آيات من القرآن الكريم

وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا ۚ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا
ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ

وقيل: معنى ﴿صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ الله عَلَيْهِ﴾ الإسلام.
وقوله: ﴿وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً﴾ أي: ما غيّروا العهد ولا الذين كما غيره المعوقون القائلون لأخوانهم هلم إلينا.
قال قتادة: معناه ما شكوا ولا ترددوا في دينهم ولا استبدلوا به غيره.
ثم قال تعالى: ﴿لِّيَجْزِيَ الله الصادقين بِصِدْقِهِمْ﴾ أي: صدقوا ليثبت أهل الصدق منهم بصدقهم الله على ما عاهدوا عليه.
﴿وَيُعَذِّبَ المنافقين إِن شَآءَ﴾ بكفرهم ونقضهم ما عاهدوا الله عليه، أو يتوب عليهم، أي يخرجهم من النفاق إلى الإيمان به.
ومعنى الاستثناء في هذا أن المعنى: ويعذب المنافقين بأن لا يتوب عليهم، ولا يوفقهم للتوبة، فيموتوا على نفاقهم إن شاء، فيجب عليهم العذاب، فعذاب المنافق لا بد منه لأنه كافر، والاستثناء إنما هو من أجل التوفيق لا من أجل العذاب، ويبين ذلك قوله: ﴿أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ فالمعنى ويعذب المنافقين إن لم يهدهم للتوبة، أو يتوب عليهم فلا يعذبهم.
ثم قال: ﴿إِنَّ الله كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً﴾ أي: أن الله لم يزل ذا ستر على ذنوب التائبين، رحيماً بهم أن يعذبهم بعد توبتهم.
قوله تعالى ذكره: ﴿وَرَدَّ الله الذين كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ﴾ إلى قوله: ﴿أَجْراً عَظِيماً﴾.
أي: ورد الله الأحزاب بغيظهم أي بِكَرْبِهِم وعمهم لفوتهم ما أملوا من الظفر لم

صفحة رقم 5817

ينالوا من المسلمين مالاً ولا غيره.
﴿وَكَفَى الله المؤمنين القتال﴾ بالريح/ والجنود التي أنزل الله من الملائكة.
روى عبد الرحمن بن أبي سعدي الخدري عن أبيه أنه قال: حُبِسْنَا يَوْمَ الخَنْدَقِ عَنِ الصَّلاةِ فَلَمْ نُصَلِّ الظُّهْرَ وَلاَ العَصْرَ وَلاَ المَغْرِبَ وَلاَ العِشَاءَ حَتَّى كَانَ بَعْدَ العِشَاءِ بِهَويٍّ فَكَفَيْنَا فَأنْزَلَ اللهُ تَعالى: ﴿وَكَفَى الله المؤمنين القتال﴾ الآية " فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِلالاً فَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَصلَّى الظُّهْرَ فَأَحْسَنَ صَلاتَهَا كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا، ثُمَّ صَلَّى العَصْرَ كَذَلِكَ، ثُمَّ صَلَّى المَغْرِبَ كَذَلِكَ، ثُمَّ صَلَّى العِشَاءَ كَذَلِكَ، لِكُلِّ صَلاَةٍ إِقَامَةٌ.
وقوله: ﴿وَكَانَ الله قَوِيّاً عَزِيزاً﴾ أي: قوياً في أمره عزيزاً في نقمته.
ثم قال تعالى: ﴿وَأَنزَلَ الذين ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الكتاب مِن صَيَاصِيهِمْ﴾ يعني بني النضير وبني قريظة عاونوا المشركين على النبي وأصحابه، فأنزلهم الله من حصونهم ﴿وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرعب فَرِيقاً تَقْتُلُونَ﴾ يعني المُقَاتِلَةَ.
﴿وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً﴾ يعني النساء والصبيان كما حكم فيهم سعد، لأنهم حكموه في أنفسهم لحلف كان بينهم وبين قوم سعد فطمعوا أن يميل معهم، فلم تأخذه في الله

صفحة رقم 5818

لومة لائم، وحكم بقتل ماقتلهم وسبي ذراريهم، وقد مضى ذكر ذلك.
وأصل الصَّيْصَّةِ ما تمنتع به، فلذلك قيل للحصن صيصية لأنه يمتنع به، ولذلك يقال لقرون البقر صياصي لأنها يمتنع بها.
وذكر قتادة وغيره: " أن النبي ﷺ بعد ذهاب الأحزاب عنه دخل بيت زينت بنت جحش يغسل رأسه فبينما هو يغسله إذ أتاه جبريل ﷺ، فقال: عفا الله عنك، ما وضعت الملائكة سلاحها منذ أربعين ليلة، فانهض إلى بني قريظة فإني قطعت أوتادهم وفتحت أبوابهم وتركتهم في زلزال وبَلْبَالِ فاسْتَلأَمَ ﷺ، ثم سلك شق بني غنم، فاتَّبَعَهُ الناس، فأتاهم رسول الله فحاصرهم، وناداهم يا أخوة القرود، فقالوا: يا أبا القاسم ما كنت فاحشاً، فنزلوا على حكم سعد فحكم بقتل مقاتلهم - وكانوا ست مائة -، وسبي ذراريهم، وقسم عقارهم بين المهاجرين دون الأنصار، فقال

صفحة رقم 5819

قومه: أَأَثَرْتَ المهاجرين بالعقار علينا، قال: فإنكم كنتم ذوي عقار وأن المهاجرين لا عقار لهم ".
ثم قال تعالى: ﴿وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ﴾ أي: ملككم ذلك بعد مهلكهم.
ثم قال: ﴿وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَا﴾.
قال الحسن: هي أرض فارس والروم ونحوهما من البلاد.
وقال قتادة هي مكة.
وقال يزيد بن رومان: هي خيبر. وكذلك قال ابن زيد.
ثم قال: ﴿وَكَانَ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً﴾ أي: لا يعتذر عليه ما أراد.
ثم قال: ﴿يا أيها النبي قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الحياة الدنيا﴾ الآية أي: إن كنتن تَخْتَرنَ الحياة الدنيا على الآخرة.
﴿فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ﴾ بما أوجب الله على الرجال لنسائهم من المتعة عند مفارقتهن بالطلاق.

صفحة رقم 5820

ومعنى ﴿وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً﴾: أطلقكن طلاقاً جميلاً، أي: على ما أذن الله به وأدب به عباده، وهو قوله ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ [الطلاق: ١].
ثم قال: ﴿وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الله وَرَسُولَهُ﴾ رضي الله ورسوله، ﴿فَإِنَّ الله أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً﴾ أي: للعاملات منكن بأمر الله ورسوله أجراً عظيماً.
روي أن هذه الآية نزلت من أجل عائشة سألت رسول الله شيئاً من عرض الدنيا، واعتزل رسول الله لذلك نساءه شهراً، ثم أمره الله أن يخيرهن بين الصبر والرضى بما قسم لهن والعمل بطاعة الله، وبين أن يمتعهن ويفارقهن.
وروي أن النبي ﷺ " لم يخرج لصلوات فقالوا: ما شأنه؟ فقال عمر: إن شئتم لأَْعْلَمَنَّ لكم ما شأنه، فأتى النَّبِيَّ فجعل يتكلم ويرفع صوته، حتى أذن له، قال: فجعلت أقول في نفسي: أيَّ شيء أكلم به رسول الله لعله يَنْبَسِطُ؟ قال: فقلت يا رسول الله لو رَأَيْتَ فُلاَنَةَ وسألتني النفقة فصككتها صكة، فقال: ذَلِكَ حَبَسَنِي عَنْكُمْ، فأتى عمر حفصة فقال لها: لا تسألي رسول الله ﷺ شيئاً، ما كانت لك من حاجة فإليّ، ثمَّ

صفحة رقم 5821

تتبع نساء النبي فجعل/ يكلمهن، فقال لعائشة: أَيَغُرُّكِ أنك امرأة حسناء وأن زوجك يحبك، لتنتهين أو لينزلن الله فيكن القرآن، فقالت له أم سلمة: يا ابن الخطاب أو ما بقي لك إلا أن تدخل بين رسول الله ﷺ وبين نسائه، من يسأل المرأة إلا زوجها، ونزل القرآن: ﴿يا أيها النبي قُل لأَزْوَاجِكَ﴾ إلى قوله: ﴿أَجْراً عَظِيماً﴾، فبدأ بعائشة وخيرها، وقرأ عليها القرآن، فقالت: هل بدَأْتَ بأحد من نسائك قبلي؟ قال: لا، قالت: فإني أختار الله ورسوله والدار الآخرة، ولا تخبرهن بذلك، ثم تتبعهن فجعل يخبرهن ويقرأ عليهن القرآن ويخبرهن بما صنعته عائشة فتتابعن على ذلك ".
قال قتادة والحسن: خيَّرهن بين الدنيا والآخرة والجنة والنار في شيء كُنَّ أَرَدْنَهُ من الدنيا.
وقال عكرمة: في غَيْرَةٍ كانت غارتها عائشة، وكان تحته يومئذ تسع نسوة، خمس من قريش: عائشة، وحفصة، وأم حبيبة ابنة أبي سفيان، وسودة بنت زمعة، وأم

صفحة رقم 5822

سلمة بنت أبي أمية، وكانت تحته صفية بن حيي الخيبرية، وميمونة بنت الحارث الهلالية، وزينب بنت جحش الأسدية، وجويرية بن الحارث من بني المُصْطَلِق، فبدأ بعائشة فاختارت الله ورسوله، فرُئِيَ الفرح في وجه رسول الله ﷺ فتتابعن كلهن على ذلك.
قال الحسن وقتادة: فلما اخترن الله ورسوله شكرهن الله على ذلك فقال: لاَ

صفحة رقم 5823

يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ " الآية، فقصره الله عليهن.
وقال ابن زيد: كان سبب ذلك الغيرة.
وقد روي في ذلك أخبار كثيرة يختلف لفظها والمعنى يرجع إلى ما ذكرنا في جميعها.
قال ابن شهاب: امرأة واحدة اختارت نفسها فذهبت وكانت بدوية.
قال ربيعة: فكانت البتمة.
قيل كان اسمها عمرة بنت يزيد الكلابية، اختارت الفراق وذهبت، فابتلاها الله تعالى بالجنون. ويقال: إن أباها تركها ترعى غنماً له فصارت إحداهن، فلم يعلم

صفحة رقم 5824

ما كان من أمرها وخبرها إلى اليوم.
ويقال: إنها كِنْدِية، ويقال: إنها لم تختر، وإنما استعاذت من رسول الله ﷺ فردَّها، وقال: " لَقَدْ اسْتَعَذْتِ بِمُعَاذٍ ".
ويقال إنه دعاها، فقالت: إنا قوم نُؤتى ولا نأتي.
وإذا خيّر الرجل امرأته فاختارت نفسها فهي البتة، وإن اختارت واحدة أو اثنتين أو لم تختر شيئاً، أو قالت: أخترت زوجي، فلا شيء في ذلك كله بالمدخول بها، وهي زوجة على حالها.

صفحة رقم 5825
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية