آيات من القرآن الكريم

وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ
ﮑﮒﮓﮔﮕ ﮗﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠ ﮢﮣﮤ ﮦﮧﮨ ﮪﮫﮬﮭ ﮯﮰﮱﯓ ﯕﯖﯗﯘ ﯚﯛﯜﯝ

١١- لما ذكر تعالى البركة في الذرية والكثرة، قال: منهم محسن ومنهم مسيء، وأن المسيء لا تنفعه بنوة النبوة، فاليهود والنصارى، وإن كانوا من ولد إسحاق، والعرب وإن كانوا من ولد إسماعيل، فلا بد من الفرق بين المحسن والمسيء، والمؤمن والكافر. وفي التنزيل رد عليهم: وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى: نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ الآية [المائدة ٥/ ١٨] أي أبناء رسل الله، فرأوا لأنفسهم فضلا.
قصة موسى وهارون عليهما السلام
[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ١١٤ الى ١٢٢]
وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ (١١٤) وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (١١٥) وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (١١٦) وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ (١١٧) وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (١١٨)
وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ (١١٩) سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ (١٢٠) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٢١) إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١٢٢)
المفردات اللغوية:
مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ أنعمنا عليهما بالنبوة وغيرها من المنافع الدينية والدنيوية وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ نجيناهما من تغلب فرعون واستعباده بني إسرائيل قومهما، ومن الغرق وَنَصَرْناهُمْ الضمير يعود عليهما مع القوم، والنصر على القبط فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ على فرعون وقومه.
وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ البليغ في بيانه وفيما أتى به من الحدود والأحكام وغيره، وهو التوراة الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ الطريق الموصل إلى الحق والصواب وَتَرَكْنا أبقينا عليهما ثناء حسنا سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ سلام منا عليهما إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ مثل ذلك الجزاء نجزي المحسنين المطيعين لله. إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ شهادة لهما بالإيمان، وهي علة الإحسان إليهما.

صفحة رقم 129

المناسبة:
هذه هي القصة الثالثة من القصص المذكورة في هذه السورة، فبعد أن ذكر الله تعالى إنجاء إسماعيل من الذبح، ونجاة إبراهيم من النار، ذكر هنا ما منّ به على موسى وهارون من وجوه الإنعام المحصورة في نوعين: إيصال المنافع إليهما في قوله تعالى: وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ ودفع المضار عنهما في قوله تعالى: وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ.
التفسير والبيان:
وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ أي تالله لقد أنعمنا عليهما بالنبوة وغيرها من المنافع الدينية والدنيوية. أما منافع الدنيا كما ذكر الرازي: فالوجود والحياة والعقل والتربية والصحة وتحصيل صفات الكمال في ذات كل واحد منهما.
وأما منافع الدنيا: فالعلم والطاعة، وأعلى هذه الدرجات: النبوة الرفيعة، المقرونة بالمعجزات الباهرة القاهرة. وتفصيل هذه النعم في قوله تعالى:
١- وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ أي ونجيناهما وقومهما بني إسرائيل من استعباد فرعون إياهم، بقتل الآباء واستحياء النساء وتشغيلهم في أخسّ الأشياء والصناعات والمهن، كما نجيناهما مع القوم من الغرق الذي أهلك فرعون وقومه قبط مصر.
٢- وَنَصَرْناهُمْ، فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ أي نصرناهم على أعدائهم، فغلبوهم، وأخذوا أرضهم وأموالهم التي جمعوها طوال حياتهم، فكانوا أصحاب الدولة بعد أن كانوا رعية أذلاء.
٣- وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ أي وأنزلنا عليهما الكتاب العظيم الواضح الجلي الشامل لأمور الدنيا والآخرة، وهو التوراة، كما قال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ.. [المائدة ٥/ ٤٤] وقال

صفحة رقم 130

سبحانه: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ [الأنبياء ٢١/ ٤٨].
٤- وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ أرشدناهما إلى طريق الحق والصواب في الأقوال والأفعال، والإسلام وشرع الله.
٥- وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ أبقينا لهما من بعدهما ذكرا حسنا جميلا وثناء حسنا في الأمم المتأخرة. قال ابن كثير والشوكاني وغيرهما: ثم فسره بقوله: سَلامٌ... إلخ. وقال آخرون: الآتي كلام مستقل، وهو ما أرجحه، لكثرة الفوائد.
٦- سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ أي سلام منا على موسى وهارون، ومن الملائكة والإنس والجن أبد الدهر.
والسبب ما قاله تعالى:
إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ أي مثل هذا الجزاء نجزي بالخلاص من الشدائد والمحن كل من أحسن عمله فأطاع الله وانقاد له، وعلة الإحسان: أنهما من زمرة عبادة الله المؤمنين إيمانا صحيحا كاملا.
فقه الحياة أو الأحكام:
يفهم من الآيات ما يأتي:
١- أنعم الله على موسى وهارون بنعم كثيرة دينية ودنيوية، أرفعها درجة النبوة، ثم ذكر تعالى هذه النعم وهي:
أ- نجاهما وقومهما بني إسرائيل من الرق الذي لحق بني إسرائيل واستعباد فرعون لهم، وقيل: من الغرق الذي لحق فرعون.
ب- نصرهما وقومهما على أعدائهم قبط مصر.

صفحة رقم 131
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية