آيات من القرآن الكريم

إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا
ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ ﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ ﰿ ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ ﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ ﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂ

يصلون على النبي، ثم حذف من الأول لدلالة الثاني وقد قرد بعض النحويين هذا التقدير في الآية مع النصب، وقال: يبعد أن يجتمع ضمير الله جل ذكره مع غيره إجلالاً له وتعظيماً، ثم استدل على ذلك بإنكار النبي ﷺ على الذي قال: ما شاء الله وشئت فقال: " ما شاء اللهُ، ثُمَّ شِئْتَ " فالواو كالجمع. فالمعنى/: إن الله وملائكته يباركون على النبي، قاله ابن عباس.
وقيل: إن الله يرحم على النبي وملائكته يدعون له، فهذا التقدير أيضاً مما يقوي تقدير الحذف من الأول، ويكون يصلون للملائكة خاصاً لأن الصلاة من غير الله دعاء، وقد علمنا النبي ﷺ كيف نصلي عليه، فقال: " قُولُوا اللهُمَّ صَلِّ عَلَى محَمد وعلَى آلِ مُحَمَدٍ كما صَلَّيْتَ علَى إبْرَاهِيمَ، وبَارك عَلَى مُحَمدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمدٍ كَمَا بَارَكتَ عَلَى إبْراهيم في العَالَمِينَ إنَّك حَمِيدٌ مَجيدٌ، والسَّلاَمُ كَمَا قَد عَلمتُم ".
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الذين يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ﴾ إلى آخر السورة.
أي: إن الذين يؤذون أولياء الله، قاله الشعبي.
روى أبو هريرة أن النبي ﷺ قال: " قال الله تعالى: " شَتَمَنِي عَبْدِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ

صفحة رقم 5867

يَشْتُمَنِي، وَكَذَبَنِي عَبْدِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُكَذِّبَنِي فَأَمَا شَتْمُهُ إِيَّيَ فَقَوْلُهُ: إِنِّي اتَّخَذْتُ وَلَداً، وَأَنَا الأَحَدُ الصَّمَدُ. وَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَإِنَّهُ زَعَمَ أَنْ لَنْ يُبْعَثَ - يَعْنِي بَعدَ المَوْتِ - " وقال عكرمة: هم أصحاب التصاوير.
وقيل: إنهم يعصون الله ويركبون ما حرم عليهم فذلك أذاهم.
ثم قال تعالى: ﴿والذين يُؤْذُونَ المؤمنين والمؤمنات بِغَيْرِ مَا اكتسبوا﴾.
قال مجاهد: يَقْفُونَ فيهم بغير ما عملوا.
وقيل: إنها نزلت في الذين طعنوا على النبي ﷺ حين نكح صفية بنت حُيي.
ثم قال: ﴿لَعَنَهُمُ الله فِي الدنيا والآخرة﴾ أي: أبعدهم من رحمته.
ثم قال: ﴿فَقَدِ احتملوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً﴾ أي: وزر كذب وفرية شنعية، ﴿وَإِثْماً مُّبِيناً﴾ أي: بَيِّنٌ لسامعه أنه إثم وزور. والبهتان أفحش الكذب.

صفحة رقم 5868

ثم قال تعالى: ﴿يا أيها النبي قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ المؤمنين﴾ الآية. أي: قل لهن يرخين عليهن أرديتهن لئلا يشتبهن بالإماء في لباسهن إذا خرجن لحاجتهن فيكشفن شعورهن ووجوههن، ولكن يدنين عليهن من جلابيبهن لئلا يعرض لهن فاسق.
قال ابن عباس في معناها: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب، وبيدين عيناً واحدة.
وعنه أيضاً أنه قال: كانت الحرة تلبس لباس الأمة، فأمر الله نساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن، وإدناء الجلباب أن تقنع به وتشده على جبينها.
وقال أبو مالك والحسن: كان النسء يخرجن بالليل في حاجاتهن فيؤذيهن المنافقون ويتوهمون أنهن إماء فأنزل الله الآية. وكان عمر رضي الله إذا رأى أمة قد تقنعت علاَهَا بالدِّرَة.
وقال ابن سيرين: سألت عبيدة عن قوله: ﴿يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ﴾ فقال: تغطي

صفحة رقم 5869

حاجبها بالرداء أو ترده على أنفها حتى يغطي رأسها ووجهها وإحدى عينيها.
وقال مجاهد: يتجلببن حتى يعرفن فلا يؤذين بالقول.
وقال الحسن: ﴿ذلك أدنى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ﴾ أي: يعرفن حرائر فلا يؤذين.
قال ابن عباس وابن مسعود: الجلباب الرداء.
وقال المبرد: الجلباب كل ملحفة تستر من ثوب أو ملحفة.
ثم قال: ﴿وَكَانَ الله غَفُوراً﴾ لما سلف منهم من ترك إدنائهن جلابيبهن عليهن، ﴿رَّحِيماً﴾ بهن أن يعاقبهن بعد موتهن.
ثم قال تعالى: ﴿لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ المنافقون والذين فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ﴾ أي: لئن لم ينته الذين يسرون الكفر.
﴿والذين فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ﴾ أي: شهوة من الزنى من المنافقين.
﴿والمرجفون فِي المدينة﴾ أي: أهل الإرجاف في المدينة بالكذب والباطل يشيعون

صفحة رقم 5870

ما يخوفون به المؤمنين، وهم المافقين، أيضاً هم أجناس قد جمعوا هذه الأسماء كلها.
قال قتادة: أراد المنافقون أن يظهروا ما في قلوبهم من النفاق فتوعدهم الله بهذه الآية فكتموا نفاقهم وستروه.
ثم قال تعالى: ﴿لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ﴾ أي لنسلطنك عليهم، وقد أغراه بهم بقوله جل ذكره: ﴿وَلاَ تُصَلِّ على أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ على قَبْرِهِ﴾ [التوبة: ٨٤] وأمره بلعنهم.
وقال المبرد: قد أغراه بهم في قوله: ﴿أَيْنَمَا ثقفوا أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقْتِيلاً﴾ قال: وهذا فيه معنى الأمر بقتلهم وأخذهم، أي: هذا حكمهم إذ قاما على النفاق والإرجاف في المدينة. وهو مثل قول النبي ﷺ: " خَمسٌ يُقتَلْنَ فِي الحَرَمِ " ففيه معنى الأمر ولفظه خبر.

صفحة رقم 5871

وقيل: إنهم انتهوا عن الإرجاف/.
وقيل: إنه لقوم بأعيانهم.
قال ابن عباس: " لنغرينك " لنسلطنك.
وقال قتادة: لنحرشنك.
وقد استشهد من قال بجوار ترك إنفاذ الوعيد بهذه الآية، وقال: قد تواعدهم الله بأن يغري نبيه عليهم ولم يفعل.
وقال من يخالفه: قد أغراه بهم، وأنفذ وعيده فيهم. وبقاء المنافقين مع النبي ﷺ في المدينة إلى أن توفي يدل على أن الله لم ينفذ الوعيد فيهم لأن من تمام وعيده فيهم: قوله: ﴿ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ وهو مذهب أهل السنة. إذ المعروف من عادات الكرماء وأهل الفضل والشرف إتمام وعدهم وتأخير إنفاذ وعيدهم بالعفو والمعروف بالإحسان، ولا أحد أكرم من الله ولا أبين فضلاً وشرفاً منه فهو أولى بالعفو والإحسان وترك إنفاذ وعيده في المؤمنين.
ثم قال: ﴿ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ أي: إن لم ينتهوا عن الإرجاف سلطتك عليهم

صفحة رقم 5872

ولا يقيموا معك في المدينة إلا وقتاً قليلاً. وهذا وقف إن جعلت ﴿مَّلْعُونِينَ﴾ نصباً على الذم. فإن جعلته حالاً وقفت على ﴿مَّلْعُونِينَ﴾. وهو قول الأخفش وغيره وهو حال من المضمر في ﴿يُجَاوِرُونَكَ﴾.
وأجاز بعض النحويين أن يكون حالاً من المضمر في ﴿أُخِذُواْ﴾، وذلك لا يجوز لأن ما بعد حرف الشرط لا يعمل فيما قبله. ولا يحسن الوقف على " تقتيلاً "، لأن " سُنَّةَ " انتصبت على فعل دل عليه ما قبله، فما قبله يقوم له مقام العامل.
ومعنى ﴿مَّلْعُونِينَ﴾ أي: مطرودين ومبعدين.
﴿أَيْنَمَا ثقفوا﴾ أي: وجدوا، ﴿أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ﴾ لكفرهم بالله.
ثم قال تعالى: ﴿سُنَّةَ الله فِي الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلُ﴾ أي: سن الله ذلك سنة في الذين ينافقون على الأنبياء ويرجفون بهم أن يُقَتَّلوا حيث ما وجدوا.
ثم قال: ﴿وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلاً﴾ أي: ولا تجد يا محمد لسنة الله التي سنها في خلقه تغييراً.

صفحة رقم 5873

ثم قال تعالى: ﴿يَسْأَلُكَ الناس عَنِ الساعة﴾ أي: عن قيامها ومتعى تكون.
﴿قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ الله﴾ أي: علم وقت قيامها عند الله لا يعملها إلا هو.
ثم قال: ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ الساعة تَكُونُ قَرِيباً﴾ أي: وما يشعرك يا محمد، لعل قيام الساعة يكون منك قريباً قد دنا وحان. وذكر قريباً على معنى الوقت والقيام.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ الله لَعَنَ الكافرين وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً﴾ أي: أبعدهم من كل خير وأعدَّ لهم في الآخرة ناراً ماكثين فيها أبداً، لا يجدون ولياً يمنعهم منها، ولا نصيراً ينصرهم فيخرجهم من عذابها.
ثم قال: ﴿يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النار﴾ أي: لا يجدون ولياً ولا نصيراً في هذا اليوم الذي تقلب فيه وجوههم في النار. قائلين: ﴿ياليتنآ أَطَعْنَا الله وَأَطَعْنَا الرسولا﴾ أي: في الدنيا ندامة وحسرة ما فات.
ثم قال: ﴿وَقَالُواْ رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا﴾ أي: وقال هؤلاء الذين تقدمت صفتهم في النار: يا ربنا إنا أطعنا في الكفر سادتنا، أي أئمتنا وكبراءنا.
﴿فَأَضَلُّونَا السبيلا﴾ أي: أزالونا عن محجة الحق وطريق الهدى.
﴿رَبَّنَآ آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ العذاب﴾ أي: عذّبهم مثلي عذابنا.
﴿والعنهم لَعْناً كَبِيراً﴾ أي: أخزهم خزياً كبيراً.
ففي هذه الآية زجر عن التقليد لأنهم لو نظروا لظهر لهم أنهم على ضلال، ولكنهم قلدوا ضلالاً فضلوا.
ثم قال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كالذين آذَوْاْ موسى﴾ أي: لا تؤذوا رسول الله ﷺ

صفحة رقم 5874

بقول يكرهه، فتكونوا أمثال بني إسرائيل الذين رموا موسى بعيب كذب، فبراءه الله مما رموه به.
﴿وَكَانَ عِندَ الله وَجِيهاً﴾ أي: ذا منزلة ودرجة رفيعة كلمه تكليماً.
روى أبو هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: " كانَ مُوسَى رَجُلاً حَيِيّاً فَكَانَ لا يُرَى مُتَجَرِّداً، فقالَ بَنُو إِسْرائيلَ: إنَّهُ آدرُ، فذَهَبَ مُوسَى يَغْتَسِلُ فَوَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى حَجَرٍ فَمَرَّ الحَجَرُ يَسْعَى بِثِيَابِهِ فَتَبِعَهُ مُوسَى فقالَ: ثِيابِي حَجرٌ! ومرَّ بمجلسِ بني إسرائيل فَرَأَوْهُ فبرَّأه الله مما قالوا " وكذلك ذكر ابن عباس وابن زيد وغيرهما.
وعن أبي هريرة أنه رموه بالبرص فبرأه الله من ذلك.
وروي عن البي عليه السلام أنه قال: " إنَّ موسى كانَ رجلاً حَيِياً سِتِّيراً لا يكاد يُرى من جِلدِهِ شَيءٌ استحياءً منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل/، وقالوا: ما استَتَرَ هذا إلاَّ من عَيبٍ بِجلدِهِ، إِمَّا أَدْرَة وإِمَّا بَرَصٌ، وإمَّا آفة، فبرَّأه الله مما قالوا بِالحَجَرِ ".

صفحة رقم 5875

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنهـ: " صعد موسى وهارون الجبل فمات هارون، فقالت بنو إسرائيل: أنت قتلته وكان أشد حُبّاً لنا منك وأَلْيَنَ لنا منك، فآذوه بذلك فأمر الله الملائكة فحملته، حتى مروا به على بني إسرائيل وتكلمت الملائكة بموته حتى عرف بنو إسرائيل أنه قد مات، فبرأه الله من ذلك فانطلقوا به فدفنوه فلم يطلع أحد من خلق الله على قبره إلا الرَّخم فجعله الله أصَمَّ أَبْكَمَ ".
ثم قال: ﴿يا أيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله﴾ أي: لا تعصوه.
﴿وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً﴾ أي: قولوا في رسول الله قولاً عدلاً حقاً. قال مجاهد.
وقال عكرمة: " قولاً سديداً " لا إله إلا الله وما أشبهها من الصدق.
ثم قال: ﴿يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾ أي: يوفقكم لصالح الأعمال.

صفحة رقم 5876

﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ أي: لا يعذبكم عليها بعد توبتكم منها.
﴿وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ﴾ أي: فيما أمر به ونهى عنه.
﴿فَقَدْ فَازَ﴾ أي: نجا وظفر بالكرامة.
﴿فَوْزاً عَظِيماً﴾ أي: نجا نجاة عظيمة.
﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة عَلَى السماوات والأرض﴾ الآية.
قال ابن جبير والحسن الأمانة: الفرائض التي افترضها الله على عباده، فلم تقدر على حملها، وعرضت على آدم فحملها. ﴿إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً﴾ أي لنفسه، ﴿جَهُولاً﴾. أي جاهلاً بالذي له فيه الحظ. قال جويبر: فلما عرضت على آدم، قال: أي رب [وما الأمانة]؟ فقيل له: إن أدّيتَها جُزِيتَ وإن أضَعتَها عُوقِبْتَ، قال أي رب، حملتها بما فيها، قال: فما مكث في الجنة إلا قدر ما بين العصر إلى غروب الشمس حتى عمل بالمعصية فأُخْرِجَ منها.
وروي هذ القول عن ابن عباس، قال ابن عباس: عرضت الفرائض على السماوات والأرض والجبال فكرهن ذلك وأشفقن من غير معصية، ولكن تعظيماً

صفحة رقم 5877

لدين الله ألا يقيمن به، ثم عرضها على آدم فقبلها. والحمل ها هنا من الحمالة والضمان، وليس من الحمل على الظهر ولا في الصدر.
وقيل: الأمانة ها هنا أمانات الناس والصلاة والصوم والوضوء. وهذا القول كالأول لأنه كله فروض وأداء أمانات الناس فرض فهو القول الأول بعينه.
وقيل: هو ائتمان آدم ولده قاببيل على أخيه هابيل فقتله، رواه السدي عن ابن عباس في حديث مرسل.
وقيل: المعنى: إنا عرضنا الأمانة على أهل السماوات وأهل الأرض وأهل الجبال من الملائكة والجن والإنس، فأبين أن يحملنها، أي يحملن وزورها، وحملها الإنسان، يعني الكافر والمنافق.
وذكر القتبي: أن الله جل ذكره عهد إلى آدم وأمره حرم عليه وأحل له فعمل بذلك، فلما حضرته الوفاة سأل الله أن يعلمه من سيخلفه بعده ويقلده من الأمانة ما قلد، فأمره أن يعرض ذلك على السماوات والأرض والجبال بالشرط الذي شرطه الله عليه من الثواب إن وفى والعقاب إن عصى، فأبين أن يقبلن ذلك شفقاً من عقاب

صفحة رقم 5878

الله، ثم أمره أن يعرض ذلك على ولده فقبله بالشرط لجهله لعاقبة ما تقلد. ولذلك ظهر إيمان المؤمن ونفاق المنافق وكفر الكافر، ولذلك قال تعالى بعد ذلك: ﴿لِّيُعَذِّبَ الله المنافقين والمنافقات﴾ إلى آخر السورة.
فقال أبو إسحاق في الأمانة: إن الله جل ذكره ائتمن بني آدم على ما افترضه عليهم من طاعته، وائتمن السماوات والأرض والجبال على طاعته والخضوع له، فأما السماوات والأرض والجبال فأعلمتا بطاعتهن له، قال تعالى:
﴿ثُمَّ استوى إِلَى السمآء﴾ الآية،
﴿قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ﴾ [فصلت: ١١]. وأعلمنا أن من الحجارة ما يهبط من خشية الله، وأن الشمس والقمر والنجوم (والملائكة) يسبحون لله، فأعلمنا أن السماوات والأرض والجبال أبين أن يحملن الأمانة وتأديتها، - وأداؤها طاعة الله فيما أمر به وترك المعصية - وحملها الإنسان.
قال الحسن: الكافر والمنافق حملا الأمانة، أي: خاناها ولم يطيقاها. وتصديق

صفحة رقم 5879

ذلك قوله: ﴿لِّيُعَذِّبَ الله المنافقين﴾ الآية.
وقيل: المعنى: أن الله جل ذكره عرض على السماوات أن ينزل قطرها في إبَّانِه بلا ملائكة يوكلون بها، وعلى أن لها الثواب وعليها العقاب فأبت، وعرض على الأرض أن يخرج نباتها وأنهارها وما يكون/ منها في آجاله بلا ملائكة يوكلون بها، وعلى أن لها الثواب وعليها العقاب فأبت، وعرض على الجبال أن تفجر أنهارها وتخرج ثمارها وأشجارها على أن لها الثواب وعليها العقاب فأبت وأشفقت الجميع من العقاب، وعَرض على آدم أداء الفرائض على أنه له الثواب وعليه العقاب، قال: بين أذني وعاتقي فولك معه ملائكة يسددونه ويوفقونه.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾.
قال الضحاك: ظلوماً لنفسه، جاهلاً فيما احتمل بينه وبين ربه.
وقال قتادة: ظلوماً لها - يعني الأمانة - جهولاً عن حقها.
ثم قال: ﴿لِّيُعَذِّبَ الله المنافقين والمنافقات﴾ إلى آخر السورة، أي: حملها الإنسان كي يعذب الله هؤلاء، ويتوب على هؤلاء. وقرأ الحسن: " وَيَتُوبُ " بالرفع.
ثم قال: ﴿وَكَانَ الله غَفُوراً﴾ أي: ساتراً لذنوب المؤمنين والمؤمنات.

صفحة رقم 5880

﴿رَّحِيماً﴾ أن يعذبهم عليها بعد توبتهم منها.
قال قتادة: " ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ": هما اللذان خاناها اللذان ظلماها - يعني الأمانة - هما المنافق والكافر " ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات " هما اللذان أدياها. وكذلك كان الحسن يقول.

صفحة رقم 5881
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية