آيات من القرآن الكريم

فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ
ﯭﯮﯯﯰﯱ ﯳﯴﯵ ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﯿﰀﰁﰂ ﰄﰅﰆ ﰈﰉﰊﰋﰌ ﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔ ﭑﭒﭓﭔ ﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ ﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭ ﭯﭰﭱﭲﭳﭴ

قال مالك بن دينار: بلغني أن جنات النعيم بين جنان الفردوس وبين جنان عدن، وأن فيها جواري خلقن من وَرْدِ الجنة، وأن سكانها (الذين) إذا هموا بالمعاصي ذكروا عظمة الله فراقبوه، والذين تنثني أصلابهم من خشية الله، والذين يجوعون ويعطشون من مخافة الله، وأنه يصرف العذاب عن الناس بهم.
ثم قال: ﴿على سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ﴾ أي: بعضهم يقابل بعضاً، لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض والسرر جمع سرير.
قوله (تعالى ذكره): ﴿يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ﴾ إلى قوله: ﴿مِنَ المحضرين﴾.
أي: يطوف عليهم الخدم بكأس من خمر جارية، قاله قتادة وغيره. وحكى أهل اللغة أن العرب تقول للقدح إذا كان فيه خمر: كأس، فإذا لم

صفحة رقم 6098

يكن فيه خمر فهو قدح.
وقال بعضهم: كل إناء فيه شراب فهو كأس، فإذا لم يكن فيه شراب فهو إناء. كذلك الخِوَانُ إذا كن عليه طعام قيل له مائدة، فإذا لم يكن عليه طعام قيل له خوان. ومثله الهودج يقال له: إذا كانت فيه امرأة، فإذا لم تكن/ فيه قيل له هودج.
قال الضحاك: / كل كأس في القرآن فهو خمر.
وهو قول السدي.
وقال ابن عباس: هو الخمر.
وقال مجاهد: هي خمر بيضاء.
قال الزجاج: " من معين " أي: تجري كما تجري العيون في الأرض.

صفحة رقم 6099

وقوله: ﴿بَيْضَآءَ﴾: يعني به الكأس، وهو مؤنثة، ﴿لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ﴾ أي: ذات لذة والمعنى: يلتذ بها شاربها.
ثم قال (تعالى ذكره): ﴿لاَ فِيهَا غَوْلٌ﴾ أي: لا تغتال هذه الخمر عقل شاربها كما تفعل خمر الدنيا.
وقال ابن عباس: " لا فيها غول " (أي): ليس في الخمر صداع. وعنه: ليس فيها وجع بطن. وكذلك قال مجاهد.
وقال ابن زيد: ليس فيها وجع البطون، وشاب الخمر يشتكي بطنه.
وقال السدي: لا تغتال عقولهم.

صفحة رقم 6100

وقال ابن جبير: لا فيها أذى ولا مكروه.
وقيل: معناه: لا فيها إثم.
وذكر الليث: أن ابن عباس أشكل عليه تفسير الغَوْل حتى سمع إعرابياً يقول لصاحبه: إني لأجِدُ في بطني غَوْلاً فقال ابن عباس: جاءت والله (الغَوْل): الوجع يجده في بطنه.
ثم قال (تعالى): ﴿هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ﴾ من فتح الزاي فمعناه لا تذهب عقولهم. قاله ابن عباس ومجاهد والسدي.
وقال قتادة: لا تغلبهم على عقولهم. تقول العرب: نُزِفَ الرَّجُلُ فهو مَنْزُوف إذا ذهب عقله، (ونزف دم فلان إذا ذهب). فنفى الله جل ذكره عن خمر الجنة

صفحة رقم 6101

الآفات من الصداع والسكر اللذين يحدثان من خمر الدنيا.
فأمّا من قرأ بكسر الزاي، فمعناه: لا يفنى شرابهم. يقال أَنْزَف الرجل إذ نفد شرابه.
وحكى الفراء: أنزف الرجل إذا نفد شرابه، وأَنْزَفَ إذا ذهب عقله. فيكون على هذا القول الأخير كقراءة من فتح الزاي.
ثم قال (تعالى ذكره): ﴿وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطرف عِينٌ﴾ أي: وعندهم حور قصرن طرفهن على الأزواج فلا يبغين غيرهم، قاله ابن عباس ومجاهد ومحمد بن كعب القرظي.
قال عكرمة: " قاصرات الطرف " أي: محبوسات على أزواجهن.
وقال ابن زيد: " قاصرات الطرف " (لا ينظرن إلا) إلى أزواجهن، ليس كما يكون نساء أهل الدنيا.

صفحة رقم 6102

وقوله: ﴿عِينٌ﴾: يعني به النُّجْل العيون لعظامها، وهو جمع عَيْناء، والعيناء المرأة الواسعة العين العظيمة العين، (وهي) أحسن ما يكون من العيون.
وسألت أم سلمة رضي الله عنها النبي ﷺ فقالت: " يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: " وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ "، (قال): " العِينُ: الضِّخَامُ العُيُونِ (شَفَرُ) الحَوْرَاءِ بِمَنْزِلَةِ جَنَاحِ النَّسْرِ ".
وقال (تعالى): ﴿كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ﴾.
قال ابن جبير: كأنهن بطن البيض. يريد: أنه شبههن في بياضهن ببطن البيض.
وقال السدي: كأنهن البيض حين يقشر قبل أن تمسه الأيدي. وهو قول

صفحة رقم 6103

قتادة.
وهو اختيار الطبري، شبهن ببياض البيضة قبل أن تمسه الأيدي، إذهن لم يمسسهن قبل أزاجهن إنس ولا جان، فَشُبِّهْن في صفاء اللون (وبياضه) (و) في صيانتهن ببياض البيضة في قشره، وبياض البيض عند الطبري هو القشر الرقيق الذي على البيضة من داخل القشر.
وروي أن النبي ﷺ قال لأم سلمة، إذ سألته عن ذلك: " رِقَّتُهُنَّ كَرِقَّةِ الجِلْجَةِ التِي رَأيتَهَا فِي دَاخِلِ البَيْضَةِ التِي تَلِي القِشْرَةَ وَهِيَ الغِرْقِىءُ ".
وقال ابن زيد: كأنهن البيض الذي يكنه الريش مثل بيض النعام، فهي

صفحة رقم 6104

إلى الصفرة تبرق.
وقال ابن عباس: " كأنهن بيض مكنون " يعني: اللؤلؤ المكنون في الصدف.
ثم قال (تعالى): ﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ﴾ أي: أقبل أهل الجنة يسأل بعضهم بعضاً، قاله قتادة وابن زيد.
ثم قال تعالى عنهم: إنهم قالوا في مساءلتهم: ﴿قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَءِنَّكَ لَمِنَ المصدقين * أَءِذَا مِتْنَا [وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَدِينُونَ]﴾.
[فقوله: " إنا لمدينون " جواب للاستفهامين في قوله: " أنَّكَ لمن المصدقين إإذا متناً "].
أي: قال قائل من أهل الجنة إني كان لي صاحب ينكر البعث بعد الموت ويقول لي: أتُصَدِّقُ بأنك تبعث بعد أن تكون عظاماً ورفاتاً، وتجزى بعملك؟ هذا معنى قول ابن عباس.
وقال مجاهد: القرين كان شيطاناً/.

صفحة رقم 6105

قال ابن عباس: لما صار المؤمن إلى الجنة ذكر ذلك فرأى صاحبه في سواء الجحيم، أي: في وسطه، قال: ﴿تالله إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ﴾. أي: والله إنك قاربت أن تهلكني لو قبلت/ منك، ولولا نعمة ربي إذ ثبتني على الإيمان لكنت من المحضرين معك في النار.
وروي أنه كان شريكان، وكان أحدهما له حرفة والآخر ليس له حرفة، فقال الذي له حرفة للآخر: ليس عندك حرفة ولا أراني، إِلا مفارقك ومقاسمك، فقاسمه وفارقه.
ثم إن الرجل صاحب الحرفة اشترى داراً بألف دينار كانت لِمَلِكٍ مَاتَ، فدعا صاحبه الذي لا حرفة له فأراه الدار، وقال: كيف ترى هذه الدار ابتعتها بألف دينار؟ قال: ما أحسنها. فلما خرج قال: اللهم إن صاحبي هذا قد ابتاع هذه الدار بألف دينار وإني أسألك داراً من دور الجنة، فَتَصَدَّقَ بألف دينار، ثم مكث ما شاء الله أن يمكث ثم تزوج امرأة بألف دينار، ثم دعا الذي لا حرفة معه وصنع له

صفحة رقم 6106

(طعاماً) فلما أتاه قال: إني تزوجت هذه المرأة بألف دينار، (فقال: ما أحسن هذا! فلما انصرف قال: يا رب إن صاحبي تزوج امرأة بألف دينار وإني أسألك امرأة من الحور العين، فَتَصَدَّق بألف دينار، ثم مكث ما شاء الله أن يمكث ثم اشترى بستانين بألفي دينار، ثم دعاه) فأراه ذلك، وقال: إني ابتعت هذين البستانين بألفي دينار، (قال: ما أحسن هذا! فقلما خرج قال: يا رب إن صاحبي هذا اشترى بستانين بألفي دينار)، وإني أسألك بستانين من الجنة، فتصَدَّقَ بألفي دينار، ثم إن المَلَك أتاهما فتوفاهما، ثم انطلق بهذا المتصدق فأدخله دار مُعْجبة فإذا امرأة تطلع يضيء منها ما تحتها من حُسْنَها ثم أدخله بستانين وشيئاً الله (به) عليم، فقال المتصدق عند ذلك: ما أشبه هذا برجل كان من أمره كذا وكذا، قال: فأنت ذلك ولك هذان البستانات والمرأة.
قال: فإنه كان لي صاحب يقول: أئنك لمن المصدقين؟ قيل له: فإنه في الجحيم، فقال: هل أنتم مطلعون؟ فاطلع فرآه في سواء الجحيم، فقال عند ذلك: " تَاللهِ إِنْ كِدتَّ لَتُرْدِينِ، وَلَوْلاَ نَعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مَنَ المُحْضَرِينَ " أي: المحضرين في النار معك. ذكر

صفحة رقم 6107

هذه الحكاية بن ثعلبة البهراني.
وهو تأويل يوجب أن تكون القراءة: من " المُصَّدِقينَ " بالتشديد للصاد من الصدقة. وقراءة الجماعة إنما هي من التصديق بالحساب والبعث والمجازاة بالأعمال.
وقال ابن عباس: " لمدينون " لمجازون بالعمل.
وقال مجاهد: لمحاسبون.
قال قتادة: سأل ربه أن يطلعه (فأطلعه) فأطلع فرأى صاحبه في وسط النار.

صفحة رقم 6108

قال مطرف بن عبد الله: لولا أن الله عَرَّفه به ما عرفه لتغير حبره وسبره بعده.
وروي أنه أطلع فرأى جماجم القوم تغلي.
وروى ابن المبارك عن معمر عن عطاء الخرساني مثل الحكاية بعينها إلا أن فيها اختلاف ألفاظ، قال كان رجلان شريكان بينهما ثمانية ألاف دينار فاقتسماها، فعمد أحدهما فاشترى داراً بألف دينار وأرضاً بألف دينار، وتزوج امرأة بألف دينار واشترى أثاثاً بألف، فقال الآخر: اللهم إني أشتري منك في الجنة داراً وأرضاً وامرأة وأثاثاً بأربعة ألاف دينار، ثم تصدق بها كلها، ثم احتاج فتعرض لشريكه أن ينيله مما عنده، فقال له: أين مالكظ فأخبره بما فعل، فقال له: وإنك لمن المصدقين بهذا، اذهب فوالله لا أعطيك شيئاً. وطرده فنزلت فيهما (هذه) الآيات، فتذكر المتصدق أمر

صفحة رقم 6109

شريكه وهو في الجنة فاطع ليراه في وسط الجحيم.
قال قتادة: رأى جماجم (القوم) تغلي.
قال ابن المبارك: وبلغنا أنه سأل به أن يطلعه عليه.
قال أبو محمد مؤلفه (نضر الله وجهه) نقلت معنى الحكاية واختصرت بعض لفظها.
ويروى أن الله جل ذكره جعل بين أهل الجنة وأهل النار كِوىً ينظر إليهم أهل الجنة إذا أحبوا ليعلموام قدر ما أنجاهم الله منه وقد ما أعطاهم، ودل على ذلك قوله (تعالى): ﴿فاطلع فَرَآهُ فِي سَوَآءِ الجحيم﴾ أي: أطلع من الكوى فرآه في وسط الجحيم.

صفحة رقم 6110
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية