آيات من القرآن الكريم

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ۗ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ
ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ

فيجيبهم الله تعالى: قل لهم يا محمد: لكم ميقات معين هو يوم البعث أو القيامة، لا يزيد ولا ينقص، ولا تتقدمون عنه ولا تتأخرون، وهو آت لا محالة، وعلمه عند الله لم يطلع عليه أحدا من خلقه.
إنكار المشركين القرآن والحوار يوم القيامة بين الضالين والمضلين
[سورة سبإ (٣٤) : الآيات ٣١ الى ٣٣]
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواأَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (٣١) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (٣٢) وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٣٣)
الإعراب:
أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ أَنْتُمْ ضمير مرفوع منفصل، مبتدأ، خبره محذوف، ولا يجوز إظهاره لطول الكلام بالجواب.
البلاغة:
لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ استعارة في الجملة الأخيرة، إذ ليس للقرآن يدان، ولكنه استعارة لما سبقه من الكتب السماوية المتقدمة.

صفحة رقم 186

وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ حذف الجواب للتهويل، أي لو رأيت حالهم، لرأيت أمرا مريعا مهولا.
اسْتَكْبَرُوا واسْتُضْعِفُوا بينهما طباق.
بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أسند المكر إلى الليل على سبيل المجاز العقلي، أي المكر الواقع ليلا.
أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى استفهام بمعنى الإنكار.
المفردات اللغوية:
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا من أهل مكة. وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ أي ما تقدمه من الكتب القديمة كالتوراة والإنجيل الدالين على البعث لإنكارهم له. وَلَوْ تَرى يا محمد. إِذِ الظَّالِمُونَ الكافرون. مَوْقُوفُونَ محبوسون ممنوعون في موقف الحساب. لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا الأتباع. الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا الرؤساء. أَنْتُمْ لولا إضلالكم وصدكم إيانا عن الإيمان.
لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ بالله مصدقين لرسوله وكتابه.
قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا مجيبين عليهم، مستنكرين لما قالوه. أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى أي منعناكم عن الهدى. بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ الهدى. بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ مصرّين على الكفر، كثيري الاجرام والآثام. وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا ردّا لجوابهم ودفعا لما نسبوه إليهم من صدهم عن الإيمان. بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أي لم يكن إجرامنا الصادّ، بل مكركم بنا في الليل والنهار، ودعوتكم المستمرة لنا إلى الكفر، هو الذي حملنا على هذا، والمكر: الخديعة والاحتيال. أَنْداداً شركاء، جمع ندّ: وهو النظير والشبيه. وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ أي أضمر الفريقان الندامة على ما فعلوا من الكفر، وأخفوها عن غيرهم. الْأَغْلالَ جمع غلّ، وهو طوق من حديد يوضع في العنق. فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا جاء بالظاهر تنويها بذمّهم، أي جعلنا الأغلال في أعناق الكافرين في النار. هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ أي ما يجزون إلا جزاء عملهم في الدنيا، أو لا يفعل بهم ما يفعل إلا جزاء على أعمالهم، وتعدية يُجْزَوْنَ إما لتضمين «يجزى» معنى: يقضى، أو لنزع الخافض.
المناسبة:
بعد بيان الأمور الثلاثة من التوحيد والرسالة والحشر التي كفروا بها كلها، ذكر تعالى إنكار جماعة من المشركين القرآن والكتب السماوية القديمة، وما فيها

صفحة رقم 187

من إثبات البعث والحشر والحساب والجزاء، ثم ذكر صورة من الحوار الحادّ بين الرؤساء المضلين والأتباع الضالين، وأوضح وصفا للجزاء الذي يلقونه على أعمالهم في الدنيا.
التفسير والبيان:
هذا لون من تمادي الكفار في طغيانهم وعنادهم وهو إصرارهم على عدم الإيمان بالقرآن الكريم، وبما أخبر به من أمر المعاد، فقال تعالى:
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا: لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ أي وقال جماعة من مشركي العرب في مكة وغيرها: لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالكتب السماوية السابقة، كالتوراة والإنجيل، ولا بما اشتملت عليه من أمور الآخرة من بعث وحشر وحساب وجزاء. والمعنى: أنهم جحدوا نزول القرآن من الله تعالى، وأن يكون لما دل عليه من المعاد وإعادة الجزاء حقيقة.
ثم أخبر تعالى عن عاقبة أمرهم ومآلهم في الآخرة وحوارهم فيما بينهم فقال لرسوله أو للمخاطب:
وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ، يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ أي ولو تنظر أيها الرسول حين يكون الكافرون أذلة مهانين محبوسين في موقف الحساب، يتخاصمون ويتحاجون ويتحاورون فيما بينهم ويتراجعون الكلام فيما بينهم باللوم والعتاب، لرأيت العجيب والمخيف.
وصورة الحوار هي:
يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا: أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ أي يقول الأتباع الضعفاء للسادة الرؤساء المتكبرين في الدنيا: لولا صدكم لنا عن الإيمان بالله واتباع رسوله صلّى الله عليه وسلّم، لكنا مؤمنين بالله، مصدقين برسوله صلّى الله عليه وسلّم وكتابه.

صفحة رقم 188

فأجابهم القادة:
قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا: أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ، بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ أي قال السادة القادة المتكبرون في الدنيا للأتباع الضعفاء، مستنكرين لما قالوا: أنحن منعناكم عن الإيمان واتباع طريق الهدى بعد أن جاءكم من عند الله؟ لا، بل أنتم منعتم أنفسكم بإصراركم على الكفر، وولوغكم في الاجرام والإثم.
فرد عليهم الأتباع بقولهم:
وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا: بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ، إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ، وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً أي رد الأتباع على القادة رؤساء الضلال: بل الذي صدنا عن الإيمان مكركم بنا بالليل والنهار حين كنتم تطلبون منا أن نبقى على الكفر بالله، ونجعل له أشباها وأمثالا في الألوهية والعبادة.
ثم ذكر مصير الفريقين فقال:
وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ، وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا أي وأضمر الجميع من السادة والأتباع كل ندم على ما سلف منه عن الكفر، وأخفاه عن غيره، مخافة الشماتة، وتبينت الندامة في وجوههم حين واجهوا العذاب المحدق بهم، وحين جعلنا الأغلال وهي السلاسل التي تجمع أيديهم مع أعناقهم في النار.
ثم أخبر تعالى عن عدالة هذا الجزاء، فقال:
هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ؟ أي إنما نجازي هؤلاء وأمثالهم بأعمالهم، كل بحسبه، وبسبب ما اقترفه من الشرك بالله والإثم، للقادة عذاب بحسبهم، وللأتباع بحسبهم: وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت ٤١/ ٤٦].

صفحة رقم 189

فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
١- لقد أعلن كفار قريش عدم إيمانهم بالقرآن وبالكتب السماوية السابقة المتضمنة الإخبار عن أمور الغيب من البعث والحشر والحساب والجزاء.
٢- أخبر الله تعالى عن حالهم من الذلة والمهانة يوم القيامة، فهم محبوسون في موقف الحساب، يتراجعون الكلام فيما بينهم باللوم والعتاب، بعد أن كانوا في الدنيا أخلاء متناصرين، فحين ترى الظالمين موقوفين على تلك الحال، ترى عجبا.
٣- تكون المحاورة بين الرؤساء والأتباع شديدة حادة، فيقول الأتباع للسادة- وبدأ بهم لأن المضل أولى بالتوبيخ-: لولا أنكم أغويتمونا وأضللتمونا لكنا مؤمنين بالله ورسوله وكتبه.
ويردّ القادة والرؤساء على الضعفاء الأتباع بقولهم منكرين اتهامهم:
ما رددناكم نحن عن الهدى، ولا أكرهناكم، بعد أن جاءكم من الله، بل كنتم أنتم مشركين مصرين على الكفر.
فأجابهم الأتباع بجواب أبلغ وأحكم: إن خديعتكم وحيلتكم وعملكم في الليل والنهار هو الذي صدّنا عن الإيمان بالله ورسوله، وهو الذي حملنا على الكفر بدعوتكم المستمرة المدبرة دوما، وكنتم تأمروننا بالكفر بالله، وبأن نجعل له أشباها وأمثالا ونظراء.
وحين مجيء العذاب وبعد اليأس من الحوار أضمر الفريقان الندامة، وأخفوها مخافة الشماتة، وهذا معنى وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ وقيل: معنى الإسرار:

صفحة رقم 190
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية