آيات من القرآن الكريم

كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ
ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔ ﭑﭒﭓﭔ ﭖﭗﭘ ﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫ ﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴ ﭶﭷﭸ ﭺﭻﭼﭽ ﭿﮀﮁﮂﮃ ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ

فأقبلوا إليه مسرعين المشي لما سمعوا بالذي حصل من إبراهيم قائلين له: نحن نعبدها ونقدسها، وأنت تضربها وتكسرها؟!: إن هذه لجرأة منك شديدة! قال لهم موبخا: أتعبدون ما تنحتونه بأيديكم، وتصنعونه على أعينكم من حجارة أو خشب، وتتركون عبادة الله الذي خلقكم وسواكم وعد لكم في أحسن صورة وهو الذي خلقكم والمادة التي تعملون منها الأصنام؟!.
قالوا بعد أن تشاوروا في أمره: ابنوا له بنيانا واسعا تملأونه حطبا كثيرا، وأضرموا فيه النار، فإذا التهبت فألقوه في تلك النار المسعرة، فأرادوا به كيدا وسوءا باحتيال منهم ومكر فجعلهم ربك من الأسفلين الأذلين حيث أبطل كيدهم ورده في نحورهم، وجعله دليلا على صدق إبراهيم، ودليلا على علو شأنه حيث جعلت النار المحرقة بردا وسلاما عليه.
وقال إبراهيم لما نجا من كيدهم: إنى ذاهب إلى ربي يهديني إلى ما فيه صلاح ديني ودنياى، رب هب لي ولدا من الصالحين يعينني على الدعوة والطاعة. ويؤنسني في الغربة والمجاعة. فبشرناه بغلام حليم..
قصة الذبيح [سورة الصافات (٣٧) : الآيات ١٠٢ الى ١١٣]
فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (١٠٢) فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣) وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٠٥) إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (١٠٦)
وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (١٠٧) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (١٠٨) سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ (١٠٩) كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١١٠) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١١١)
وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٢) وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (١١٣)

صفحة رقم 214

المفردات:
السَّعْيَ: الحد الذي يسعى فيه مع أبيه في تحصيل المعاش وَتَلَّهُ: صرعه على شقه فوقع جبينه على الأرض، وأصل التل: الرمي على التل الذي هو التراب المجتمع، ثم استعمل في كل صرع لِلْجَبِينِ والجبين: أحد جانبي الجبهة، بين جبينين، واللام لبيان ما صرع عليه، كقوله تعالى: يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وكقول الشاعر: وخر صريعا لليدين وللفم- بِذِبْحٍ: بحيوان يذبح.
المعنى:
دعا إبراهيم ربه قائلا: رب هب لي غلاما من الصالحين، فقبل الله دعاءه واستجاب له، وبشره بغلام كريم الخلق حليم- على لسان الملائكة فوهبناه له، ونشأ كما ينشأ الغلمان فلما «١» بلغ درجة أن يسعى مع أبيه في أشغاله، وتحصيل معاشه قال له أبوه:
إنى أرى في المنام أنى أذبحك، ورؤيا الصالحين من عباد الله قبس من نور الله، ورؤيا الأنبياء وحى من السماء لا ينكر، وقد رأى إبراهيم الخليل في منامه أنه يذبح ابنه. وأول رؤياه على هذا، وكان ذلك الولد عزيزا على أبيه لأنه فلذة كبده وإنسان عينه، وقد جاء من الله بعد الدعاء وبشارة الملائكة به فكان له مزيد فضل، وعلو كعب، ومع ذلك فقد صدع إبراهيم لأمر ربه، وعرض الأمر على ابنه الوحيد ليرى ماذا يرى؟ فقال ابنه: يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين، وهنا تبرز أمام الإنسان معاني الإيمان الصادق والاستسلام الحق والصبر والرضاء بالقضاء والقدر؟

(١) - الفاء هنا فاء الفصيحة التي تفصح عن كلام مقدر يفهم من السياق العام (وقد ذكرناه فتنبه).

صفحة رقم 215

يؤمر أب بذبح ابنه فيمتثل الأب والابن فَلَمَّا أَسْلَما أى: استسلم الأب ورضى الابن، إن هذا لعجيب!! وليس بالكثير على إبراهيم الخليل وابنه الصابر صادق الوعد الأمين.
قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى «١» قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ.
فلما أسلما وخضعا لله وانقادا لأمره، وصرع الأب ابنه على الجبين، وأمرّ السكين على الودجين فلم تقطع ولم تكسر، وأعادها مرارا فلم تزد إلا كلالا، وتعجب إبراهيم من هذا، وضجت ملائكة السماء وأتى الله بالفرج القريب، فنادى إبراهيم ملك من قبل الحق- تبارك وتعالى- أى: إبراهيم كفى كفى!! قد صدقت الرؤيا، وقمت بالواجب عليك وبذلت جهدك، وأتيت بما في وسعك (قد حققت ما نبهناك عليه، وفعلت ما أمكنك ثم امتنعت لما منعناك) انتهى من القرطبي.
فلما أسلما وتله للجبين، وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا، فديناه بكبش سمين وخلصناهما من الشدة والكرب الشديد، لماذا؟ إن ربك يجزى المحسنين جزاء مثل هذا الجزاء، وقد أحسنا حيث امتثلا الأمر في بذل النفس على صورة رائعة لا يقبلها إلا أولو العزم من الرسل، إن هذا لهو البلاء المبين، وأى بلاء أشد من أن تؤمر بذبح وحيدك فتمتثل صابرا محتسبا أجرك عند ربك؟! وفديناه بذبح عظيم.
روى أنه كان كبشا نزل من الجنة فذبحه إبراهيم وهلل وكبر
وتركنا عليه في الأمم الآخرة ثناء حسنا وذكرا عاطرا- وسلام على إبراهيم- مثل ذلك أى: بقاء الذكر العاطر فيما بين الأمم نجزى المحسنين، وهذا لأنه من عبادنا المؤمنين وبشرناه بإسحاق حالة كونه نبيا من الصالحين.
ومن هنا شرعت الأضحية في عيد الأضحى، عيد الفداء، وذكر إتمام النعمة وظهور كلمة الإسلام، والقضاء على الشرك والظلم والبهتان، ولم يكن ذلك كله إلا

(١) - ذكروا في هذه أعاريب منها أن ماذا (مركبة) من ما الاستفهامية مفعول مقدم لترى، وجملة ترى في محل نصب بالنظر، أو ما استفهام، و (ذا) اسم موصول (مبتدأ أو خبر) والجملة مفعول مقدم أيضا.

صفحة رقم 216
التفسير الواضح
عرض الكتاب
المؤلف
محمد محمود حجازي
الناشر
دار الجيل الجديد
سنة النشر
1413
الطبعة
العاشرة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية