آيات من القرآن الكريم

كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ
ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ

[سورة ص (٣٨) : آية ٣]

كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ (٣)
كَمْ في موضع نصب بأهلكنا. فَنادَوْا قال قتادة: فنادوا في غير نداء. قال أبو جعفر: ومعناه على قوله في غير نداء ينجي، كما قال الحسن: نادوا بالتوبة وليس حين توبة ولا ينفع العمل. وهذا تفسير من الحسن لقوله جلّ وعزّ وَلاتَ حِينَ مَناصٍ، قال ليس حين. فأما إسرائيل فيروى عن أبي إسحاق عن التميمي عن ابن عباس وَلاتَ حِينَ مَناصٍ قال: ليس بحين نزو ولا فرار، قال ضبط القوم جميعا. قال أبو جعفر:
وأصله من ناص ينوص إذا تأخّر، ويقال: ناص ينوص إذا تقدّم. وأما «ولات حين» فقد تكلّم النحويون فيه وفي الوقوف عليه، وكثّر فيه أبو عبيد القاسم بن سلام في «كتاب القراءات»، وكلّ ما جاء به فيه إلّا يسيرا مردود. قال سيبويه «١» : لات مشبّهة بليس، والاسم فيها مضمر أي ليست أحياننا حين مناص، وحكي أنّ من العرب من يرفع بها فيقول وَلاتَ حِينَ مَناصٍ «٢»، وحكي أنّ الرفع قليل، ويكون الخبر محذوفا كما كان الاسم محذوفا في النصب أي ولات حين مناص لنا. والوقوف عليها عند سيبويه والفراء «٣»، وهو قول أبي الحسن بن كيسان وأبي إسحاق، ولات بالتاء ثم تبتدئ حين مناص. قال أبو الحسن بن كيسان: والقول كما قال سيبويه لأنه شبّهها بليس فكما تقول ليست تقول: لات. والوقوف عليها عند الكسائي بالهاء ولاه، وهو قول محمد ابن يزيد، كما حكى لنا عنه علي بن سليمان، وحكي عنه أنّ الحجّة في ذلك أنها «لا» دخلت عليها الهاء لتأنيث الكلمة، كما يقال: ثمّة وربّة. وأما أبو عبيد فقال: اختلف العلماء فيها فقال بعضهم: لات ثم تبتدئ فتقول: حين. ثم لم يذكر عن العلماء غير هذا القول وكلامه يوجب غير هذا ثم ذكر احتجاجهم بأنها في المصاحف كلّها كذا ثم قال: وهذه حجّة لولا أنّ ثمّ حججا تردّها ثم ذكر حججا لا يصحّ منها شيء، وسنذكرها إن شاء الله تعالى، ونبين ما يردّها. قال: والوقوف عندي بغير تاء ثم تبتدئ بحين مناص ثم ذكر الحجج فقال: إحداهنّ أنّا لم نجد في كلام العرب لات إنما هي «لا». قال أبو جعفر: لو لم يكن في هذا من الردّ إلا اجتماع المصاحف على ما أنكره فكيف وقد روي خلاف ما قال جميع النحويين المذكورين من البصريين والكوفيين، فقال سيبويه: «لات» مشبهة بليس، وقال الفراء عن الكسائي أحسبه أنه سأل أبا السمّال فقال: كيف تقف على ولات؟ فوقف عليها بالهاء. قال أبو عبيد: والحجة الثانية أنّ تفسير ابن عباس يدلّ على ذلك لأن ابن عباس قال: ليس حين نزو ولا فرار. قال أبو جعفر: تفسير ابن عباس يدلّ على أن الصحيح غير قوله، ولو كان على قوله لقال ابن عباس ليس تحين مناص، ولم يرو هذا أحد. قال أبو عبيد: والحجة الثالثة أنّا لم نجد
(١) انظر الكتاب ١/ ١٠١.
(٢) انظر البحر المحيط ٧/ ٣٦٨.
(٣) انظر معاني الفراء ٢/ ٣٩٨. [.....]

صفحة رقم 303

العرب تزيد هذه التاء إلا في حين وأوان والآن، وأنشد لأبي وجزة السعدي: [الكامل] ٣٧٤-

العاطفون تحين ما من عاطف والمطعمون زمان أين المطعم «١»
وأنشد لأبي زبيد الطائي: [الخفيف] ٣٧٥-
طلبوا صلحنا ولات أوان فأجبنا أن ليس حين بقاء «٢»
وأنشد: [الخفيف] ٣٧٦-
نولّي قبل يوم بيني جمانا وصلينا كما زعمت تلانا «٣»
قال أبو جعفر: وإنشاد أهل اللغة جميعا على غير ما قال. قال الفراء: أنشدني المفضل:
٣٧٧-
تذكّر حبّ ليلى لات حينا وأضحى الشّيب قد قطع القرينا «٤»
قال أبو جعفر: فأما البيت الأول الذي أنشده لأبي وجزة فقرأه العلماء باللغة على أربعة أوجه كلّها على خلاف ما أنشده، وفي أحدها تقديران. رواه أبو العباس محمد بن يزيد «العاطفون ولات ما من عاطف»، والرواية الثانية «العاطفون ولات حين تعاطف»، والرواية الثالثة رواها أبو الحسن بن كيسان «العاطفونه حين ما من عاطف» جعلها هاء في الوقف وتاء في الإدراج، وزعم أنها لبيان الحركة شبّهت بهاء التأنيث، والرواية الرابعة هي «العاطفونه حين ما من عاطف». وفي هذه الرواية تقديران: أحدهما، وهو مذهب إسماعيل بن إسحاق، أن الهاء في موضع نصب كما تقول: الضاربون زيدا، فإذا كنّيت قلت: الضاربوه، وأجاز سيبويه «٥» الضاربونه في الشعر، فجاء إسماعيل بالبيت
(١) الشاهد لأبي وجزة السعدي في الأزهية ٢٦٤، والإنصاف ١/ ١٠٨، وخزانة الأدب ٤/ ١٧٥، والدرر ٢/ ١١٥، ولسان العرب (ليت) و (عطف) و (أين) و (حين) و (ما)، وبلا نسبة في الجنى الداني ٤٨٧، وخزانة الأدب ٩/ ٣٨٣، والدرر ٢/ ١٢٢، ورصف المباني ص ١٦٣، وسرّ صناعة الإعراب ١/ ١٦٣، وشرح الأشموني ٣/ ٨٨٢، ومجالس ثعلب ١/ ٢٧٠، والممتع في التصريف ١/ ٢٧٣، وهمع الهوامع ١/ ١٢٦.
(٢) الشاهد لأبي زبيد الطائي في ديوانه ٣٠، والإنصاف ١٠٩، وتخليص الشواهد ٢٩٥، وتذكرة النحاة ٧٣٤، وخزانة الأدب ٤/ ١٨٣، والدرر ٢/ ١١٩، وشرح شواهد المغني ص ٦٤٠، والمقاصد النحوية ٢/ ١٥٦، وبلا نسبة في جواهر الأدب ٢٤٩، وخزانة الأدب ٤/ ١٦٩، والخصائص ٢/ ٣٧٠، ورصف المباني ١٦٩، وسرّ صناعة الإعراب ٥٠٩، وشرح الأشموني ١/ ١٢٦، وشرح المفصّل ٩/ ٣٢، ولسان العرب (أون) و (لات)، ومغني اللبيب ٢٥٥، وهمع الهوامع ١/ ١٢٦.
(٣) الشاهد لجميل بثينة في ديوانه ١٩٦، ولسان العرب (تلن)، وبلا نسبة في الإنصاف ١١٠، وتذكرة النحاة ٧٣٥، والجنى الداني ٤٨٧، ورصف المباني ١٧٣، وسرّ صناعة الإعراب ١٦٦، ولسان العرب (أين) و (حين)، والممتع في التصريف ١/ ٢٧٣.
(٤) الشاهد بلا نسبة في معاني الفراء ٢/ ٣٩٧، وتفسير الطبري ٢/ ١٤٤.
(٥) انظر الشاهد رقم ٣٦٨.

صفحة رقم 304
إعراب القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل المصري النحوي
الناشر
منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية، بيروت
سنة النشر
1421
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
إعراب القرآن
اللغة
العربية