آيات من القرآن الكريم

وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ
ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ ﯷﯸﯹﯺﯻﯼ

أَبِي قَتَادَةَ وَأَبِي الدَّهْمَاءِ وَكَانَا يُكْثِرَانِ السَّفَرَ نَحْوَ الْبَيْتِ قَالَا أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مِنْ أهل البادية فقال لنا الْبَدَوِيُّ: أَخَذَ بِيَدِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يُعَلِّمُنِي مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ عز وجل وَقَالَ: «إِنَّكَ لَا تَدَعُ شَيْئًا اتِّقَاءَ اللَّهِ تعالى إلا أعطاك الله عز وجل خيرا منه».
[سورة ص (٣٨) : الآيات ٣٤ الى ٤٠]
وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ (٣٤) قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٣٥) فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ (٣٦) وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (٣٧) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (٣٨)
هَذَا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٩) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ (٤٠)
يَقُولُ تَعَالَى: وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ أَيِ اخْتَبَرْنَاهُ بِأَنْ سَلَبْنَاهُ الْمُلْكَ مَرَّةً وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَمُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمْ يَعْنِي شَيْطَانًا ثُمَّ أَنابَ أَيْ رَجَعَ إِلَى مُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ وَأُبَّهَتِهِ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «١»، وَكَانَ اسْمُ ذَلِكَ الشَّيْطَانِ صَخْرًا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وَقَتَادَةُ وَقِيلَ آصِفُ قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَقِيلَ آصِرُوا قَالَهُ مُجَاهِدٌ أَيْضًا وَقِيلَ حبقيقُ قَالَهُ السُّدِّيُّ وَقَدْ ذَكَرُوا هَذِهِ الْقِصَّةَ مَبْسُوطَةً وَمُخْتَصَرَةً.
وَقَدْ قَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ أمر سليمان عليه الصلاة والسلام بِبِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقِيلَ لَهُ ابْنِهِ وَلَا يسمع فيه صوت حديد، قال فطلب ذلك فلم يقدر عليه فقيل إِنَّ شَيْطَانًا فِي الْبَحْرِ يُقَالُ لَهُ صَخْرٌ شبه المارد قال فطلبه وكانت في البحر عين يَرِدُهُا فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ مَرَّةً فَنُزِحَ ماءها وجعل فيها خمرا فَجَاءَ يَوْمَ وِرْدِهِ فَإِذَا هُوَ بِالْخَمْرِ فَقَالَ: إِنَّكِ لَشَرَابٌ طَيِّبٌ إِلَّا أَنَّكِ تُصْبِينَ الْحَلِيمَ «٢» وتزيدين الجاهل جهلا، قال ثُمَّ رَجَعَ حَتَّى عَطِشَ عَطَشًا شَدِيدًا ثُمَّ أَتَاهَا فَقَالَ: إِنَّكِ لَشَرَابٌ طَيِّبٌ إِلَّا أَنَّكِ تصبين الحليم وتزيدين الجاهل جهلا، قال ثم شربها حتى غلب عَلَى عَقْلِهِ قَالَ فَأُرِيَ الْخَاتَمَ أَوْ خُتِمَ بِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ فَذَلَّ، قَالَ وَكَانَ مُلْكُهُ في خاتمه فأتى به سليمان عليه الصلاة والسلام فقال إنا قَدْ أُمِرْنَا بِبِنَاءِ هَذَا الْبَيْتِ وَقِيلَ لَنَا لَا يُسْمَعَنَّ فِيهِ صَوْتُ حَدِيدٍ قَالَ فَأَتَى بِبَيْضِ الْهُدْهُدِ فَجَعَلَ عَلَيْهِ زُجَاجَةً فَجَاءَ الْهُدْهُدُ فَدَارَ حَوْلَهَا فَجَعَلَ يَرَى بَيْضَهُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَذَهَبَ فَجَاءَ بِالْمَاسِ فَوَضَعَهُ عَلَيْهِ فَقَطَعَهَا بِهِ حَتَّى أَفْضَى إِلَى بَيْضِهِ فَأَخَذَ الْمَاسَ فَجَعَلُوا يَقْطَعُونَ بِهِ الْحِجَارَةَ وَكَانَ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ الصلاة والسلام إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ الْخَلَاءَ أَوِ الْحَمَّامَ لَمْ يَدْخُلْ بِخَاتَمِهِ فَانْطَلَقَ يَوْمًا إِلَى الْحَمَّامِ، وَذَلِكَ الشَّيْطَانُ صَخْرٌ مَعَهُ وَذَلِكَ عِنْدَ مُقَارَفَةٍ قارف فيها بَعْضَ نِسَائِهِ قَالَ فَدَخَلَ الْحَمَّامَ وَأَعْطَى الشَّيْطَانَ خَاتَمَهُ فَأَلْقَاهُ فِي الْبَحْرِ فَالْتَقَمَتْهُ سَمَكَةٌ وَنُزِعَ مُلْكُ سُلَيْمَانَ مِنْهُ وَأُلْقِيَ عَلَى الشَّيْطَانِ شَبَهُ سُلَيْمَانَ قَالَ فَجَاءَ فَقَعَدَ عَلَى كُرْسِيِّهِ وَسَرِيرِهِ وَسُلِّطَ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ كُلِّهِ غَيْرَ نِسَائِهِ فجعل يقضي بينهم وجعلوا ينكرون منه

(١) انظر تفسير الطبري ١٠/ ٥٨٠.
(٢) تصبين الحليم: أي تجعلينه يفعل فعل أهل اللهو والجهل.

صفحة رقم 57

أَشْيَاءَ حَتَّى قَالُوا لَقَدْ فُتِنَ نَبِيُّ اللَّهِ وَكَانَ فِيهِمْ رَجُلٌ يُشَبِّهُونَهُ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فِي الْقُوَّةِ فَقَالَ وَاللَّهُ لَأُجَرِّبَنَّهُ قَالَ: فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَهُوَ لَا يَرَى إِلَّا أَنَّهُ نَبِيُّ اللَّهِ أَحَدُنَا تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ فَيَدَعُ الْغُسْلَ عَمْدًا حَتَّى تَطْلُعَ الشمس أترى عليه بأسا قال: لا فبينما هو كذلك أربعين ليلة إذ وَجَدَ نَبِيُّ اللَّهِ خَاتَمَهُ فِي بَطْنِ سَمَكَةٍ فَأَقْبَلَ فَجَعَلَ لَا يَسْتَقْبِلُهُ جِنِّيٌّ وَلَا طَيْرٌ إِلَّا سَجَدَ لَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِمْ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً قَالَ هُوَ الشَّيْطَانُ صَخْرٌ «١».
وَقَالَ السُّدِّيُّ وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ أَيِ ابْتَلَيْنَا سليمان وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً قال شيطانا جلس على كرسيه أربعين يوما قال كان لسليمان عليه الصلاة والسلام مائة امرأة وكانت امرأة منهم يُقَالُ لَهَا جَرَادَةُ وَهِيَ آثَرُ نِسَائِهِ وَآمَنُهُنَّ عِنْدَهُ وَكَانَ إِذَا أَجْنَبَ أَوْ أَتَى حَاجَةً نَزَعَ خَاتَمَهُ وَلَمْ يَأْتَمِنْ عَلَيْهِ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ غَيْرَهَا فَأَعْطَاهَا يَوْمًا خَاتَمَهُ وَدَخَلَ الْخَلَاءَ، فَخَرَجَ الشَّيْطَانُ فِي صُورَتِهِ فَقَالَ هَاتِي الْخَاتَمَ فَأَعْطَتْهُ فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ عَلَى مَجْلِسِ سُلَيْمَانَ عليه الصلاة والسلام وَخَرَجَ سُلَيْمَانُ بَعْدَ ذَلِكَ فَسَأَلَهَا أَنْ تُعْطِيَهِ خَاتَمَهُ فَقَالَتْ: أَلَمْ تَأْخُذْهُ قَبْلُ؟ قَالَ: لَا وخرج وكأنه تائه وَمَكَثَ الشَّيْطَانُ يُحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا قَالَ فَأَنْكَرَ النَّاسُ أَحْكَامَهُ فَاجْتَمَعَ قُرَّاءُ بَنِي إسرائيل وعلماؤهم فجاؤوا حتى دخلوا على نسائه فقالوا لهن إِنَّا قَدْ أَنْكَرْنَا هَذَا فَإِنْ كَانَ سُلَيْمَانَ فَقَدْ ذَهَبَ عَقْلُهُ وَأَنْكَرْنَا أَحْكَامَهُ قَالَ فَبَكَى النِّسَاءُ عِنْدَ ذَلِكَ قَالَ فَأَقْبَلُوا يَمْشُونَ حَتَّى أتوه فأحدقوا به ثم نشروا يقرءون التوراة قَالَ فَطَارَ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ حَتَّى وَقَعَ عَلَى شُرْفَةٍ وَالْخَاتَمُ مَعَهُ ثُمَّ طَارَ حَتَّى ذَهَبَ إِلَى الْبَحْرِ فَوَقَعَ الْخَاتَمُ مِنْهُ فِي الْبَحْرِ فَابْتَلَعَهُ حُوتٌ مِنْ حِيتَانِ الْبَحْرِ. قَالَ وأقبل سليمان عليه الصلاة والسلام فِي حَالِهِ الَّتِي كَانَ فِيهَا حَتَّى انْتَهَى إِلَى صَيَّادٍ مِنْ صَيَّادِي الْبَحْرِ وَهُوَ جَائِعٌ وَقَدِ اشْتَدَّ جُوعُهُ فَاسْتَطْعَمَهُمْ مِنْ صَيْدِهِمْ وَقَالَ إِنِّي أَنَا سُلَيْمَانُ فَقَامَ إِلَيْهِ بَعْضُهُمْ فَضَرَبَهُ بعصى فَشَجَّهُ فَجَعَلَ يَغْسِلُ دَمَهُ وَهُوَ عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ فَلَامَ الصَّيَّادُونَ صَاحِبَهُمُ الَّذِي ضَرَبَهُ فَقَالُوا بِئْسَ مَا صَنَعْتَ حَيْثُ ضَرَبْتَهُ قَالَ إِنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ سُلَيْمَانُ، قَالَ فَأَعْطَوْهُ سَمَكَتَيْنِ مِمَّا قد مذر عندهم ولم يَشْغَلْهُ مَا كَانَ بِهِ مِنَ الضَّرْبِ حَتَّى قام إلى شاطئ البحر فشق بطونهما فجعل يغسل فَوَجَدَ خَاتَمَهُ فِي بَطْنِ إِحْدَاهُمَا فَأَخَذَهُ فَلَبِسَهُ فردّ الله عليه بهاءه وملكه فجاءت الطَّيْرُ حَتَّى حَامَتْ عَلَيْهِ فَعَرَفَ الْقَوْمُ أَنَّهُ سليمان عليه الصلاة والسلام فقام القوم يعتذرون مما صنعوا فَقَالَ مَا أَحْمَدُكُمْ عَلَى عُذْرِكُمْ وَلَا أَلُومُكُمْ عَلَى مَا كَانَ مِنْكُمْ كَانَ هَذَا الْأَمْرُ لَا بُدَّ مِنْهُ قَالَ فَجَاءَ حَتَّى أَتَى مُلْكَهُ وَأَرْسَلَ إِلَى الشَّيْطَانِ فَجِيءَ بِهِ فَأَمَرَ بِهِ فَجُعِلَ فِي صُنْدُوقٍ مِنْ حَدِيدٍ ثُمَّ أَطْبَقَ عَلَيْهِ وَقَفَلَ عَلَيْهِ بِقُفْلٍ وَخَتَمَ عَلَيْهِ بِخَاتَمِهِ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَأُلْقِي فِي الْبَحْرِ فَهُوَ فِيهِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ وَكَانَ اسْمُهُ حبقيق «٢» قال وسخر الله لَهُ الرِّيحَ وَلَمْ تَكُنْ سُخِّرَتْ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَهَبْ لِي مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ.

(١) انظر تفسير الطبري ١٠/ ٥٨٠- ٥٨١.
(٢) انظر تفسير الطبري ١٠/ ٥٨٠- ٥٨١.

صفحة رقم 58

وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قوله تبارك وتعالى: وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً قَالَ شَيْطَانًا يُقَالُ له آصف فقال له سليمان عليه الصلاة والسلام كَيْفَ تَفْتِنُونَ النَّاسَ؟ قَالَ أَرِنِي خَاتَمَكَ أُخْبِرْكَ فَلَمَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ نَبَذَهُ آصِفُ فِي الْبَحْرِ فساح سليمان عليه الصلاة والسلام وَذَهَبَ مُلْكُهُ وَقَعَدَ آصِفُ عَلَى كُرْسِيِّهِ وَمَنَعَهُ الله تبارك وتعالى من نِسَاءَ سُلَيْمَانَ فَلَمْ يَقْرَبْهُنَّ وَلَمْ يَقْرَبْنَهُ وَأَنْكَرْنَهُ. قال: فكان سليمان عليه الصلاة والسلام يَسْتَطْعِمُ فَيَقُولُ أَتَعْرِفُونِي؟ أَطْعِمُونِي أَنَا سُلَيْمَانُ فَيُكَذِّبُونَهُ حتى أعطته امرأة يوما حوتا ففتح بَطْنَهُ فَوَجَدَ خَاتَمَهُ فِي بَطْنِهِ فَرَجَعَ إِلَيْهِ مُلْكُهُ وَفَرَّ آصِفُ فَدَخَلَ الْبَحْرَ فَارًّا «١». وَهَذِهِ كُلُّهَا مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ، وَمِنْ أَنْكَرِهَا مَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالُوا:
حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ أَخْبَرَنَا الْأَعْمَشِ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما في قوله تعالى: وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ قَالَ أراد سليمان عليه الصلاة والسلام أَنْ يَدْخُلَ الْخَلَاءَ فَأَعْطَى الْجَرَادَةَ خَاتَمَهُ وَكَانَتِ الْجَرَادَةُ امْرَأَتَهُ وَكَانَتْ أَحَبَّ نِسَائِهِ إِلَيْهِ فَجَاءَ الشَّيْطَانُ فِي صُورَةِ سُلَيْمَانَ فَقَالَ لَهَا هَاتِي خَاتَمِي فَأَعْطَتْهُ إِيَّاهُ فَلَمَّا لَبِسَهُ دَانَتْ لَهُ الإنس والجن والشياطين فلما خرج سليمان عليه السلام مِنَ الْخَلَاءِ قَالَ لَهَا هَاتِي خَاتَمِي قَالَتْ أعطيته سليمان قال أنا سليمان قال كذبت ما أنت بسليمان فَجَعَلَ لَا يَأْتِي أَحَدًا يَقُولُ لَهُ أَنَا سُلَيْمَانُ إِلَّا كَذَّبَهُ حَتَّى جَعَلَ الصِّبْيَانُ يَرْمُونَهُ بالحجارة.
فلما رأى ذلك سليمان عَرَفَ أَنَّهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ وَقَامَ الشَّيْطَانُ يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ فَلَمَّا أراد الله تبارك وتعالى أَنْ يَرُدَّ عَلَى سُلَيْمَانَ سُلْطَانَهُ أَلْقَى فِي قُلُوبِ النَّاسِ إِنْكَارَ ذَلِكَ الشَّيْطَانِ قَالَ فَأَرْسَلُوا إِلَى نِسَاءِ سُلَيْمَانَ فَقَالُوا لَهُنَّ: أَتُنْكِرْنَ مِنْ سُلَيْمَانَ شَيْئًا، قُلْنَ نَعَمْ إِنَّهُ يَأْتِينَا وَنَحْنُ حُيَّضٌ وَمَا كَانَ يَأْتِينَا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَمَّا رَأَى الشَّيْطَانُ أَنَّهُ قَدْ فَطِنَ لَهُ ظَنَّ أَنَّ أَمْرَهُ قَدِ انْقَطَعَ فَكَتَبُوا كُتُبًا فِيهَا سِحْرٌ وَكُفْرٌ فَدَفَنُوهَا تَحْتَ كُرْسِيِّ سُلَيْمَانَ ثُمَّ أَثَارُوهَا وَقَرَءُوهَا عَلَى النَّاسِ وَقَالُوا بِهَذَا كَانَ يَظْهَرُ سُلَيْمَانُ عَلَى النَّاسِ وَيَغْلِبُهُمْ فَأَكْفَرَ النَّاسُ سليمان عليه الصلاة والسلام فَلَمْ يَزَالُوا يُكَفِّرُونَهُ وَبَعَثَ ذَلِكَ الشَّيْطَانُ بِالْخَاتَمِ فَطَرَحَهُ فِي الْبَحْرِ فَتَلَقَّتْهُ سَمَكَةٌ فَأَخَذَتْهُ، وَكَانَ سليمان عليه السلام يَحْمِلُ عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ بِالْأَجْرِ فَجَاءَ رَجُلٌ فَاشْتَرَى سَمَكًا فِيهِ تِلْكَ السَّمَكَةُ الَّتِي فِي بطنها الخاتم فدعا سليمان عليه الصلاة والسلام فَقَالَ: تَحْمِلُ لِي هَذَا السَّمَكَ؟ فَقَالَ نَعَمْ قَالَ بِكَمْ؟ قَالَ بِسَمَكَةٍ مِنْ هَذَا السَّمَكِ قال فحمل سليمان عليه الصلاة والسلام السَّمَكَ ثُمَّ انْطَلَقَ بِهِ إِلَى مَنْزِلِهِ فَلَمَّا انْتَهَى الرَّجُلُ إِلَى بَابِهِ أَعْطَاهُ تِلْكَ السَّمَكَةَ التي في بطنها الخاتم فأخذها سليمان عليه الصلاة والسلام فشق بطنها فإذا بالخاتم في جوفها فأخذه فلبسه.

(١) تفسير الطبري ١٠/ ٥٨٠.

صفحة رقم 59

قَالَ فَلَمَّا لَبِسَهُ دَانَتْ لَهُ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ وَالشَّيَاطِينُ وَعَادَ إِلَى حَالِهِ وَهَرَبَ الشَّيْطَانُ حَتَّى لحق بجزيرة من جزائر البحر فأرسل سليمان عليه الصلاة والسلام فِي طَلَبِهِ وَكَانَ شَيْطَانًا مَرِيدًا فَجَعَلُوا يَطْلُبُونَهُ وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ حَتَّى وَجَدُوهُ يَوْمًا نَائِمًا فجاؤوا فَبَنَوْا عَلَيْهِ بُنْيَانًا مِنْ رَصَاصٍ فَاسْتَيْقَظَ فَوَثَبَ فجعل لا يثيب فِي مَكَانٍ مِنَ الْبَيْتِ إِلَّا انْمَاطَ مَعَهُ الرَّصَاصُ، قَالَ فَأَخَذُوهُ فَأَوْثَقُوهُ وَجَاءُوا بِهِ إِلَى سليمان عليه الصلاة والسلام فَأَمَرَ بِهِ فَنُقِرَ لَهُ تَخْتٌ مِنْ رُخَامٍ ثُمَّ أُدْخِلَ فِي جَوْفِهِ ثُمَّ سُدَّ بِالنُّحَاسِ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَطُرِحَ فِي الْبَحْرِ فَذَلِكَ قوله تبارك وتعالى: وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ قَالَ: يَعْنِي الشَّيْطَانَ الَّذِي كَانَ سلط عليه، إسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما قَوِيٌّ، وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إِنَّمَا تَلَقَّاهُ ابْنُ عباس رضي الله عنهما إِنْ صَحَّ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَفِيهِمْ طائفة لا يعتقدون نبوة سليمان عليه الصلاة والسلام فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ يَكْذِبُونَ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا كَانَ فِي هذا السِّيَاقِ مُنْكَرَاتٌ مِنْ أَشَدِّهَا ذِكْرُ النِّسَاءِ فَإِنَّ المشهور عن مجاهد وغير واحد من أئمة السلف أَنَّ ذَلِكَ الْجِنِّيَّ لَمْ يُسَلَّطْ عَلَى نِسَاءِ سليمان بل عصمهن الله عز وجل منه تشريفا وتكريما لنبيه عليه السلام. وَقَدْ رُوِيَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ مُطَوَّلَةً عَنْ جَمَاعَةٍ من السلف رضي الله عنهم كَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَجَمَاعَةٍ آخَرِينَ وَكُلُّهَا مُتَلَقَّاةٌ مِنْ قَصَصِ أَهْلِ الْكِتَابِ، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
قال يحيى بن أبي عمرو الشيباني: وجد سليمان خاتمه بعسقلان فَمَشَى فِي خِرْقَةٍ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ تَوَاضُعًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ فِي صِفَةِ كُرْسِيِّ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ خَبَرًا عَجِيبًا فَقَالَ حَدَّثَنَا أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ أَخْبَرَنِي أَبُو إِسْحَاقَ الْمِصْرِيُّ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ أَنَّهُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ حَدِيثِ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ قَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ أَخْبِرْنِي عن كرسي سليمان عليه الصلاة والسلام وَمَا كَانَ عَلَيْهِ وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ هُوَ، فَقَالَ كَانَ كُرْسِيُّ سُلَيْمَانَ مِنْ أَنْيَابِ الْفِيَلَةِ مرصعا بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ وَاللُّؤْلُؤِ، وَقَدْ جُعِلَ لَهُ درجة منها مفصّصة بالدر والياقوت والزبرجد عن ثُمَّ أَمَرَ بِالْكُرْسِيِّ فَحُفَّ مِنْ جَانِبَيْهِ بِالنَّخْلِ نَخْلٌ مِنْ ذَهَبٍ شَمَارِيخُهَا مِنْ يَاقُوتٍ وَزَبَرْجَدٍ ولؤلؤ، وجعل على رؤوس النَّخْلِ الَّتِي عَنْ يَمِينِ الْكُرْسِيِّ طَوَاوِيسُ مَنْ ذهب ثم جعل على رؤوس النخل التي على يسار الكرسي نسورا مَنْ ذَهَبٍ مُقَابَلَةَ الطَّوَاوِيسِ، وَجُعِلَ عَلَى يَمِينِ الدرجة الأولى شجرتا صنوبر من ذهب وعلى يسارها أسدان من ذهب وعلى رؤوس الْأَسَدَيْنِ عَمُودَانِ مِنْ زَبَرْجَدٍ، وَجُعِلَ مِنْ جَانِبَيِ الْكُرْسِيِّ شَجَرَتَا كَرْمٍ مَنْ ذَهَبٍ قَدْ أَظَلَّتَا الْكُرْسِيَّ وَجُعِلَ عَنَاقِيدُهُمَا دُرًّا وَيَاقُوتًا أَحْمَرَ.
ثُمَّ جُعِلَ فَوْقَ دَرَجِ الْكُرْسِيِّ أَسَدَانِ عَظِيمَانِ مِنْ ذَهَبٍ مُجَوَّفَانِ مَحْشُوَّانِ مِسْكًا وَعَنْبَرًا، فَإِذَا أَرَادَ سليمان عليه السلام أَنْ يَصْعَدَ عَلَى كُرْسِيِّهِ اسْتَدَارَ الْأَسَدَانِ سَاعَةً ثُمَّ يَقَعَانِ فَيَنْضَحَانِ مَا فِي أَجْوَافِهِمَا مِنَ المسك والعنبر حول كرسي سليمان عليه الصلاة والسلام ثُمَّ يُوضَعُ مِنْبَرَانِ مِنْ

صفحة رقم 60

ذَهَبٍ وَاحِدٌ لِخَلِيفَتِهِ وَالْآخِرُ لِرَئِيسِ أَحْبَارِ بَنِي إِسْرَائِيلَ ذَلِكَ الزَّمَانِ، ثُمَّ يُوضَعُ أَمَامَ كُرْسِيِّهِ سَبْعُونَ مِنْبَرًا مِنْ ذَهَبٍ يَقْعُدُ عَلَيْهَا سَبْعُونَ قَاضِيًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَعُلَمَائِهِمْ وَأَهْلِ الشَّرَفِ مِنْهُمْ وَالطَوْلِ، وَمِنْ خَلْفِ تِلْكَ الْمَنَابِرِ كُلِّهَا خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ مِنْبَرًا مِنْ ذَهَبٍ لَيْسَ عَلَيْهَا أَحَدٌ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَصْعَدَ عَلَى كُرْسِيِّهِ وَضَعَ قَدَمَيْهِ عَلَى الدَّرَجَةِ السُّفْلَى فَاسْتَدَارَ الْكُرْسِيُّ كُلُّهُ بِمَا فِيهِ وَمَا عَلَيْهِ وَيَبْسُطُ الْأَسَدُ يَدَهُ الْيُمْنَى وَيَنْشُرُ النَّسْرُ جَنَاحَهُ الْأَيْسَرَ ثُمَّ يصعد سليمان عليه الصلاة والسلام عَلَى الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ فَيَبْسُطُ الْأَسَدُ يَدَهُ الْيُسْرَى وَيَنْشُرُ النَّسْرُ جَنَاحَهُ الْأَيْمَنَ فَإِذَا اسْتَوَى سُلَيْمَانُ عليه الصلاة والسلام عَلَى الدَّرَجَةِ الثَّالِثَةِ وَقَعَدَ عَلَى الْكُرْسِيِّ أَخَذَ نَسْرٌ مِنْ تِلْكَ النُّسُورِ عَظِيمٌ تَاجَ سُلَيْمَانَ عليه الصلاة والسلام فَوَضَعَهُ عَلَى رَأْسِهِ فَإِذَا وَضَعَهُ عَلَى رَأْسِهِ اسْتَدَارَ الْكُرْسِيُّ بِمَا فِيهِ كَمَا تَدُورُ الرَّحَى الْمُسْرِعَةُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَمَا الَّذِي يُدِيرُهُ يَا أَبَا إِسْحَاقَ؟ قَالَ:
تِنِّينٌ مِنْ ذَهَبِ ذَلِكَ الْكُرْسِيِّ عَلَيْهِ وَهُوَ عَظِيمٌ مِمَّا عَمِلَهُ صَخْرٌ الْجِنِّيُّ فَإِذَا أَحَسَّتْ بِدَوَرَانِهِ دارت تلك الأسود والنسور وَالطَّوَاوِيسُ الَّتِي فِي أَسْفَلِ الْكُرْسِيِّ دُرْنَ إِلَى أعلاه فإذا وقف وقفن كلهن منكسات رؤوسهن على رأس سليمان عليه الصلاة والسلام وَهُوَ جَالِسٌ ثُمَّ يَنْضَحْنَ جَمِيعًا مَا فِي أَجْوَافِهِنَّ مِنَ الْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ عَلَى رَأْسِ سُلَيْمَانَ بن داود عليهما الصلاة والسلام. ثُمَّ تَتَنَاوَلُ حَمَامَةٌ مَنْ ذَهَبٍ وَاقِفَةٌ عَلَى عَمُودٍ مِنْ جَوْهَرٍ التَّوْرَاةَ فَتَجْعَلُهَا فِي يَدِهِ فيقرؤها سليمان عليه الصلاة والسلام عَلَى النَّاسِ. وَذَكَرَ تَمَامَ الْخَبَرِ وَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا.
قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ قال بعضهم لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي أَيْ لَا يصلح لأحد أن يسلبنيه بعدي كَمَا كَانَ مِنْ قَضِيَّةِ الْجَسَدِ الَّذِي أُلْقِيَ عَلَى كُرْسِيِّهِ لَا أَنَّهُ يَحْجُرُ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ مِنَ النَّاسِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ سَأَلَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى مُلْكًا لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ مِنَ الْبَشَرِ مِثْلُهُ وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ السياق من الآية وبذلك وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا رَوْحٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الْجِنِّ تَفَلَّتَ عَلَيَّ الْبَارِحَةَ- أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا- ليقطع علي الصلاة فأمكنني الله تبارك وتعالى مِنْهُ وَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ حَتَّى تُصْبِحُوا وَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ فذكرت قول أخي سليمان عليه الصلاة والسلام رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي «١» قَالَ رَوْحٌ فَرَدَّهُ خَاسِئًا وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ بِهِ.
وَقَالَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن وهب عن

(١) أخرجه البخاري في الصلاة باب ٧٥، والأنبياء باب ٤٠، وتفسير سورة ٣٨ باب ٢، وأحمد في المسند ٢/ ٢٩٨.

صفحة رقم 61

مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ حَدَّثَنِي رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ: «أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ- ثُمَّ قَالَ- أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ» ثَلَاثًا وَبَسَطَ يَدَهُ كَأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ شَيْئًا فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصلاة قلنا: يا رسول الله سَمِعْنَاكَ تَقُولُ فِي الصَّلَاةِ شَيْئًا لَمْ نَسْمَعْكَ تَقُولُهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَرَأَيْنَاكَ بَسَطَتْ يَدَكَ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إِبْلِيسَ جَاءَ بِشِهَابٍ مِنْ نَارٍ لِيَجْعَلَهُ فِي وَجْهِي فَقُلْتُ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قُلْتُ أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ التَّامَّةِ فَلَمْ يَسْتَأْخِرْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ أردت أن آخذه والله لولا دعوة سُلَيْمَانَ لَأَصْبَحَ مُوثَقًا يَلْعَبُ بِهِ صِبْيَانُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ» «١».
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٢» حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ حَدَّثَنَا مَيْسَرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ حَاجِبُ سُلَيْمَانَ قَالَ رَأَيْتُ عَطَاءَ بْنَ يَزِيدَ اللَّيْثِيَّ قَائِمًا يُصَلِّي فَذَهَبْتُ أَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَرَدَّنِي ثُمَّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ يُصَلِّي صَلَاةَ الصُّبْحِ وَهُوَ خَلْفُهُ فَقَرَأَ فَالْتَبَسَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صِلَاتِهِ قَالَ: «لَوْ رَأَيْتُمُونِي وَإِبْلِيسَ فَأَهْوَيْتُ بِيَدِي فَمَا زِلْتُ أَخْنُقُهُ حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ لُعَابِهِ بَيْنَ أُصْبُعَيَّ هَاتَيْنِ- الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا- وَلَوْلَا دَعْوَةُ أَخِي سُلَيْمَانَ لَأَصْبَحَ مَرْبُوطًا بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ يَتَلَاعَبُ بِهِ صِبْيَانُ المدينة فمن استطاع منكم أن لا يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ أَحَدٌ فَلْيَفْعَلْ».
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ «٣» مِنْهُ «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أن لا يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ أَحَدٌ فَلْيَفْعَلْ» عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي سُرَيْجٍ عَنْ أَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٤» حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَزَارِيُّ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الدَّيْلَمِيِّ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ فِي حَائِطٍ لَهُ بِالطَّائِفِ يُقَالُ لَهُ الْوَهْطُ وَهُوَ مُخَاصِرٌ فَتًى مِنْ قُرَيْشٍ يُزَنُّ بِشُرْبِ الْخَمْرِ فَقُلْتُ بَلَغَنِي عَنْكَ حَدِيثٌ أَنَّهُ «من شرب شربة من الخمر لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ تَوْبَةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، وَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ شَقِيَ فِي بطن أمه، وإنه من أتى البيت الْمَقْدِسِ لَا يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ فِيهِ خَرَجَ مِنْ خَطِيئَتِهِ مِثْلَ يَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» فَلَمَّا سَمِعَ الْفَتَى ذَكْرَ الْخَمْرِ اجْتَذَبَ يَدَهُ مِنْ يَدِهِ ثُمَّ انْطَلَقَ فَقَالَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِنِّي لَا أُحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ عَلَيَّ ما لم أقل سمعت رسول الله يقول: «من شرب من الخمر شربة لا تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ فإن عاد كان حقا على الله تعالى أن يسقيه من طينة الْخَبَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قَالَ وَسَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول: «إن الله عز وجل خَلَقَ خَلْقَهُ فِي ظُلْمَةٍ ثُمَّ أَلْقَى عَلَيْهِمْ من نوره فمن أصابه

(١) أخرجه مسلم في المساجد حديث ٤٠، والنسائي في السهو باب ١٩.
(٢) المسند ٣/ ٨٣. [.....]
(٣) كتاب الصلاة، باب ما يؤمر المصلي أن يورأ عن الممر بين يديه.
(٤) المسند ٢/ ١٧٦.

صفحة رقم 62

مِنْ نُورِهِ يَوْمَئِذٍ اهْتَدَى وَمَنْ أَخْطَأَهُ ضَلَّ فَلِذَلِكَ أَقُولُ جَفَّ الْقَلَمُ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» وَسَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «إن سليمان عليه السلام سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى ثَلَاثًا فَأَعْطَاهُ اثْنَتَيْنِ وَنَحْنُ نَرْجُو أَنْ تَكُونَ لَنَا الثَّالِثَةُ، سَأَلَهُ حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَسَأَلَهُ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَسَأَلَهُ أَيُّمَا رَجُلٍ خَرَجَ مَنْ بَيْتِهِ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ خَرَجَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ فَنَحْنُ نَرْجُو أَنْ يكون الله عز وجل قَدْ أَعْطَانَا إِيَّاهَا».
وَقَدْ رَوَى هَذَا الْفَصْلَ الْأَخِيرَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَيْرُوزَ الديلمي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عنهما قال: قال رسول الله: «إن سليمان عليه الصلاة والسلام لَمَّا بَنَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ سَأَلَ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خِلَالًا ثَلَاثًا» «١» وَذَكَرَهُ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ عُمَيْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ وَسِيَاقٍ غَرِيبَيْنِ.
فَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ قُتَيْبَةَ الْعَسْقَلَانِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ سُوَيْدٍ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي عَبْلَةَ عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ عَنْ رَافِعِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ الله يَقُولُ: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِدَاوُدَ عَلَيْهِ الصلاة والسلام ابْنِ لِي بَيْتًا فِي الْأَرْضِ فَبَنَى دَاوُدُ بَيْتًا لِنَفْسِهِ قَبْلَ الْبَيْتِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ يَا دَاوُدُ نَصَبْتَ بَيْتَكَ قَبْلَ بَيْتِي قَالَ يَا رَبِّ هَكَذَا قَضَيْتَ مَنْ مَلَكَ اسْتَأْثَرَ ثُمَّ أَخَذَ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ فَلَمَّا تَمَّ السُّورَ سَقَطَ ثَلَاثًا فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ يَا دَاوُدُ إِنَّكَ لَا تَصْلُحُ أَنْ تَبْنِيَ لِي بَيْتًا قَالَ وَلِمَ يَا رَبِّ؟ قَالَ لِمَا جَرَى عَلَى يَدَيْكَ مِنَ الدِّمَاءِ، قَالَ يَا رَبِّ أَوْ مَا كَانَ ذَلِكَ فِي هَوَاكَ وَمَحَبَّتِكَ؟ قَالَ بَلَى وَلَكِنَّهُمْ عِبَادِي وَأَنَا أَرْحَمُهُمْ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ لَا تَحْزَنْ فَإِنِّي سَأَقْضِي بِنَاءَهُ عَلَى يَدَيِ ابْنِكَ سُلَيْمَانَ فَلَمَّا مَاتَ دَاوُدُ أَخْذَ سُلَيْمَانُ فِي بنائه ولما تَمَّ قَرَّبَ الْقَرَابِينَ وَذَبَحَ الذَّبَائِحَ وَجَمَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ قَدْ أَرَى سُرُورَكَ بِبُنْيَانِ بَيْتِي فَسَلْنِي أُعْطِكَ قَالَ أَسْأَلُكَ ثَلَاثَ خِصَالٍ حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَكَ وَمُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي وَمَنْ أَتَى هَذَا الْبَيْتَ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ فِيهِ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أما الثنتان فَقَدْ أُعْطِيَهُمَا وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أُعْطِيَ الثَّالِثَةَ».
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٢» : حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ رَاشِدٍ الْيَمَامِيُّ حَدَّثَنَا إياس بن سلمة الأكوع عن أبيه رضي الله عنه قَالَ: مَا سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم دعا إلا استفتحه ب «سبحان الله ربي العلي الأعلى الْوَهَّابِ» وَقَدْ قَالَ أَبُو عَبِيدٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ عَنْ صَالِحِ بْنِ مِسْمَارٍ قَالَ لَمَّا مَاتَ نَبِيُّ الله داود عليه السلام أوحى الله تبارك وتعالى إلى ابنه سليمان عليه الصلاة والسلام أَنْ سَلْنِي حَاجَتَكَ قَالَ أَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ لِي قَلْبًا يَخْشَاكَ كَمَا كَانَ قَلْبُ أَبِي وَأَنْ تَجْعَلَ قَلْبِي يُحِبُّكَ كَمَا كَانَ قَلْبُ أبي فقال الله عز وجل: أرسلت إلى عبدي

(١) أخرجه النسائي في المساجد باب ٦.
(٢) المسند ٤/ ٥٤.

صفحة رقم 63
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية