
لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٢) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٨٣) قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (٨٤) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٥) قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (٨٦) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (٨٧) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (٨٨)
شرح الكلمات:
لما خلقت بيدي: أي للذي خلقته بيدي وهو آدم فدل ذلك على شرفه.
أستكبرت أم كنت من العالين: أستكبرت الآن أم كنت من قبل من العالين المتكبرين والاستفهام للتوبيخ والتقريع لإبليس.
فاخرج منها: أي من الجنة.
فإنك رجيم: أي مرجوم مطرود.
وأن عليك لعنتي إلى يوم الدين: أي طرده من الجنة وألحقه لعنة وهي الطرد من الرحمة إلى يوم الدين أي الجزاء وهو يوم القيامة.
قال رب فأنظرني: أي أخر موتي وأبق عليّ حيّا إلى يوم يبعثون أي الناس.
إلى يوم الوقت المعلوم: أي إلى النفخة الأولى وهي نفخة الموت والفناء.
إلا عبادك منهم المخلصين: أي الذين استخلصهم للإيمان بك وعبادتك ومجاورتك في الجنة.
قل ما أسألكم عليه من أجر: لا أسألكم على البلاغ أجراً تعطونه لي.
وما أنا من المتكلفين: أي المتقولين القرآن وما أنذركم به من تلقاء نفسي.
إن هو إلا ذكر للعالمين: أي ما أتلوه من القرآن وما أقوله من الهدى إلا ذكر للعالمين.
ولتعلمن نبأه بعد حين: أي ولتعلمن أيها المكذبون نبأ القرآن الذي أنبأ به من الوعد للمؤمنين والوعيد للكافرين بعد حين.

معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في ذكر ما دار بين الرب تعالى وعدوه إبليس من حديث في الملأ الأعلى إذ قال تعالى بعد أن امتنع إبليس من السجود لآدم ﴿قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ (١) أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ (٢) ﴾ أي أيُّ شيء جعلك تمتنع من السجود لآدم وقد أمرتك بذلك ﴿أَسْتَكْبَرْتَ﴾ أي الآن ﴿أَمْ كُنْتَ﴾ من قبل ﴿مِن (٣) َ الْعَالِينَ﴾ أي المستكبرين، وهذا الاستفهام من الله تعالى توبيخ لإبليس وتقريع له. وأجابه إبليس بما أخبر تعالى به عنه في قوله ﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ فاستعمل اللعين القياس الفاسد المردود عند أرباب العقول، إذ النار لم تكن أبداً خيرا من الطين، النار تحرق ونهايتها رماد، والطين لا يحرق ومنه سائر أنواع المغذيات التي بها الحياة الحبوب والثمار والفواكه والخضر واللحوم وحسبه أنه أصل الإنسان ومادة خلقته. فأيّ شرف للنّار أعظم لو كان اللعين يعقل. وهنا قال تعالى له ﴿فَاخْرُجْ مِنْهَا﴾ أي من الجنة ﴿فَإِنَّكَ رَجِيمٌ﴾ أي مطرد مبعد لا ينبغي أن تبقى في رحمة الله، ﴿وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي﴾ لا تفارقك على مدى الحياة وهي بُعد من رحمتي طوال الحياة.
وهنا قال اللعين لما آيس من الرحمة ﴿رَبِّ فَأَنْظِرْنِي﴾ أي أبق عليّ حياً لا تمتني ﴿إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ حتى يتمكن من إغواء بني آدم، ولا يموت إذا ماتوا في النفخة الأولى فلا يذوق هو الموت وعلم الله ما أضمره في نفسه فرد عليه بقوله ﴿فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ﴾ أي الممهلين المبقى على حياتهم ﴿إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾ وهو النفخة الأولى حتى يموت مع سائر الخلائق ولما علم اللعين أنه أنظر قال في صفاقة وجه ووقاحة قول مقسماً بعزة الله ﴿فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ فاستثنى اللعين عباد الله المؤمنين المتقين الذين استخلصهم الله لطاعته وجواره في دار كرامته. وهنا قال تعالى رداً على اللعين ﴿قَالَ (٤) فَالْحَقُّ﴾ أي أنا الحق ﴿وَالْحَقَّ أَقُولُ﴾ ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ﴾ أي من الإنس والجن أجمعين. وإلى هنا انتهى ما دار من خصومة في الملأ الأعلى، وكيف عرف محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا وأخبر به لولا أنه
٢ - في قوله بيدي إثبات صفة اليدين لله تعالى وقد وردت أحاديث صحيحة تقرر ذلك وتثبته فوجب الإيمان بهذه الصفة الذاتية لله تعالى مع تنزيهه تعالى أن يكون يداه تشبه يدي من له يدان من خلقه لأن الله تعالى ليس كمثله شيء.
٣ - العلو الشرف فمعنى قوله تعالى من العالين أي من أهل علو المراتب وشرف المنازل فلذا امتنعت من السجود لآدم عليه السلام.
٤ - قرأ الجمهور قال فالحق بنصب الحق على أنه مفعول مطلق تقديره أحق الحق، وقرأ حفص بالرفع على تقدير فالحق قولي، أو أنا الحق أي على الابتداء، وأما الحق الثاني فهو منصوب إجماعاً لفعل أقول.

وحي يوحى إليه. وهنا قال تعالى لرسوله قل لقومك المكذبين برسالتك ﴿مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ﴾ أي على البلاغ ﴿مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (١) ﴾ الذين يتقولون على الله ويقولون ما لم يقل ﴿إِنْ هُوَ﴾ أي القرآن ﴿إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ﴾ من الإنس والجن يذكرون به فيؤمنون ويهتدون ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾ أي ولتعرفن صدق ما أخبر به من وعد ووعيد وصلاحية ما تضمنه من تشريع بعد حين، وقد عرف بعضهم ذلك يوم بدر، ويوم الفتح، ويوم مؤتة.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- ذم الكبر والحسد وحرمتهما وبيان جزائهما.
٢- مشروعية القياس إن كان قياساً صحيحاً، وبيان أخطار القياس الفاسد.
٣- مشروعية القسم بالله وبصفاته وأسمائه.
٤- بيان أن من كتب الله سعادتهم لا يقوى الشيطان على إغوائهم وإضلالهم.
٥- لا يجوز أخذ الأجرة على بيان الحق والدين.
٦- ذم التكلّف (١) المفضي إلى الكذب والتقول على الله والرسول والمؤمنين.
٧- ظهر مصداق ما أخبر به القرآن بعد حين قصير وطويل.
* المقراة: الحوض يجمع فيه الماء.