
خلقكم وأعمالكم، وهذه الآية عندهم قاعدة في خلق أفعال العباد، وقيل: إنها موصولة بمعنى الذي والمعنى: الله خلقكم وخلق أصنامكم التي تعملونها، وهذا أليق بسياق الكلام، وأقوى في قصد الاحتجاج على الذين عبدوا الأصنام، وقيل: إنها نافية، وقيل: إنها استفهامية، وكلاهما باطل
قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً قيل: البنيان في موضع النار، وقيل: بل كان للمنجنيق، الذي رمى عنه فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً يعني حرقه بالنار فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ أي المغلوبين وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ قيل: إنه قال هذا بعد خروجه من النار، وأراد أنه ذاهب أي: مهاجر إلى الله فهاجر إلى أرض الشام، وقيل: إنه قال ذلك قبل أن يطرح في النار، وأراد أنه ذاهب إلى ربه بالموت، لأنه ظن أن النار تحرقه، وسيهدين على القول الأول يعني إلى صلاح الدين والدنيا، وعلى القول الثاني إلى الجنة، وقالت المتصوفة: معناه إني ذاهب إلى ربي بقلبي، أي مقبل على الله بكليتي تاركا سواه.
رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ يعني ولدا من الصالحين فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ أي عاقل وأختلف الناس في هذا الغلام المبشر به في هذا الموضع وهو الذبيح، هل هو إسماعيل أو إسحاق؟ فقال ابن عباس وابن عمر وجماعة من التابعين هو إسماعيل. وحجتهم من ثلاثة أوجه الأول أن رسول الله ﷺ قال: أنا ابن الذبيحين «١» يعني إسماعيل عليه السلام، ووالده عبد الله، حين نذر والده عبد المطلب أن ينحر [أحد أولاده وأصابت القرعة عبد الله] إن يسر الله له أمر زمزم، ففداه بمائة من الإبل والثاني أن الله تعالى قال بعد تمام قصة الذبيح وبشرناه بإسحاق فدل ذلك على أن الذبيح غيره والثالث أنه روي أن إبراهيم جرت له قصة الذبح بمكة، وإنما كان معه بمكة إسماعيل. وذهب عليّ بن أبي طالب وابن مسعود وجماعة من التابعين إلى أن الذبيح إسحاق وحجتهم من وجهين الأول أن البشارة المعروفة لإبراهيم بالوادي إنما كانت بإسحاق لقوله: فبشرناه بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب، والثاني أنه روي أن يعقوب كان يكتب من يعقوب إسرائيل الله ابن إسحاق ذبيح الله.
فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ يريد بالسعي هنا العمل والعبادة، وقيل: المشي وكان حينئذ ابن ثلاثة عشر سنة قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ يحتمل أن يكون رأى في المنام الذبح وهو الفعل، أو أمر في المنام أنه يذبحه، والأول أظهر في اللفظ هنا، والثاني أظهر في قوله: افعل ما تؤمر ورؤيا الأنبياء حق، فوجب عليه الامتثال على الوجهين

فَانْظُرْ ماذا تَرى إن قيل: لم شاوره في أمر هو حتم من الله؟ فالجواب: أنه لم يشاوره ليرجع إلى رأيه، ولكن ليعلم ما عنده فيثبت قلبه ويوطن نفسه على الصبر، فأجابه بأحسن جواب فَلَمَّا أَسْلَما إي استسلما وانقادا لأمر الله وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ أي صرعه بالأرض على جبينه وللإنسان جبينان حول الجبهة، وجواب لما محذوف عند البصريين تقديره، فلما أسلما كان ما كان من الأمر العظيم، وقال الكوفيون: جوابها تله والواو زائدة، وقال بعضهم: جوابها: ناديناه والواو زائدة قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا يحتمل أنه يريد بقلبك أى كانت عندك رؤيا صادقة فعملت بحسبها، ويحتمل أن يريد بعملك أي وفيت حقها من العمل، فإن قيل: إنه أمر بالذبح ولم يذبح، فكيف قيل له: صدقت الرؤيا؟ فالجواب أنه قد بذل جهده إذ قد عزم على الذبح ولو لم يفده الله لذبحه، ولكن الله هو الذي منعه من ذبحه لما فداه، فامتناع ذبح الولد إنما كان من الله وبأمر الله، وقد قضى إبراهيم ما عليه الْبَلاءُ الْمُبِينُ الذي يظهر به طاعة الله أو المحنة البينة الصعوبة.
وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ الذبح اسم لما يذبح، وأراد به هنا الكبش الذي فدى به، وروي أنه من كباش الجنة، وقيل: إنه الكبش الذي قرب به ولد آدم، ووصفه بعظيم لذلك، أو لأنه من عند الله أو لأنه متقبل، وروي في القصص أن الذبيح قال لإبراهيم:
أشدد رباطى لئلا أضطرب، وأصرف بصرك عني لئلا ترحمني، وأنه أمر الشفرة على حلقه فلم تقطع، فحينئذ جاءه الكبش من عند الله، وقد أكثر الناس في قصص هذه الآية وتركناه لعدم صحنه، كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إن قيل: لم قال هنا في قصة إبراهيم كذلك دون قوله إنا، وقال في غيرها إنا، فالجواب أنه قد تقدم في قصة إبراهيم نفسها: إنا كذلك فأغنى عن تكرار أنا وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ يعني بالنبوة وغير ذلك مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ يعني الغرق أو تعذيب فرعون وإذلاله لهم وَنَصَرْناهُمْ الضمير يعود على موسى وهارون وقومها وقيل: على موسى وهارون خاصة، وعاملهما معاملة الجماعة للتعظيم، وهذا ضعيف وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ يعني: التوراة ومعنى المستبين البين، وفي هذه الآية وما بعدها نوع من أدوات البيان وهو الترصيع.
وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إلياس من ذرية هارون وقيل إنه إدريس، وقد أخطأ من