آيات من القرآن الكريم

رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ
ﭑﭒ ﭔﭕ ﭗﭘ ﭚﭛﭜ ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫ ﭭﭮﭯﭰﭱ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ ﮙﮚﮛ

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الصافات
مكية
وقوله (تعالى ذكره): ﴿والصافات صَفَّا﴾ إلى قوله: ﴿(بَلْ عَجِبْتَ) وَيَسْخَرُونَ﴾.
أي: ورب الصافات، وهي الملائكة بإجماع. وهو جمع صافة، كأنها جماعات مصطفة لذكر الله وتسبيحه.
قال ابن عباس: الملائكة صفوف، لا يعرف كل منهم مَنْ إلى جانبه لم يتلفت منذ

صفحة رقم 6077

خلقه الله. يسبحون ويهللون ويحمدون الكله (ويمجدونه).
والزاجرات: جمع أزجرة، أي: تزجر عن معاصي الله، وهي الملائكة، قال ذلك ابن مسعود والسدي.
وقيل: الزاجرات: الملائكة تزجر السحاب، تسوقه إلى المواضع التي يريد الله سقيها، قال مجاهد والسدي أيضاً.
وقال قتادة: الزاجرات: ما زجر الله (عنه) في القرآن. فهي أي القرآن

صفحة رقم 6078

التي زجرنا الله بها.
قال قتادة: الزاجرات كل ما زجر عنه.
ثم قال (تعالى): ﴿فالتاليات ذِكْراً﴾.
يعني: الملائكة تتلو ذكر الله وكلامه، قاله مجاهد والسدي.
وقال قتادة: هو يُتْلَى عليكم في القرآن من أخبار الأمم قبلكم.
ثم قال: ﴿إِنَّ إلهكم لَوَاحِدٌ﴾ أي: إن معبودكم واحد. وإن جواب القسم.
ثم قال: ﴿رَّبُّ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ أي: مالك ذلك ومدبره.
﴿وَرَبُّ المشارق﴾ أي: مَالِكُ مشارق الشمس، ومدبرها في الشتاء والصيف، وحذف ذكر المغارب لدلالة الكلام عليه لأن ذكر المشارق يدل على أن ثم مغارب.
قال السدي: المشارق ستون وثلاث مائة مشرق، والمغارب مثلها عدد أيام

صفحة رقم 6079

السنة.
قال ابن عباس: للشمس كل يوم مشرق، وكل يوم مغرب، فتلك المشارق والمغارب، وللصيف مشرق ومغرب، وللشتاء مشرق ومغرب، فذلك كقوله: ﴿رَبُّ المشرقين وَرَبُّ المغربين﴾ [الرحمن: ١٧].
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّا زَيَّنَّا السمآء الدنيا بِزِينَةٍ الكواكب﴾ من أضاف زينة فمعناه تتزين الكواكب، أي بحسنها. ومن نوّن زينة وخفض " الكواكب "، جعل الكواكب بدلاً من زينة. ومن نون زينة ونصب " الكواكب " أعمل زينة في الكواكب، وإن شئت جعلت " الكواكب " بدلاً (من زينة) على الموضع.

صفحة رقم 6080

وإن شئت نصبت على إضمار: أعني.
وقرئت بتنوين " زينة " ورفع " الكواكب "، على تقدير بأن زينتها الكواكب.
ثم قال: ﴿وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ﴾ أي: وحفظناها حِفْظاً. فحِفْظٌ نصب على المصدر.
وقال بعض الكوفيين: هو مفعول من أجله، والواو زائدة.
والتقدير عنده: إنا زينا السماء الدنيا حفظاً لها، أي للحفاظ. معنى: ﴿السمآء الدنيا﴾ السماء التي تليكم، وهي أدنى إليكم من غيرها من السماوات، ودل على ذلك على أن سائر السماوات ليس فيها من الكواكب ما في هذه السماء القريبة منا. والمارد: العاتي الخبيث.
ثم قال (تعالى): ﴿لاَّ يَسَّمَّعُونَ إلى الملإ الأعلى﴾ أي: لا يميلون بسمعهم إلى ما تقول الملائكة (في) السماء للحفيظ الذي في السماء. تقول: سَمِعْتُ إليه يقول كذا، أي أملت بسمعي إليه.

صفحة رقم 6081

قال ابن عباس: (هم) لا يسمعون وهم (لا) يتسمعون.
فهذا شاهد للتخفيف.
ويدل على قوة قراءة التخفيف قوله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ عَنِ السمع لَمَعْزُولُونَ﴾ [الشعراء: ٢١٢] ولم يقل عن التسمع.
ومن قرأ بالتشديد فمعناه: أنهم مُنِعُوا من السَّمع ومن التَّسَمُّعِ، وإذا مُنِعوا من السمع فهم عن التَّسَمُّعِ أعظم منعاً. فالتسمع في النفي أبلغ.
قال ابن عباس: " كانت للشياطين مقاعد في السماء، وكانوا يسمعون الوحي، وكانت النجوم لا تجري وكانت الشياطين لا تُرْمَى. قال: فإذا سمعوا الوحي نزلوا إلى الأرض فزادوا في الكلمة تسعاً. قال: فلما بعث الله محمداً ﷺ، جعل الشيطان إذا قعد مقعده جاءه سهاب فلم/ يُخْطِئه حتى يحرقه. قال: فَشَكُواْ ذلك إلى إبليس فقال: ما هو

صفحة رقم 6082

إلا من حَدَثٍ. قال: " فَبَثَّ جُنودَه فإذا رسول الله قائم يصلي. قال: فرجعوا إلى إبليس فأخبروه، فقال: هذا الذي حدث ".
ثم قال (تعالى): ﴿وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ * دُحُوراً﴾ أي: ويُرْمون من كل جانب من السماء دحوراً، ودحوراً مصدر دحرته (أي) دفعته وأبعدته، قال اللهمَّ ادْحَرْ (عَنَّا) الشَّيْطَانَ، أي: ادفعه عنّا وأبعِده.
قال قتادة: " دحوراً " قذفاً بالشّهب.
وقال مجاهد: من كل مكان مطرودين.
فيقذفون مستأنف، وليس بمعطوف على يسمعون، لأنه نفي ويقذفون أيجاب.
ثم قال: ﴿وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ﴾ أي: وللشيطان من الله عذاب دائم، قاله ابن

صفحة رقم 6083

عباس وقتادة ومجاهد وابن زيد.
وقال أبو صالح والسدي: " واصب " موجع. وعلى القول الأول أهل اللغة.
ثم قال: ﴿إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الخطفة﴾ مَنْ في موضع رفع على البدل من المضمر في " يسمعون "، أو في موضع نصب على الاستثناء من المنفي عنه السمع، والبدل أحسن.
وقيل: هو في موضع نصب على الاستثناء من قوله: " ويقذفون "، لأنه إيجاب. ويجوز أن تكون في موضع (رفع) على معنى: لكن من خطف.
ومعنى الآية: من استرق السمع من الشياطين.
﴿فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ﴾ أي: مضيء متوقد.
ق ابن عباس: تحرقهم الشهب من غير موت ولا قتل.

صفحة رقم 6084

قال السدي: يحرقه حين يرمى به.
قال الضحاك: للشياطين أجنحة بها يطيرون إلى السماء.
يقال: إذا أخذ الإنسان الشيء بسرعة خَطَفَه وخَطِفَهُ واخْتَطَفَهُ وتَخَطَفَه. وأصله: اختطفه، ثم أدغمت التاء في الطاء (وأُلْقِيَت حركتها على الخاء فاستغني عن ألف الوصل، ويقال: خطفه وأصله أيضاً اختطفه وأُدْغِمت التاء في الطاء) وحُذِفَتْ حركتها. ثم حُرِّكَت الخاء إلى الكسر لإلتقاء الساكنين واستغني عن ألف الوصل أيضاً، ويقال: خطفه على هذا التقدير، إلا أنه كسر الطاء اتباعاً لكسرة الخاء.
أجاز يعقوب (أن نقف على:) " من كل جانب ".
ومنعه غير لأنه قام مقام العامل في دحوراً. التمام " دحوراً ".

صفحة رقم 6085

والشهب التي يرمون بها ليست من الكواكب الثابتة، لأنها نراها ونرى حركتها، فهي أقرب إلينا من الكواكب الثابتة، ولذلك لا نرى حركات الكواكب الثابتة، وهي تجري بلا شك، لكن لا يُرى جريها لبعدها منا.
ثم قال (تعالى): ﴿فاستفتهم أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً [أَم مَّنْ خَلَقْنَآ]﴾ أي: سل يا محمد هؤلاء المشركين المنكرين للبعث، أهم أشد خلقاً أم من تقدم ذكره من الملائكة والسماوات والأرضين والجن؟. وفي قراءة ابن مسعود " (أَمْ) مَنْ عَدَدْنَا ".
ثم قال (تعالى): ﴿إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ﴾ إي: لا حق علك، يعني آدم لأنه خُلِق من ماء وتراب و (نار) وهواء. والعرب تقول للذين يلزق هو لازب، ولازم، ولابث.

صفحة رقم 6086

قال ابن عباس: اللازب الحر الجيد اللازق.
وقال ابن جبير: اللازب الجيد.
وقال قتادة: اللازب اللزق الذي يلتزق باليد.
وهو قول ابن زيد.
ثم قال (تعالى ذكره): ﴿بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ﴾ أي: عجبت يا محمد مما يأتون به من إنكارهم للتوحيد وللبعث، وهم يسخرون. ودليل إضافة العجب إلى النبي ﷺ قوله: ﴿وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ﴾ [الرعد: ٥]. فأما من ضم التاء فإنه أضاف العجب إلى الله جل ذكره، والعجب منه تعالى ذكره مخالف للعجب من عباده، لأن العجب من الخلق إنما هون أن يطرأ عليهم ما لم يكونوا يظنون فيعجبون منه، وهذا لا يضاف إلى الله لأنه

صفحة رقم 6087
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية