آيات من القرآن الكريم

فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا ۚ إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ
ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ

[سُورَة الصافات (٣٧) : آيَة ١١]

فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ (١١)
الْفَاءُ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ [الصافات: ٦] بِاعْتِبَارِ مَا يَقْتَضِيهِ مِنْ عَظِيمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِنْشَاءِ، أَيْ فَسَلْهُمْ عَنْ إِنْكَارِهِمُ الْبَعْثَ وَإِحَالَتِهِمْ إِعَادَةَ خَلْقِهِمْ بَعْدَ أَنْ يَصِيرُوا عِظَامًا وَرُفَاتًا، أَخَلْقُهُمْ حِينَئِذٍ أَشُدُّ عَلَيْنَا أَمْ خَلْقُ تِلْكَ الْمَخْلُوقَاتِ الْعَظِيمَةِ؟
وَضَمِيرُ الْغَيْبَةِ فِي قَوْلِهِ: فَاسْتَفْتِهِمْ عَائِدٌ إِلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ دَلَالَةِ الْمَقَامِ وَهُمُ الَّذِينَ أَحَالُوا إِعَادَةَ الْخَلْقِ بَعْدَ الْمَمَاتِ. وَكَذَلِكَ ضَمَائِرُ الْغَيْبَةِ الْآتِيَةِ بَعْدَهُ وَضَمِيرُ الْخِطَابِ مِنْهُ مُوَجَّهٌ إِلَى النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيْ فَسَلْهُمْ، وَهُوَ سُؤَالُ مَحَاجَّةٍ وَتَغْلِيطٍ.
وَالِاسْتِفْتَاءُ: طَلَبُ الْفَتْوَى بِفَتْحِ الْفَاءِ وَبِالْوَاوِ، وَيُقَالُ: الْفُتْيَا بِضَمِّ الْفَاءِ وَبِالْيَاءِ. وَهِيَ إِخْبَارٌ عَنْ أَمْرٍ يَخْفَى عَنْ غَيْرِ الْخَوَاصِّ فِي غَرَضٍ مَا. وَهِيَ:
إِمَّا إِخْبَارٌ عَنْ عِلْمٍ مُخْتَصٍّ بِهِ الْمُخْبِرُ قَالَ تَعَالَى: يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ [يُوسُف: ٤٦] الْآيَةَ، وَقَالَ: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ [النِّسَاء: ١٧٦]، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ فِي سُورَةِ يُوسُفَ [٤١].
وَإِمَّا إِخْبَارٌ عَنْ رَأْيٍ يُطْلَبُ مِنْ ذِي رَأْيٍ مَوْثُوقٍ بِهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: قالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي فِي سُورَةِ النَّمْلِ [٣٢].
وَالْمَعْنَى: فَاسْأَلْهُمْ عَنْ رَأْيِهِمْ فَلَمَّا كَانَ الْمَسْئُولُ عَنْهُ أَمْرًا مُحْتَاجًا إِلَى إِعْمَالِ نَظَرٍ أَطُلِقَ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ عَنْهُ فِعْلُ الِاسْتِفْتَاءِ.
وَهَمْزَةُ: أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً لِلِاسْتِفْهَامِ الْمُسْتَعْمَلِ لِلتَّقْرِيرِ بِضَعْفِ خَلْقِ الْبَشَرِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَخْلُوقَاتِ السَّمَاوِيَّةِ لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ يَؤُولُ إِلَى الْإِقْرَارِ حَيْثُ إِنَّه يلجىء الْمُسْتَفْهِمَ إِلَى الْإِقْرَارِ بِالْمَقْصُودِ مِنْ طَرَفَيِ الِاسْتِفْهَامِ، فَالِاسْتِفْتَاءُ فِي مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ فَهُوَ يُسْتَعْمَلُ فِي كُلِّ مَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ الِاسْتِفْهَامُ. وأَشَدُّ بِمَعْنَى: أَصْعَبُ وَأَعْسَرُ.

صفحة رقم 94
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية