آيات من القرآن الكريم

وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ

٢- تقرير التوحيد وأنه لا إله إلا الله ولا يستحق العبادة سواه.
٣- بيان بطلان دعاء غير الله إذ المدعو كائنا من كان لا يملك مثقال ذرة في الكون لا بالاستقلال ولا بالشركة، وليس لله تعالى من ظهير أي ولا معينين يمكن التوسل بهم، وأخيراً والشفاعة لا تتم إلا بإذنه ولمن رضي له بها. ولذلك بطل دعاء غير الله ومن دعا غير الله من ملك أو نبي أو وليّ أو غيرهم فقد ضل الطريق وأشرك بالله في أعظم عبادة وهي الدعاء، والعياذ بالله تعالى.
قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤) قُلْ لا تُسْأَلونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُون (٢٥) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (٢٦) قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢٨) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٢٩) قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ (٣٠)
شرح الكلمات:
قل من يرزقكم من السموات والأرض: من السموات بإنزال المطر ومن الأرض بإنبات الزروع.
قل الله: أي إن لم يجيبوا فأجب أنت فقل الله، إذ لا جواب عندهم سواه.
وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين: وأخبرهم بأنكم أنتم أيها المشركون أو إيانا لعلى هدى أو في ضلال مبين، وقطعاً فالموحدون هم الذين على هدى

صفحة رقم 318

والمشركون هم في الضلال المبين، وإنما شككهم تلطفاً بهم لعلهم يفكرون فيهتدون.
قل لا تسألون عما أجرمنا: أي إنكم لا تسألون عن ذنوبنا.
ولا نسأل عما تعملون: أي ولا نسأل نحن عما تعملون. وهذا تلطفا بهم أيضاً ليراجعوا أمرهم، ولا يحملهم الكلام على العناد.
قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق: أي قل لهم سيجمع بيننا ربنا يوم القيامة ويفصل بيننا بالحق وهذا أيضاً تلطف بهم وهو الحق.
قل أروني الذين ألحقتم به شركاء: أي قل لهؤلاء المشركين أروني شركاءكم الذين عبدتموهم مع الله فإن أروه إياهم أصناما لا تسمع ولا تبصر قامت الحجة عليهم. وقال لهم أتعبدون ما تنحتون وتتركون الله الذي خلقكم وما تعملون؟!.
كلا بل هو الله العزيز الحكيم: كلا: لن تكون الأصنام أهلا للعبادة بل المعبود الحق الواجب العبادة هو الله العزيز الحكيم.
كافة للناس: أي لجميع الناس أي عربهم وعجمهم.
بشيراً ونذيراً: بشيراً للمؤمنين بالجنة، ونذيراً للكافرين بعذاب النار.
قل لكم ميعاد يوم: هو يوم القيامة.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تبكيت المشركين وإقامة الحجج عليهم بتقرير التوحيد وإبطال التنديد فقال تعالى للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سل قومك مبكتا لهم: ﴿قُلْ مَنْ (١) يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ بإنزال الأمطار وإرسال الرياح لواقح وإنبات النباتات والزروع والثمار وتوفير الحيوان للحم واللبن ومشتقاته؟ وإن تلعثموا في الجواب أو ترددوا خوف الهزيمة العقلية فأجب أنت قائلاً الله. إذ ليس من جواب عندهم سواه.
وقوله ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً (٢) أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ هذا أسلوب التشكيك وحكمته التلطف

١ - لما أبطل بتلك الحجج آلهة المشركين حيث دعاؤها لا يجدي نفعاً للداعين لأنهم لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ولا شفاعتها تنفع عابديها قرّر بهذه الآيات استحقاق الله تعالى للعبادة دون غيره، واستعمل أسلوب الجدل لإقامة الحجة على الخصم فقال: قل من يرزقكم.
٢ - وإياكم معطوف على محل اسم إن المنصوب والجملة معطوفة على الاستفهام "قل من يرزقكم الخ" وهذا يقال له أسلوب المنصف وهو أن لا يذكر المجادل لمن يجادله ما يغيظه أو يثير حفيظته رجاء هدايته إلى الحق.

صفحة رقم 319

بالخصم المعاند حتى لا يلج في العناد ولا يفكر في الأمر الذي يجادل فيه، وإلاّ فالرسول والمؤمنون هم الذين على هدى، والمشركون هم الذين في ضلال مبين وهو أمر مسلم لدى طرفي النزاع. وقوله تعالى ﴿قُلْ لا تُسْأَلونَ عَمَّا (١) أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُون﴾ وهذا أيضاً من باب التلطف مع الخصم المعاند لتهدأ عاصفة عناده ويراجع نفسه عله يثوب إلى رشده ويعود إلى صوابه، فقوله: ﴿لا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُون﴾ هو حق فإنهم لا يسألون عن ذنوب الرسول والمؤمنين، ولكن الرسول والمؤمنين لا ذنب لهم وإنما هو من باب التلطف في الخطاب، وأما المشركون فإن لهم أعمالاً من الشرك والباطل سيجزون بها والرسول والمؤمنون قطعاً لا يسألون عنها ولا يؤاخذون بها ما داموا قد بلغوا ونصحوا. وقوله: ﴿قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا﴾ أي يوم القيامة ﴿ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا﴾ أي يحكم ويفصل بيننا ﴿بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ﴾ أي الحاكم العليم بأحوال خلقه فأحكامه ستكون عادلة لعلمه بما يحكم فيه ظاهراً وباطناً. وفي هذا جذب لهم بلطف وبدون عنف ليقروا بالبعث الآخر الذي ينكرونه بشدة. وقوله ﴿قُلْ أَرُونِيَ (٢) الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ﴾ أي قل يا رسولنا لهؤلاء المشركين أوروني آلهتكم التي أشركتموها بالله وألحقتموها به وقلتم في تلبيتكم: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك. إلا شريكاً تملكه وما ملك. وهكذا يتحداهم رسول الله بإذن الله أن يروه شركاء لله حقيقة يسمعون ويبصرون وينفعون ويضرون ولما كان من غير الممكن الإتيان بهم غير أصنام وتماثيل زجرهم بعنف لعلهم يستفيقون من غفلتهم فقال: ﴿كَلَّا، بَلْ هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ أي ليست تلك الأصنام بآلهة تعبد مع الله بل المعبود الحق الواجب العبادة هو الله رب العالمين وإله الأولين والآخرين ﴿الْعَزِيزُ﴾ أي الغالب على أمره ومراده الحكيم في تدبير خلقه وشؤون عباده.
وقوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ (٣) إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ (٤) بَشِيراً وَنَذِيراً﴾ أي لم نرسلك يا رسولنا لمهمة غير البشارة والنذارة فلذا لا يحزنك إعراضهم وعدم استجابتهم فبشر من آمن بك واتبعك فيما جئت به، وأنذر من كفر بك ولم يتابعك على الهدى الذي تدعو إليه.

١ - هذا أيضا من الباب الأول وهو حمل الخصم على عدم اللجاج في الخصومة ليبقى قادراً على الفهم وقبول الحق متى ظهر له ولاح.
٢ - الأمر هنا للتعجيز لإقامة الحجة عند ثبوت عجز المخاصم، ولما ثبت عجزهم زجرهم بكلمة كلا وردعهم بها، وحملهم على الاعتراف ببطلان آلهتهم.
٣ - ولما تقرر مبدأ التوحيد عطف عليه تقرير النبوة المحمدية فقال وما أرسلناك. وبذلك ثبتت رسالته.
٤ - في الكلام تقديم وتأخير إذ الأصل وما أرسلناك إلا للناس كافة أي عامة.

صفحة رقم 320

وقوله: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (١) ﴾ فيه تعزية للرسول أيضاً إذ الواقع أن أكثر الناس لا يعلمون إذ لو علموا لما ترددوا في عبادة الله وتوحيده والتقرب إليه طمعا فيما عنده وخوفاً مما لديه. وقوله: ﴿وَيَقُولُونَ﴾ أي أهل مكة من منكري البعث والجزاء ﴿مَتَى هَذَا الْوَعْدُ (٢) ﴾ أي العذاب الذي تهددنا به وتخوفنا بنزوله بنا إن كنتم أيها المؤمنون صادقين فيما تقولون لنا وتعدونا به. وهنا أمر الله تعالى رسوله أن يرد على استهزائهم وتكذيبهم بقوله: ﴿قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ (٣) ﴾ يوم معيّن عندنا محدد لا تستأخرون عنه ساعة لو طلبتم ذلك لتتوبوا وتستغفروا ولا تستقدمون أخرى لو طلبتم تعجيله إذ الأمر مبرم محكمٌ لا يقبل النقص ولا الزيادة ولا التبديل ولا التغيير.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- مشروعية التلطف مع الخصم فسحاً له في مجال التفكير لعله يثوب إلى رشده.
٢- تقرير عقيدة البعث والجزاء وتنويع الأسلوب الدعوي في ذلك.
٣- تقرير عقيدة النبوة المحمدية، وعموم رسالة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الناس كافة.
٤- يوم القيامة مقرر الساعة واليوم فلا يصح تقديمه ولا تأخيره بحال.
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (٣١) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (٣٢)
وَقَالَ الَّذِينَ

١ - إذ كانوا يوم نزول هذه الآية أكثرية والمؤمنون أقلية وحتى اليوم أكثر الناس لا يعلمون جلال الله وجماله وأسماءه وصفاته وما عنده وما لديه، ولا محابه ولا مكارهه.
٢ - الاستفهام للاستبعاد مشوباً بالتعجب من كثرة سؤالهم عن هذا الوعد.
٣ - الميعاد مصدر ميمي وهو الوقت المعين لحدوث الشيء وهو هنا إما يوم القيامة أو حضور الموت وجائز أن يكون يوم هلاكهم وهو يوم بدر وإضافته بيانية.

صفحة رقم 321
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
عرض الكتاب
المؤلف
جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري
الناشر
مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة
سنة النشر
1424
الطبعة
الخامسة
عدد الأجزاء
5
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية