آيات من القرآن الكريم

وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً، لَيِّنَةً لَيْسَتْ بِعَاصِفَةٍ، حَيْثُ أَصابَ، حَيْثُ أَرَادَ، تَقُولُ الْعَرَبُ: أَصَابَ الصَّوَابَ فَأَخْطَأَ الْجَوَابَ، تُرِيدُ أَرَادَ الصَّوَابَ.
وَالشَّياطِينَ، أي سخرنا لَهُ الشَّيَاطِينَ، كُلَّ بَنَّاءٍ، يَبْنُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ، وَغَوَّاصٍ، يَسْتَخْرِجُونَ لَهُ اللَّآلِئَ مِنَ الْبَحْرِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنِ اسْتَخْرَجَ اللُّؤْلُؤَ مِنَ الْبَحْرِ.
وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (٣٨)، مَشْدُودِينَ فِي الْقُيُودِ، أَيْ وَسَخَّرْنَا لَهُ آخَرِينَ يَعْنِي مَرَدَةَ الشَّيَاطِينِ سُخِّرُوا لَهُ حَتَّى قَرَّنَهُمْ فِي الْأَصْفَادِ.
هَذَا عَطاؤُنا، أَيْ قُلْنَا لَهُ هَذَا عطاؤنا، فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ، الْمَنُّ هُوَ الْإِحْسَانُ إِلَى مَنْ تشيئه ومن لا تشيئه، مَعْنَاهُ: أَعْطِ مَنْ شِئْتَ وَأَمْسِكْ عَمَّنْ شِئْتَ، بِغَيْرِ حِسابٍ، لَا حَرَجَ عَلَيْكَ فِيمَا أَعْطَيْتَ وَفِيمَا أَمْسَكْتَ. قَالَ الْحَسَنُ: مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى أَحَدٍ نِعْمَةً إِلَّا عَلَيْهِ تَبِعَةٌ، إِلَّا سُلَيْمَانَ فَإِنَّهُ إِنْ أَعْطَى أُجَرُ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ تَبِعَةٌ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هَذَا فِي أَمْرِ الشَّيَاطِينِ، يَعْنِي: خَلِّ مَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَأَمْسِكْ مَنْ شِئْتَ فِي وِثَاقِكَ لَا تَبِعَةَ عَلَيْكَ فِيمَا تَتَعَاطَاهُ.
وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ، بِمَشَقَّةٍ وَضُرٍّ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ بِنُصْبٍ بِضَمِّ النُّونِ وَالصَّادِ، وَقَرَأَ يَعْقُوبُ بِفَتْحِهِمَا، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِضَمِّ النُّونِ وَسُكُونِ الصَّادِ، وَمَعْنَى الْكُلِّ وَاحِدٌ. قَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ: بِنُصْبٍ بِفَتْحِهِمَا، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِضَمِّ النُّونِ وَسُكُونِ الصَّادِ، وَمَعْنَى الْكُلِّ وَاحِدٌ. قَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ: بِنُصْبٍ فِي الْجَسَدِ، وَعَذابٍ، فِي الْمَالِ وَقَدْ ذكرنا قصة أيوب ومدة ابتلائه فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ.
فَلَمَّا انْقَضَتْ مُدَّةُ بَلَائِهِ قِيلَ لَهُ: ارْكُضْ بِرِجْلِكَ، اضْرِبْ بِرِجْلِكَ الْأَرْضَ فَفَعَلَ فَنَبَعَتْ عَيْنُ مَاءٍ، هَذَا مُغْتَسَلٌ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَغْتَسِلَ مِنْهَا فَفَعَلَ فَذَهَبَ كُلُّ دَاءٍ كَانَ بِظَاهِرِهِ، ثُمَّ مَشَى أَرْبَعِينَ خُطْوَةً فَرَكَضَ الْأَرْضَ بِرِجْلِهِ الْأُخْرَى فَنَبَعَتْ عَيْنٌ أُخْرَى مَاءٌ عَذْبٌ بَارِدٌ، فَشَرِبَ مِنْهُ فَذَهَبَ كُلُّ دَاءٍ كَانَ بِبَاطِنِهِ، فَقَوْلُهُ:
هَذَا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ، يَعْنِي الَّذِي اغتسل منه بارد، وَشَرابٌ أَرَادَ الَّذِي شَرِبَ مِنْهُ.
[سورة ص (٣٨) : الآيات ٤٣ الى ٥٢]
وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٤٣) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٤٤) وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ (٤٥) إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (٤٦) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ (٤٧)
وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ (٤٨) هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (٤٩) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ (٥٠) مُتَّكِئِينَ فِيها يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ (٥١) وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ (٥٢)
وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً (٤٣)، وَهُوَ مِلْءُ الْكَفِّ مِنَ الشَّجَرِ أَوِ الْحَشِيشِ، فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ، فِي يَمِينِكَ وَكَانَ قَدْ حَلَفَ أَنْ يَضْرِبَ امْرَأَتَهُ مِائَةَ سَوْطٍ فَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَأْخُذَ ضِغْثًا يَشْتَمِلُ عَلَى مِائَةِ عُودٍ صِغَارٍ وَيَضْرِبَهَا بِهِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً، إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ.

صفحة رقم 73
معالم التنزيل
عرض الكتاب
المؤلف
محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي -بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
5
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية