آيات من القرآن الكريم

أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ
ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ ﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ

ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة، بإقامة الأدلة الساطعة على أن البعث حق، وعلى أن قدرته- تعالى- لا يعجزها شيء، فقال- تعالى-:
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٧٧ الى ٨٣]
أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٧٧) وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (٨٠) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (٨١)
إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢) فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٣)
وقد ذكروا في سبب نزول هذه الآيات، أن أبىّ بن خلف جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وفي يده عظم رميم، وهو يفتته ويذريه في الهواء ويقول: يا محمد، أتزعم أن الله يبعث هذا؟ فقال صلّى الله عليه وسلم: نعم. يميتك الله- تعالى- ثم يبعثك، ثم يحشرك إلى النار». ونزلت هذه الآيات إلى آخر السورة...
والمراد بالإنسان: جنسه. ويدخل فيه المنكرون للبعث دخولا أوليا.
وأصل النطفة: الماء القليل الذي يبقى في الدلو أو القربة. وجمعها نطف ونطاف. يقال:
نطفت القربة، إذا تقاطر ماؤها بقلة.
والمراد بها هنا: المنى الذي يخرج من الرجل، إلى رحم المرأة.
والخصيم: الشديد الخصام والجدال لغيره، والمراد به هنا: الكافر والمجادل بالباطل.
والمعنى: أبلغ الجهل بهذا الإنسان، أنه لم يعلم أنا خلقناه بقدرتنا، من ذلك الماء المهين

صفحة رقم 55

الذي يخرج من الرجل فيصب في رحم المرأة، وأن من أوجده من هذا الماء قادر على أن يعيده إلى الحياة بعد الموت.
لقد كان من الواجب عليه أن يدرك ذلك، ولكنه لغفلته وعناده، بادر بالمبالغة في الخصومة والجدل الباطل. وجاهر بذلك مجاهرة واضحة، مع علمه بأصل خلقته.
قال الآلوسى ما ملخصه: وقوله- تعالى-: أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ كلام مستأنف مسوق لبيان بطلان إنكارهم البعث، بعد ما شاهدوا في أنفسهم ما يوجب التصديق به... والهمزة للإنكار والتعجب من أحوالهم، وإيراد الإنسان مورد الضمير، لأن مدار الإنكار متعلق بأحواله من حيث هو إنسان. والمراد بالإنسان الجنس. والخصيم إنما هو الكافر المنكر للبعث مطلقا.
وقوله: فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ عطف على الجملة المنفية، داخل في حيز الإنكار والتعجب كأنه قيل: أو لم ير أنا خلقناه من أخس الأشياء وأمهنها، فأظهر الخصومة في أمر يشهد بصحته مبدأ فطرته شهادة بينة... » «١».
وقوله- تعالى-: وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ معطوف على الكلام المتقدم، وداخل في حيز الإنكار.
أى: أن هذا الإنسان الجاهل المجادل بالباطل، لم يكتف بذلك، بل ضرب لنا مثلا هو في غاية الغرابة، حيث أنكر قدرتنا على إحياء الموتى، وعلى بعثهم يوم القيامة، فقال: - دون أن يفطن إلى أصل خلقته- من يحيى العظام وهي رميم، أى: وهي بالية أشد البلى. فرميم بزنة فعيل بمعنى فاعل. من رمّ اللازم بمعنى بلى، أو بمعنى مفعول، من رم المتعدى بمعنى أبلى.
يقال: رمه إذا أبلاه. فيستوى فيه المذكر والمؤنث.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: لم سمى قوله: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ مثلا؟
قلت: لما دل عليه من قصة عجيبة شبيهة بالمثل، وهي إنكار قدرة الله- تعالى- على إحياء الموتى.. مع أن ما أنكر من قبيل ما يوصف الله- تعالى- بالقدرة عليه، بدليل النشأة الأولى.. «٢».
ثم لقن الله- تعالى- رسوله صلّى الله عليه وسلم الجواب الذي يخرس ألسنة المنكرين للبعث فقال: قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ...

(١) تفسير الآلوسى ج ٢٣ ص ٥٣.
(٢) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٣٠.

صفحة رقم 56

أى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء الجاهلين المنكرين لإعادة الحياة إلى الأجساد بعد موتها، قل لهم: يحيى هذه الأجسام والأجساد البالية، الله- تعالى- الذي أوجدها من العدم دون أن تكون شيئا مذكورا، ومن قدر على إيجاد الشيء من العدم قادر من باب أولى على إعادته بعد هلاكه. وهو- سبحانه- بكل شيء في هذا الوجود عليم علما تاما، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، سواء أكان هذا الشيء صغيرا أم كبيرا، مجموعا أم مفرقا.
قال الشوكانى: وقد استدل أبو حنيفة وبعض أصحاب الشافعى بهذه الآية على أن العظام مما تحله الحياة- أى أنها بعد الموت تكون نجسة.
وقال الشافعى: لا تحله الحياة، وأن المراد بقوله: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ من يحيى أصحاب العظام على تقدير مضاف محذوف. ورد بأن هذا التقدير خلاف الظاهر» «١».
وقوله- تعالى-: الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ دليل آخر على إمكانية البعث وهو بدل من قوله- تعالى- قبل ذلك: الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ....
والمراد بالشجر الأخضر: الشجر النّدى الرطب، كشجر المرخ والعفار وهما نباتان أخضران إذا ضرب أحدهما بالآخر اتقدت منهما شرارة نار بقدرة الله- تعالى-.
قال ابن كثير المراد بذلك سرح- أى: شجر المرخ والعفار. ينبت بأرض الحجاز فيأتى من أراد قدح نار وليس معه زناد، فيأخذ منه عودين أخضرين، ويقدح أحدهما بالآخر، فتتولد النار من بينهما، كالزناد سواء سواء.
روى هذا عن ابن عباس- رضى الله عنهما- وفي المثل: «لكل شجر نار، واستمجد المرخ والعفار» «٢».
أى: لكل شجر حظ من النار، ولكن أكثر الأشجار حظا من النار: المرخ والعفار. فهو مثل يضرب في تفضيل بعض الشيء على بعض.
أى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء المنكرين للبعث، يحيى الأجساد البالية الله- تعالى- الذي أنشأها أول مرة، والذي جعل لكم- بفضله ورحمته وقدرته- من الشجر الأخضر الرطب نارا، فإذا أنتم من هذا الشجر الأخضر توقدون النار. وتنتفعون بها في كثير

(١) تفسير فتح القدير ج ٤ ص ٣٨٣.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٥٨١.

صفحة رقم 57

من أحوال حياتكم.
وإذا فمن قدر على إحداث النار من الشجر الأخضر- مع ما فيه من المائية المضادة لها- كان أقدر على إعادة الأجساد بعد فنائها.
ثم أضاف- سبحانه- إلى توبيخهم على جهلهم وكفرهم توبيخا آخر. فقال: أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ.
والاستفهام- كسابقه- للإنكار والتعجيب من جهالاتهم، والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام والضمير في «مثلهم» يعود إلى المنكرين للبعث.
والمعنى: إن من قدر على خلق السموات والأرض- وهما في غاية العظم- قادر من باب أولى على إعادة خلق البشر، الذي هو صغير الشكل، ضعيف القوة.
وجملة: بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ جواب من جهته- تعالى- وتصريح بما أفاده الاستفهام الإنكارى، من تقرير ما بعد النفي، وتأكيد قدرته- سبحانه- على الخلق والإعادة. لأن «بلى» حرف جواب، يؤتى به لإثبات فعل ورد قبله منفيا.
أى: بلى إنه لقادر- سبحانه- على أن يخلق مثلهم، وعلى أن يعيدهم للحياة مرة أخرى، وهو- سبحانه- «الخلاق» أى: الكثير المخلوقات «العليم» أى: الكثير العلم بحيث لا يخفى عليه شيء.
ثم أكد- سبحانه- شمول قدرته لكل شيء فقال: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.
أى: إنما شأنه- سبحانه- في إيجاد الشيء، أنه إذا أراد إحداثه، أن يقول له كن، أى: كن موجودا فيكون، أى: فهذا الشيء يكون ويوجد في الحال... قال الشاعر:

إذا ما أراد الله أمرا فإنما يقول له «كن» قولة فيكون
ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة بتنزيهه- تعالى- عن كل نقص، فقال فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.
أى: فتنزه الله- تعالى- الذي له ملك كل شيء ملكا تاما، والذي إليه المرجع والمآب، عن كل ما يقوله الكافرون من عدم قدرته على إحياء الموتى.
فهو- سبحانه- لا يعجزه شيء، ولا يخفى على علمه شيء، ولا يحول دون قدرته شيء أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ.

صفحة رقم 58

وبعد: فهذا تفسير محرر لسورة «يس» نسأل الله- تعالى- أن يجعله خالصا لوجهه، ونافعا لعباده.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصبحه وسلم.
كتبه الراجي عفو ربه د. محمد سيد طنطاوى.
القاهرة- مدينة نصر: صباح الثلاثاء ٥ من ذي القعدة سنة ١٤٠٥ هـ- الموافق ٢٣/ ٧/ ١٩٨٥ م

صفحة رقم 59

تفسير سورة الصّافّات

صفحة رقم 61

بسم الله الرّحمن الرّحيم

مقدمة وتمهيد
١- سورة الصافات هي السورة السابعة والثلاثون في ترتيب المصحف، وكان نزولها كما ذكر صاحب الإتقان- بعد سورة «الأنعام» «١».
ومعنى ذلك أن نزولها كان في السنة الرابعة أو الخامسة من البعثة، لأننا قد سبق أن قلنا عند تفسيرنا لسورة الأنعام، أنه يغلب على الظن أن نزولها كان في السنة الرابعة من البعثة «٢».
٢- قال الآلوسى: هي مكية ولم يحكوا في ذلك خلافا. وهي مائة وإحدى وثمانون آية عند البصريين، ومائة واثنتان وثمانون آية عند غيرهم «٣».
وتعتبر هذه السورة- من حيث عدد الآيات- السورة الثالثة من بين السور المكية، ولا يفوقها في ذلك سوى سورتي الأعراف والشعراء.
٣- وسميت بهذا الاسم لافتتاحها بقوله- تعالى-: وَالصَّافَّاتِ صَفًّا. وقد سماها بعض العلماء بسورة «الذبيح»، وذلك لأن قصة الذبيح لم تأت في سور أخرى سواها.
٤- وقد افتتحت سورة «الصافات» بقسم من الله- تعالى- بجماعات من خلقه على أن الألوهية والربوبية الحقة إنما هي لله- تعالى- وحده، ثم أقام- سبحانه- بعد ذلك ألوانا من الأدلة على صدق هذه القضية، منها خلقه للسموات والأرض وما بينهما، ومنها تزيينه لسماء الدنيا بالكواكب.
قال- تعالى-: وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِراتِ زَجْراً. فَالتَّالِياتِ ذِكْراً. إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ. رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ. إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ. وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ.
٥- ثم حكى- سبحانه- بعض الشبهات التي تذرع بها المشركون في إنكارهم للبعث
(١) راجع الإتقان في علوم القرآن ج ١ ص ٢٧.
(٢) راجع مقدمة تفسير سورة الانعام للمؤلف.
(٣) تفسير الآلوسى ج ٢٣ ص ٦٤. [.....]

صفحة رقم 63

والحساب، ورد عليها بما يمحقها، فقال- تعالى-: وَقالُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ. أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ. أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ. قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ. فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ.
٦- وبعد أن بين- سبحانه- سوء عاقبة هؤلاء المشركين، وتوبيخ الملائكة لهم، وإقبال بعضهم على بعض للتساؤل والتخاصم.. بعد كل ذلك بين- سبحانه- حسن عاقبة المؤمنين، فقال- تعالى-. وَما تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ: إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ. أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ. فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ. فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ. عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ. يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ. بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ. لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ.
٧- ثم حكى- سبحانه- جانبا من المحاورات التي تدور بين أهل الجنة وأهل النار، وكيف أن أهل الجنة يتوجهون بالحمد والشكر لخالقهم، حيث أنعم عليهم بنعمة الإيمان، ولم يجعلهم من أهل النار الذين يأكلون من شجرة الزقوم.
قال- تعالى-: إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ. أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ. إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ. إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ، طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ. فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ.
٨- ثم ساق- سبحانه- بعد ذلك جانبا من قصة نوح مع قومه، ومن قصة إبراهيم مع قومه. ومع ابنه إسماعيل- عليهما السلام.
ومن قصة موسى وهارون وإلياس ولوط ويونس- عليهم الصلاة والسلام-.
٩- ثم أخذت السورة الكريمة- في أواخرها- في توبيخ المشركين الذين جعلوا بين الله- سبحانه- وبين الملائكة نسبا، ونزه- سبحانه- ذاته عن ذلك. وهدد أولئك الكافرين بأشد ألوان العذاب بسبب كفرهم وأقوالهم الباطلة.
وبين بأن عباده المؤمنين هم المنصورون، وختم- سبحانه- السورة الكريمة بقوله:
سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.
١٠- والمتأمل في هذه السورة الكريمة- بعد هذا العرض المجمل لآياتها- يراها بأنها قد اهتمت بإقامة الأدلة على وحدانية الله- تعالى-، وعلى أن البعث حق، وعلى أن الرسول صلّى الله عليه وسلم صادق فيما يبلغه عن ربه، وذلك لكي تغرس العقيدة السليمة في النفوس.. كما يراها تهتم بحكاية أقوال المشركين وشبهاتهم.. ثم ترد على تلك الأقوال والشبهات بما يزهقها ويبطلها.

صفحة رقم 64

كما يراها- كذلك- تسوق ألوانا من المحاورات التي تدور بين المشركين فيما بينهم عند ما يحيط بهم العذاب يوم القيامة، وألوانا من المحاورات التي تدور بينهم وبين أهل الجنة الذين نجاهم الله- تعالى- من النار وسعيرها.
كما يراها- أيضا- تسوق لنا نماذج من قصص الأنبياء مع أقوامهم، تارة بشيء من التفصيل كما في قصة إبراهيم مع قومه، وتارة بشيء من التركيز والإجمال كما في بقية قصص الأنبياء الذين ورد الحديث عنهم فيها.
وتمتاز بعرضها للمعاني والأحداث بأسلوب مؤثر. ترى فيه قصر الفواصل وكثرة المشاهد، والمواقف. مما يجعل القارئ لآياتها في شوق إلى ما تسوقه من نتائج.
نسأل الله- تعالى- أن يجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا وأنس نفوسنا.
وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه الراجي عفو ربه القاهرة- مدينة نصر د. محمد سيد طنطاوى مساء الجمعة ٨ من ذي القعدة سنة ١٤٠٥ هـ ٢٦/ ٧/ ١٩٨٥

صفحة رقم 65
التفسير الوسيط
عرض الكتاب
المؤلف
محمد سيد طنطاوي
الناشر
دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية