آيات من القرآن الكريم

هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا
ﰂﰃﰄ ﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ

عليه السلام مع أهله وأقاربه بقوله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ [الْأَحْزَابِ: ٢٨] وَاللَّهُ تَعَالَى يَأْمُرُ/ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا يَأْمُرُ بِهِ أَنْبِيَاءَهُ الْمُرْسَلِينَ فَأَرْشَدَ عِبَادَهُ كَمَا أَدَّبَ نَبِيَّهُ وَبَدَأَ بِمَا يتعلق بجانبه من التعظيم فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً كما قال لنبيه: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ [الأحزاب: ١].
ثم هاهنا لَطِيفَةٌ وَهِيَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ قَدْ يَنْسَى ذِكْرَ اللَّهِ فَأُمِرَ بِدَوَامِ الذِّكْرِ، أَمَّا النَّبِيُّ لِكَوْنِهِ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ لَا يَنْسَى وَلَكِنْ قَدْ يَغْتَرُّ الْمُقَرَّبُ مِنَ الْمَلِكِ بِقُرْبِهِ مِنْهُ فَيَقِلُّ خَوْفُهُ فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّ الْمُخْلِصَ عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ وَحَسَنَةُ الْأَوْلِيَاءِ سَيِّئَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَقَوْلُهُ: ذِكْراً كَثِيراً قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ اللَّهَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَوَاضِعِ لَمَّا ذَكَرَ الذِّكْرَ وَصَفَهُ بِالْكَثْرَةِ إِذْ لَا مَانِعَ مِنَ الذِّكْرِ عَلَى مَا بينا. وقوله تعالى:
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٤٢]
وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٤٢)
أَيْ إِذَا ذَكَرْتُمُوهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذِكْرُكُمْ إِيَّاهُ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ وَالتَّنْزِيهِ عَنْ كُلِّ سُوءٍ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالتَّسْبِيحِ وَقِيلَ الْمُرَادُ مِنْهُ الصَّلَاةُ وَقِيلَ لِلصَّلَاةِ تَسْبِيحُهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا إِشَارَةً إِلَى الْمُدَاوَمَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ مُرِيدَ الْعُمُومِ قَدْ يَذْكُرُ الطَّرَفَيْنِ وَيَفْهَمُ مِنْهُمَا الْوَسَطَ
كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ»
وَلَمْ يَذْكُرْ وَسَطَكُمْ فَفُهِمَ مِنْهُ الْمُبَالَغَةُ في العموم. ثم قال تعالى:
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٤٣]
هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (٤٣)
يَعْنِي هُوَ يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَيَرْحَمُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَذْكُرُونَهُ فَذَكَرَ صَلَاتَهُ تَحْرِيضًا لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى الذِّكْرِ وَالتَّسْبِيحِ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ يَعْنِي يَهْدِيَكُمْ بِرَحْمَتِهِ وَالصَّلَاةُ مِنَ اللَّهِ رَحْمَةٌ وَمِنَ الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارٌ فَقِيلَ بِأَنَّ اللَّفْظَ الْمُشْتَرَكَ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي مَعْنَيَيْهِ مَعًا وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي لَفْظٍ جَائِزٍ وَيُنْسَبُ هَذَا الْقَوْلُ إِلَى الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ غَيْرُ بَعِيدٍ فَإِنْ أُرِيدَ تَقْرِيبُهُ بِحَيْثُ يَصِيرُ فِي غَايَةِ الْقُرْبِ نَقُولُ الرَّحْمَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ يَشْتَرِكَانِ فِي الْعِنَايَةِ بِحَالِ الْمَرْحُومِ وَالْمُسْتَغْفَرِ لَهُ وَالْمُرَادُ هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ فَتَكُونُ الدَّلَالَةُ تَضَمُّنِيَّةً لِكَوْنِ الْعِنَايَةِ جزأ مِنْهُمَا وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً بِشَارَةٌ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ يُصَلِّي عَلَيْكُمْ غَيْرُ مختص بالسامعين وقت الوحي.
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٤٤]
تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً (٤٤)
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ لَمَّا بَيَّنَ اللَّهُ عِنَايَتَهُ فِي الْأُولَى بَيَّنَ عِنَايَتَهُ فِي الْآخِرَةِ وَذَكَرَ السَّلَامَ لِأَنَّهُ هُوَ الدَّلِيلُ عَلَى الْخَيْرَاتِ فَإِنَّ مَنْ لَقِيَ غَيْرَهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ دَلَّ عَلَى الْمُصَافَاةِ بَيْنَهُمَا وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ دَلَّ عَلَى الْمُنَافَاةِ وَقَوْلُهُ: يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ فِي دُنْيَاهُ غَيْرُ مُقْبِلٍ بِكُلِّيَّتِهِ عَلَى اللَّهِ وَكَيْفَ وَهُوَ حَالَةَ نَوْمِهِ غَافِلٌ عَنْهُ وَفِي أَكْثَرِ أَوْقَاتِهِ مَشْغُولٌ بِتَحْصِيلِ رِزْقِهِ، وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَلَا شُغْلَ لِأَحَدٍ يُلْهِيهِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَهُوَ حَقِيقَةُ اللِّقَاءِ.
ثُمَّ قَالَ تعالى: وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً لو قائل قال الْإِعْدَادُ إِنَّمَا يَكُونُ مِمَّنْ لَا يَقْدِرُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَى الشَّيْءِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا اللَّهُ تَعَالَى فَلَا حَاجَةَ وَلَا عَجْزَ فَحَيْثُ يَلْقَاهُ اللَّهُ يُؤْتِيهِ مَا يَرْضَى بِهِ وَزِيَادَةً فَمَا مَعْنَى الْإِعْدَادِ مِنْ قَبْلُ فَنَقُولُ الْإِعْدَادُ لِلْإِكْرَامِ لَا لِلْحَاجَةِ وَهَذَا كَمَا أَنَّ الْمَلِكَ إِذَا قِيلَ لَهُ فُلَانٌ وَاصِلٌ، فَإِذَا أَرَادَ إِكْرَامَهُ يُهَيِّئُ له بيتا

صفحة رقم 172
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية