اللَّعْنَةَ فإن كانت أل فيه للعهد أو عوضا عن الضمير المضاف إليه فعدم الفرق بين ما هناك وما هنا ظاهر وإن أريد كل لعنة فذاك لما أن لعنة اللاعنين من الملائكة والثقلين أيضا من جهته تعالى فهم يدعون عليه بلعنة الله تعالى وإبعاده من رحمته إِلى يَوْمِ الدِّينِ يوم الجزاء والعقوبة، وفيه إيذان بأن اللعنة مع كمال فظاعتها ليست كافية في جزاء جنايته بل هي أنموذج مما سيلقاه مستمرة إلى ذلك اليوم، لكن لا على أنها تنقطع يومئذ كما يوهمه ظاهر التوقيت ونسب القول به إلى بعض الصوفية بل على أنه سيلقى يومئذ من ألوان العذاب وأفانين العقاب ما تنسى عنده اللعنة وتصير كالزائل ألا يرى إلى قوله تعالى: فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [الأعراف: ٤٤] وقوله تعالى: وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً [العنكبوت: ٢٥] قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي أي أمهلني وأخرني، والفاء متعلقة بمحذوف ينحسب عليه الكلام كأنه قال:
إذا جعلتني رجيما فأمهلني ولا تمتني إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ أي آدم وذريته للجزاء بعد الموت وهو وقت النفخة الثانية، وأراد اللعين بذلك أن يجد فسحة من إغوائهم ويأخذ منهم ثأره وينجو من الموت لأنه لا يكون بعد البعث وكان أمر البعث معروفا بين الملائكة فسمعه منهم فقال ما قال، ويمكن أن يكون قد عرفه عقلا حيث عرف ببعض الأمارات أو بطريق آخر من طرق المعرفة أن أفراد هذا الجنس لا تخلو من وقوع ظلم بينها وأن الدار ليست دار قرار بل لا بد من الموت فيها وأن الحكمة تقتضي الجزاء.
قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ ورود الجواب بالجملة الاسمية مع التعرض لشمول ما سأله الآخرين على وجه يشعر بأن السائل تبع لهم في ذلك صريح في أنه إخبار بالإنظار المقدر لهم أزلا لا إنشاء لإنظار خاص به قد وقع إجابة لدعائه وأن استنظاره كان طلبا لتأخير الموت إذ به يتحقق كونه منهم لا لتأخير العقوبة كما قيل فإن ذلك معلوم من إضافة اليوم إلى الدين أي إنك من جملة الذين أخرت آجالهم أزلا حسبما تقتضيه حكمة التكوين إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ الذي قدرته وعينته لفناء الخلائق وهو وقت النفخة الأولى لا إلى وقت البعث الذي هو المسئول فالفاء ليست لربط نفس الأنظار بالاستنظار بل لربط الإخبار المؤكد به كما في قوله تعالى: إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ [يوسف: ٧٧] وقول الشافعي:
فإن ترحم فأنت لذلك أهل قالَ فَبِعِزَّتِكَ قسم بسلطان الله عزّ وجلّ وقهره وهو كما يكون بالذات يكون بالصفة فالباء للقسم على ما عليه الأكثرون والفاء لترتيب مضمون الجملة على الأنظار أي فاقسم بعزتك لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ أي أفراد هذا النوع بتزيين المعاصي لهم إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ وهم الذين أخلصهم الله تعالى لطاعته وعصمهم عن الغواية.
وقرىء «المخلصين» على صيغة الفاعل أي الذين أخلصوا قلوبهم أو أعمالهم لله تعالى.
قالَ أي الله عزّ وجلّ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ برفع الأول على أنه مبتدأ محذوف الخبر أو خبر محذوف
المبتدأ ونصب الثاني على أنه مفعول لما بعده قدم عليه للقصر أي لا أقول إلا الحق، والفاء لترتيب مضمون ما بعدها على ما قبلها أي فالحق قسمي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ على أن الحق إما اسمه تعالى أو نقيض الباطل عظمه الله تعالى بإقسامه به، ورجح بحديث إعادة الاسم معرفة أو فأنا الحق أو فقولي الحق، وقوله تعالى: لَأَمْلَأَنَّ إلخ حينئذ جواب لقسم محذوف أي والله لأملان إلخ، وقوله تعالى: وَالْحَقَّ أَقُولُ على تقدير اعتراض مقرر على الوجهين الأولين لمضمون الجملة القسمية وعلى الوجه الثالث لمضمون الجملة المتقدمة أعني فقولي الحق.
وقول فَالْحَقُّ مبتدأ خبره لَأَمْلَأَنَّ لأن المعنى أن املأ ليس بشيء أصلا. وقرأ الجمهور «فالحقّ والحقّ» بنصبهما وخرج على أن الثاني مفعول مقدم كما تقدم والأول مقسم به حذف منه حرف القسم فانتصب كما في بيت الكتاب:
إن عليك الله أن تبايعا | تؤخذ كرها أو تجيء طائعا |
وقرأ ابن عباس ومجاهد والأعمش بالرفع فيهما، وخرج رفع الأول على ما مر ورفع الثاني على أنه مبتدأ والجملة بعده خبر والرابط محذوف أي أقوله كقراءة ابن عامر وكل وعد الله الحسنى [النساء: ٩٥] وقول أبي النجم:
قد أصبحت أم الخيار تدعي | عليّ ذنبا كله لم أصنع |
وقرىء بجر الأول على إضمار حرف القسم ونصب الثاني على المفعولية مِنْكَ أي من جنسك من الشياطين وَمِمَّنْ تَبِعَكَ في الغواية والضلالة مِنْهُمْ من ذرية آدم عليه السلام أَجْمَعِينَ توكيد للضمير في مِنْكَ والضمير المجرور بمن الثانية، والمعنى لأملأن جهنم من المتبوعين والتابعين أجمعين لا أترك منهم أحدا أو توكيد للتابعين فحسب والمعنى لأملأنها من الشياطين وممن تبعهم من جميع الناس لا تفاوت في ذلك بين ناس وناس بعد وجود الأتباع منهم من أولاد الأنبياء وغيرهم، وتأكيد التابعين دون المتبوعين لما أن حال التابعين إذا بلغ إلى أن اتصل إلى أولاد الأنبياء فما بال المتبوعين. وقال صاحب الكشف: صاحب هذا القول اعتبر القرب وأن الكلام بين الحق تعالى شأنه وبين الملعون في شأن التابعين فأكد ما هو المقصود وترك توكيد الآخر للاكتفاء. هذا واعلم أن هذه القصة قد ذكرت في عدة سور وقد ترك في بعضها بعض ما ذكر في البعض الآخر للإيجاز ثقة ما ذكر في ذلك وقد يكون صفحة رقم 219
فيها في موضعين مثلا لفظان متحدان مآلا مختلفان لفظا رعاية للتفنن، وقد يحمل الاختلاف على تعدد الصدور فيقال مثلا: إن اللعين أقسم مرة بالعزة فحكى ذلك في سورة ص بقوله تعالى: قالَ فَبِعِزَّتِكَ وأخرى بإغواء الله تعالى الذي هو أثر من آثار قدرته وعزته عزّ وجلّ وحكم من أحكام سلطانه فحكى ذلك في سورة [الأعراف: ١٦] بقوله تعالى: قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي وقد يحمل الاختلاف على اختلاف المقامات كترك الفاء من قوله أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ومن قوله تعالى: إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ في [الأعراف: ١٤، ١٥] مع ذكرها فيهما في ص والذي يجب اعتباره في نقل الكلام إنما هو أصل معناه ونفس مدلوله الذي يفيده وأما كيفية إفادته له فليس مما يجب مراعاته عند النقل البتة بل قد تراعى وقد لا تراعى حسب اقتضاء المقام، ولا يقدح في أصل الكلام تجريده عنها بل قد تراعى عند نقله كيفيات وخصوصيات لم يراعها المتكلم أصلا حيث إنّ مقام الحكاية اقتضتها وهي ملاك الأمر ولا يخل ذلك بكون المنقول أصل المعنى كما قد حققه صدر المفتين أبو السعود وأطال الكلام فيه فليراجع قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أي على القرآن كما روي عن ابن عباس أو على تبليغ ما يوحى إلي أو على الدعاء إلى الله تعالى على ما قيل مِنْ أَجْرٍ أي أجرا دنيويا جل أو قل وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ من الذين يتصنعون ويتحلون بما ليسوا من أهله وما عرفتموني قط متصنعا ولا مدعيا ما ليس عندي حتى انتحل النبوة وأتقول القرآن فأمره ﷺ أن يقول لهم عن نفسه هذه المقالة ليس لإعلامهم بالمضمون بل للاستشهاد بما عرفوه منه عليه الصلاة والسلام وللتذكير بما علموه وفي ذلك ذم التكلف.
وأخرج ابن عدي عن أبي برزة قال: «قال رسول الله ﷺ ألا أنبئكم بأهل الجنة؟ قلنا: بلى يا رسول الله قال: هم الرحماء بينهم قال: ألا أنبئكم بأهل النار؟ قلنا: بلى قال: هم الآيسون القانطون الكذابون المتكلفون»
وعلامة المتكلف كما أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن ابن المنذر ثلاث أن ينازل من فوقه ويتعاطى ما لا ينال ويقول ما لا يعلم، وفي الصحيحين أن ابن مسعود قال: أيها الناس من علم منكم علما فليقل به ومن لم يعلم فليقل الله تعالى أعلم قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ إِنْ هُوَ أي ما هو أي القرآن إِلَّا ذِكْرٌ جليل الشأن من الله تعالى. لِلْعالَمِينَ للثقلين كافة وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ أي ما أنبأ به من الوعد والوعيد وغيرهما أو خبره الذي يقال فيه في نفس الأمر وهو أنه الحق والصدق بَعْدَ حِينٍ قال ابن عباس وعكرمة وابن زيد:
يعني يوم القيامة، وقال قتادة: والفراء والزجاج: بعد الموت، وكان الحسن يقول: يا ابن آدم عند الموت يأتيك الخبر اليقين، وفسر نبؤه بالوعد والوعيد الكائنين في الدنيا، والمراد لتعلمن ذلك بتحققه إذا أخذتكم سيوف المسلمين وذلك يوم بدر وأشار إلى هذا السدي، وأيا ما كان ففي الآية من التهديد ما لا يخفى.
هذا وممّا قاله بعض السّادة الصّوفيّة في بعض الآيات قالوا في قوله تعالى: إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ أنه ظاهر في أن الجماد والحيوان الذي هو عند أهل الحجاب غير ناطق حي دراك له علم بالله عزّ وجلّ، ونقل الشعراني عن شيخه على الخواص قدس سره القول بتكليف البهائم من حيث لا يشعر المحجوبون، وجوز أن يكون نذيرها من ذواتها وأن يكون خارجا عنها من جنسها، وقال: ما سميت بهائم إلا لكون أمر كلامها وأحوالها قد أبهم على غالب الخلق لا لأن الأمر مبهم عليها نفسها. وحكي عنه أنه كان يعامل كل جماد في الوجود معاملة الحي ويقول: إنه يفهم الخطاب ويتألم كما يتألم الحيوان.
وقيل: في قوله تعالى: وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إشارة إلى أن النفوس مجبولة على الظلم وسائر الصفات الذميمة وإلى أن الذين تزكت أنفسهم قليل
جدا بالنسبة إلى الآخرين يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ نقل الشعراني أن خلافته عليه السلام وكذا خلافة آدم كانت في عالم الصور وعالم الأنفس المدبرة لها دون العالم النوراني فإن لكل شخص من أهله مقاما معلوما عينه له ربه سبحانه، وللشيخ الأكبر قدس سره كلام طويل في الخلافة، ويحكى عن بعض الزنادقة أن الخليفة لا يكتب عليه خطيئة ولا هو داخل في ربقة التكليف لأن مرتبته مرتبة مستخلفة وهو كفر صراح، وفرق العلماء بين الخليفة والملك.
أخرج الثعلبي من طريق العوام بن حوشب قال: حدثني رجل من قومي شهد عمر رضي الله تعالى عنه أنه سأل طلحة والزبير وكعبا وسلمان رضي الله تعالى عنهم ما الخليفة من الملك؟ فقال طلحة والزبير: ما ندري فقال سلمان:
الخليفة الذي يعدل في الرعية ويقسم بينهم بالسوية ويشفق عليهم شفقة الرجل على أهله ويقضي بكتاب الله تعالى فقال كعب: ما كنت أحسب أحدا يعرف الخليفة من الملك غيري فقوله تعالى: فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى كالتفسير لهذه الخلافة وفيه إشارة إلى ذم الهوى، وفي بعض الآثار ما عبد إله في الأرض أبغض على الله تعالى من الهوى فهو أعظم الأصنام.
وقوله تعالى: فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ فيه إشارة بناء على المشهور في القصة إلى أن كل محبوب سوى الله تعالى إذا حجبك عن الله تعالى لحظة يلزمك أن تعالجه بسيف نفى لا إله إلا الله وقد سمعت استدلال الشبلي بذلك على تخريق ثيابه وما قيل فيه قال: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي لم يقصد بذلك السؤال إلا ما يوجب مزيد القرب إليه عزّ وجلّ وليس فيه ما يخل بكماله عليه السلام وإلا لعوتب عليه، وقد تقدم الكلام في ذلك ومنه يعلم كذب ما في الجواهر والدرر نقلا عن الخواص قال: بلغنا أن النملة التي كلمت سليمان عليه السلام قالت: يا نبي الله أعطني الأمان وأنا أنصحك بشيء ما أظنك تعلمه فأعطاها الأمان فأسرت إليه في أذنه وقالت: إني أشم من قولك هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي رائحة الحسد فتغير سليمان وأغير لونه ثم قالت له: قد تركت الأدب مع الله تعالى من وجوه، منها عدم خروجك من شح النفس الذي نهاك الله تعالى عنه إلى حضرة الكرم الذي أمرك الله تعالى به، ومنها مبالغتك في السؤال بأن لا يكون ذلك العطاء لأحد من عبيد سيدك من بعدك فحجرت على الحق تعالى بأن لا يعطي أحدا بعد موتك ما أعطاه كل ذلك لمبالغتك في شدة الحرص، ومنها طلبك أن يكون ملك سيدك لك وحدك تقول هب لي وغاب عنك أنك عبد له لا يصح أن تملك معه شيئا مع أن فرحك بالعطاء لا يكون إلا مع شهود ملكك له وكفى بذلك جهلا ثم قالت له: يا سليمان وماذا ملكك الذي سألته أن يعطيكه فقال: خاتمي قالت: أف لملك يحويه خاتم انتهى، ويدل على كذب ما بلغه وجوه أيضا لا تخفى على الخواص والعجب من أنها خفيت على الخواص، وقوله تعالى: يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ يشير إلى فضل آدم عليه السلام وأنه أكمل المظاهر، واليد أن عندهم إشارة إلى صفتي اللطف والقهر وكل الصفات ترجع إليهما، ولا شك عندنا في أنه أفضل من الملائكة عليهم السلام. وذكر الشعراني أنه سأل الخواص عن مسألة التفضيل الذي أشرنا إليه فقال: الذي ذهب إليه جماعة من الصوفية أن التفاضل إنما يصح بين الأجناس المشتركة كما يقال أفضل الجواهر الياقوت وأفضل الثياب الحلة وأما إذا اختلفت الأجناس فلا تفاضل فلا يفال أيما أفضل الياقوت أم الحلة؟ ثم قال: والذي نذهب إليه أن الأرواح جميعها لا يصح فيها تفاضل إلا بطريق الأخبار عن الله تعالى فمن أخبره الحق تعالى بذلك فهو الذي حصل له العلم التام وقد تنوعت الأرواح إلى ثلاثة أنواع. أرواح تدبر أجسادا نورية وهم الملأ الأعلى. وأرواح تدبر أجسادا نارية وهم الجن وأرواح تدبر أجسادا ترابية وهم البشر، فالأرواح جميعها ملائكة
حقيقة واحدة وجنس واحد فمن فاضل من غير علم إلهي فليس عنده تحقيق فإنّا لو نظرنا التفاضل من حيث النشأة مطلقا قال العقل بتفضيل الملائكة ولو نظرنا إلى كمال النشأة وجمعيتها حكمنا بتفضيل البشر، ومن أين لنا ركون إلى ترجيح جانب على آخر مع أن الملك جزء من الإنسان من حيث روحه لأن الأرواح ملائكة فالكل من الجزء والجزء من الكل، ولا يقال أيما أفضل جزء الإنسان أو كله فافهم انتهى، والكلام في أمر التفضيل طويل محله كتب الكلام ثم أن حظ العارف من القصص المذكورة في هذه السورة الجليلة لا يخفى إلا على ذوي الأبصار الكليلة نسأل الله تعالى أن يوفقنا لفهم كتابه بحرمة سيد أنبيائه وأحبابه ﷺ وشرف وعظم وكرم.
صفحة رقم 222