
والكافرون يسخرون، مكذبين لك. ومن قرأ بَلْ عَجِبْتَ بالضم، فهو إخبار عن الله تعالى.
وقد أنكر قوم هذه القراءة، وقالوا: إن الله تعالى لا يعجب من شيء، لأنه علم الأشياء قبل كونها، وإنما يتعجب من سمع أو رأى شيئاً لم يسمعه، ولم يره، ولكن الجواب أن يقال:
العجب من الله عز وجل بخلاف العجب من الآدميين. ويكون على وجه التعجب، ويكون على وجه الإنكار والاستعظام لذلك القول. كما قال في آية أخرى وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ [الرعد: ٥] وروى الأعمش عن سفيان بن سلمة أن شريحاً كان يقرأ بَلْ عَجِبْتَ بالنصب.
ويقول: إنما يعجب من لا يعلم. وقال الأعمش: فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي، فقال إبراهيم النخعي: إن شريحاً كان معجباً برأيه، وعبد الله بن مسعود كان أعلم منه، وكان يقرؤها بَلْ عَجِبْتَ بالضم. وروي عن ابن عباس أنه كان يقرأ هكذا بالضم، وهو اختيار أبي عبيدة.
ثم قال: وَيَسْخَرُونَ يعني: يسخرون حين سمعوا وَإِذا ذُكِّرُوا لاَ يَذْكُرُونَ يعني: إذا وعظوا بالقرآن، لا يتعظون وَإِذا رَأَوْا آيَةً يعني: علامة مثل انشقاق القمر يَسْتَسْخِرُونَ يعني: يستهزئون، ويسخرون. وقال أهل اللغة سخر واستسخر بمعنى واحد، مثل قرأ واستقر وَقالُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ يعني: يبين قوله عز وجل: أَإِذا مِتْنا يعني: يقولون إذا متنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ يعني: لمحيون بعد الموت أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ قُلْ يا محمَّد نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ يعني: صاغرون.
[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ١٩ الى ٤٠]
فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ (١٩) وَقالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ (٢٠) هذا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢١) احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ (٢٢) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ (٢٣)
وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (٢٤) مَا لَكُمْ لاَ تَناصَرُونَ (٢٥) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (٢٦) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٧) قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ (٢٨)
قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٢٩) وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ (٣٠) فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ (٣١) فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ (٣٢) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٣)
إِنَّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (٣٤) إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (٣٥) وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ (٣٦) بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (٣٧) إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ (٣٨)
وَما تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٩) إِلاَّ عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (٤٠)

ثم قال عز وجل: فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ يعني: صيحة ونفخة واحدة، ولا يحتاج إلى الأخرى فَإِذا هُمْ يعني: الخلائق يَنْظُرُونَ يعني: يخرجون من قبورهم، وينظرون إلى السماء كيف غيرت؟ والأرض كيف بدلت؟ فلما عاينوا البعث، ذكروا قول الرسل: إن البعث حق. وَقالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ يعني: يوم الحساب. ويقال: يوم الجزاء. فردت عليهم الحفظة. ويقولون: هذا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ أنه لا يكون.
ثم ينادي المنادي: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا يعني: سوقوا الذين كفروا وَأَزْواجَهُمْ يعني: وأشباههم. ويقال: وقرناءهم، وضرباءهم. ويقال: وأشياعهم، وأعوانهم. ويقال:
وأمثالهم وَما كانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ يعني: من الشياطين الذين أضلوهم. ويقال: كل معبود، وكل من يطاع في المعصية فَاهْدُوهُمْ يعني: ادعوهم جميعاً. ويقال: اذهبوا بهم، وسوقوهم جميعاً إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ يعني: إلى طريق الجحيم، والجحيم ما عظم من النار. ويقال: إلى وسط الجحيم. فلما انطلق بهم إلى جهنم أرسل الله عز وجل ملكاً يقول:
وَقِفُوهُمْ أي: احبسوهم إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ عن ترك قول لا إله إلا الله. ويقال: في الآية تقديم. يعني: يقال لهم قفوا قبل ذلك. فحبسوا، أو سئلوا.
ثم يساق بهم إلى الجحيم فيقال لهم: مَا لَكُمْ لاَ تَناصَرُونَ يعني: لم ينصر بعضكم بعضاً، ولا يدفع بعضكم عن بعض كما كنتم تفعلون في الدنيا.
قوله عز وجل: بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ أي: خاضعون ذليلون وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ يعني: يسأل ويخاصم بعضهم بعضاً القادة والسفلة، والعابد، والمعبود، ومتابعي الشيطان للشيطان. ويقال: يَتَساءَلُونَ يعني: يتلاومون قالُوا يعني: السفلة للرؤساء إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ يعني: من قبل الحق أي: الدين فزينتم لنا ضلالتنا.
وروي عن الفراء أنه قال: الْيَمِينِ في اللغة القوة والقدرة. ومعناه إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا بأقوى الحيل، وكنتم تزينون علينا أعمالنا. وقال الضحاك: تقول السفلة للقادة: إنكم قادرون وظاهرون علينا. ونحن ضعفاء أذلاء في أيديكم. روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ عن الحق. يعني: الكفار يقولون: للشيطان. وقال القتبي: إنما يقول هذا:
المشركون لقرنائهم من الشياطين إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ يعني: عن أيماننا لأن إبليس قال: لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ [الأعراف: ١٧] وقال المفسرون:
من أتاه الشيطان من قبل اليمين، أتاه من قبل الدين، وليس عليه الحق. ومن أتاه من قبل الشمال، أتاه من قبل الشهوات، ومن أتاه من بين يديه، أتاه من قبل التكذيب بالقيامة، ومن أتاه من خلفه خوفه الفقر على نفسه، وعلى من يخلف بعده، فلم يصل رحماً، ولم يؤد زكاة.
وقال المشركون لقرنائهم: إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ في الدنيا من جهة الدين يعني:
أضللتمونا قالُوا لهم قرناؤهم بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ أي: لم تكونوا على حق، فتشبه