آيات من القرآن الكريم

وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ ۗ وَرَبُّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ
ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ

بِالتَّقْدِيرِ وَالْمَفَاوِزُ لَا يَتَقَدَّرُ السَّيْرُ فِيهَا بَلْ يَسِيرُ السَّائِرُ فِيهَا بِقَدْرِ الطَّاقَةِ جَادًّا حَتَّى يَقْطَعَهَا، وَقَوْلُهُ: سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً أَيْ كَانَ بَيْنَهُمْ لَيَالٍ وَأَيَّامٌ مَعْلُومَةٌ، وَقَوْلُهُ: آمِنِينَ إِشَارَةٌ إِلَى كَثْرَةِ الْعِمَارَةِ، فَإِنَّ خَوْفَ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَالِانْقِطَاعِ عَنِ الرَّقِيقِ لَا يَكُونُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَمَاكِنِ، وَقِيلَ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: لَيالِيَ وَأَيَّاماً تَسِيرُونَ فِيهِ إِنْ شِئْتُمْ لَيَالِيَ وَإِنْ شِئْتُمْ أَيَّامًا لِعَدَمِ الْخَوْفِ بِخِلَافِ الْمَوَاضِعِ الْمَخُوفَةِ فَإِنَّ بَعْضَهَا يُسْلَكُ لَيْلًا، لِئَلَّا يَعْلَمَ الْعَدُوُّ بِسَيْرِهِمْ، وَبَعْضُهَا يُسْلَكُ نَهَارًا لِئَلَّا يَقْصِدَهُمُ الْعَدُوُّ، إِذَا كَانَ الْعَدُوُّ غَيْرَ مُجَاهِرٍ بِالْقَصْدِ وَالْعَدَاوَةِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا قِيلَ بِأَنَّهُمْ طَلَبُوا ذَلِكَ وَهُوَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَسْأَلُوا بَطَرًا كَمَا طَلَبَتِ الْيَهُودُ الثُّومَ وَالْبَصَلَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِفَسَادِ اعْتِقَادِهِمْ وَشِدَّةِ اعْتِمَادِهِمْ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يُقْدَرُ كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ لِغَيْرِهِ اضْرِبْنِي إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بِلِسَانِ الْحَالِ، أَيْ لَمَّا كَفَرُوا فَقَدْ طَلَبُوا أَنْ يُبَعِّدَ/ بَيْنَ أَسْفَارِهِمْ وَيُخَرِّبَ الْمَعْمُورَ مِنْ دِيَارِهِمْ، وَقَوْلُهُ: وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ يَكُونُ بَيَانًا لِذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ أَيْ فَعَلْنَا بِهِمْ مَا جَعَلْنَاهُمْ بِهِ مَثَلًا، يُقَالُ: تَفَرَّقُوا أَيْدِيَ سَبَأٍ، وَقَوْلُهُ:
وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ بَيَانٌ لِجَعْلِهِمْ أَحَادِيثَ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ أَيْ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَالِ الشَّاكِرِينَ وَوَبَالِ الكافرين. ثم قال تعالى:
[سورة سبإ (٣٤) : آية ٢٠]
وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٠)
أَيْ ظَنُّهُ أَنَّهُ يُغْوِيهِمْ كَمَا قَالَ: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ [ص: ٨٢] وَقَوْلُهُ: فَاتَّبَعُوهُ بَيَانٌ لِذَلِكَ أَيْ أَغْوَاهُمْ، فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّهِمْ: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ [الْحِجْرِ: ٤٢] وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: صَدَّقَ عَلَيْهِمْ ظَنَّهُ فِي أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْهُ: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ [الأعراف: ١٢] وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ فَاتَّبَعُوهُ لِأَنَّ الْمَتْبُوعَ خَيْرٌ مِنَ التَّابِعِ وَإِلَّا لَا يَتْبَعُهُ الْعَاقِلُ وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إِبْلِيسَ خَيْرٌ مِنَ الْكَافِرِ، هُوَ أَنَّ إِبْلِيسَ امْتَنَعَ مِنْ عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ فِي امْتِنَاعِهِ ترك عبادة الله عنادا كفر، والمشكر يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ فَهُوَ كَفَرَ بِأَمْرٍ أَقْرَبَ إِلَى التَّوْحِيدِ، وَهُمْ كَفَرُوا بِأَمْرٍ هُوَ الْإِشْرَاكُ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا الَّذِي اخْتَرْنَاهُ الِاسْتِثْنَاءُ، وَبَيَانُهُ هُوَ أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ أَنَّهُ يُغْوِي الْكُلَّ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ عَنْهُ: إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ص: ٧٦] فَمَا ظَنَّ أَنَّهُ يُغْوِي الْمُؤْمِنِينَ فَمَا ظَنَّهُ صَدَّقَهُ وَلَا حَاجَةَ إِلَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَأَمَّا فِي قَوْلِهِ: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ اعْتَقَدَ الْخَيْرِيَّةَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ بِدَلِيلِ تَعْلِيلِهِ بِقَوْلِهِ: خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [الْأَعْرَافِ: ١٢] وَقَدْ كَذَبَ فِي ظَنِّهِ فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ إِغْوَاءَ الْكُلِّ وَعَلِمَ أَنَّ الْبَعْضَ نَاجٍ، لَكِنْ ظَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ ذَلِكَ النَّاجِيَ، إِلَى أَنْ تَبَيَّنَ لَهُ فَظَنَّ أَنَّهُ يُغْوِيهِ فَكَذَبَ فِي ظَنِّهِ فِي حَقِّ الْبَعْضِ وَصَدَقَ في البعض. ثم قال تعالى:
[سورة سبإ (٣٤) : آية ٢١]
وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٢١)
قَدْ ذَكَرْنَا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ [الْعَنْكَبُوتِ: ٣] أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ مِنَ الْأَزَلِ إِلَى الْأَبَدِ مُحِيطٌ بِكُلِّ مَعْلُومٍ وَعِلْمُهُ لَا يَتَغَيَّرُ وَهُوَ فِي كَوْنِهِ عَالِمًا لَا يَتَغَيَّرُ وَلَكِنْ يَتَغَيَّرُ تَعَلُّقُ علمه،

صفحة رقم 202
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية