آيات من القرآن الكريم

هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ
ﭓﭔﭕﭖ ﭘﭙﭚ ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ

(٥) إنه ذكر فى السورة التي قبلها محاربة ملكين عظيمين لأجل الدنيا، وذكر هنا قصة عبد مملوك زهد فيها، وأوصى ابنه بالصبر والمسألة، وذلك يقتضى ترك المحاربة، وبين الأمرين التقابل وشاسع البون كما لا يخفى
[سورة لقمان (٣١) : الآيات ١ الى ٥]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الم (١) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (٢) هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (٣) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤)
أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥)
الإيضاح
(الم) تقدم تفسير هذا مرارا بإسهاب.
(تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ) أي هذه آيات الكتاب الحكيم بيانا وتفصيلا.
(هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ. الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) أي هذه آيات الكتاب الهادي من الزيغ، الشافي من الضلال، لمن أحسنوا العمل، وانبعوا الشريعة، فأقاموا الصلاة على الوجه الأكمل، الذي رسمه الدين فى أوقاتها، وآتوا الزكاة المفروضة عليهم إلى مستحقيها، وأيقنوا بالجزاء فى الدار الآخرة، ورغبو إلى الله فى ثواب ذلك لم يراءوا به، ولا أرادوا به جزاء ولا شكورا.
ولما كان المتصفون بهذه الخلال هم الغاية فى الهداية والفلاح قال:
(أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أي إن هؤلاء الذين ذكرت أوصافهم على نور من ربهم، وأولئك الذين رجوا ما أمّلوا من ثوابه يوم القيامة، وقد تقدم مزيد إيضاح لهذا أول سورة البقرة.
[سورة لقمان (٣١) : الآيات ٦ الى ٧]
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٦) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٧)

صفحة رقم 72

تفسير المفردات
المراد بلهو الحديث: الجواري المغنيات، وكتب الأعاجم، وقد اشتريت حقيقة.
وقال ابن مسعود: لهو الحديث: الرجل يشترى جارية تغنيه ليلا ونهارا،
وعن ابن عمر «أنه سمع رسول الله ﷺ يقول فى لهو الحديث: إنما ذلك شراء الرجل اللعب والباطل»،
وسبيل الله: هو دينه، والهزو: السخرية، مهين: أي تلحقهم به الإهانة، وقرا: أي صمما يمنعهم من السماع.
المعنى الجملي
بعد أن بين حال السعداء الذين يهتدون بكتاب الله، وينتفعون بسماعه وهم الذين قال الله فيهم: «اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ» - أردف ذلك ذكر حال الأشقياء الذين أعرضوا عن الانتفاع بسماع كلام الله، وأقبلوا على استماع المزامير والغناء بالألحان وآلات الطرب.
روى عن ابن عباس أن الآية نزلت فى النضر بن الحارث اشترى قينة (مغنية) وكان لا يسمع بأحد يريد الإسلام إلا انطلق بها إليه، فيقول: أطعميه واسقيه وغنيه، ويقول: هذا خير مما يدعوك إليه محمد من الصلاة والصيام، وأن تقاتل بين يديه.
وروى عن مقاتل أنه كان يخرج تاجرا إلى فارس، فيشترى كتب الأعاجم فيرويها ويحدّث بها قريشا، ويقول لهم: إن محمدا يحدثكم. حديث عاد وثمود، وأنا أحدثكم

صفحة رقم 73

حديث رستم وإسفنديار، وأخبار الأكاسرة، فيستملحون حديثه ويتركون سماع القرآن.
الإيضاح
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً) أي ومن الناس فريق يتخذ ما يتلهّى به عن الحديث النافع للإنسان فى دينه، فيأتى بالخرافات والأساطير والمضاحيك وفضول الكلام، كالنضر بن الحارث الذي كان يشترى الكتب، ويحدّث بها الناس، وربما اشترى الفتيات، وأمرهن بمعاشرة من أسلم، ليحملهم على ترك الإسلام، وما مقصده من ذلك إلا الإضلال، والصد عن دين الله وقراءة كتابه، واتخاذه هزوا ولعبا.
وعن نافع قال «كنت أسير مع عبد الله بن عمر فى الطريق، فسمع مزمارا، فوضع أصبعيه فى أذنيه، وعدل عن الطريق، فلم يزل يقول: يا نافع أتسمع؟ قلت:
لا، فأخرج أصبعيه من أذنيه، وقال: هكذا رأيت رسول الله ﷺ صنع»
.
وعن ابن عوف أن رسول الله ﷺ قال: «إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نغمة لهو ومزامير شيطان. وصوت عند مصيبة خمش وجوه، وشق جيوب، ورنة شيطان».
والخلاصة: إن سماع الغناء الذي يحرك النفوس، ويبعثها على اللهو والمجون بكلام يشبب فيه بذكر النساء، ووصف محاسنهن، وذكر الخمور والمحرمات، لا خلاف فى تحريمه، أما ما سلم من ذلك فيجوز القليل منه فى أوقات الفرح: كالعرس والعيد، وحين التنشيط على الأعمال الشاقة، كما كان فى حفر الخندق وحدو أنجشه (عبد أسود كان يقود راحلة نساء النبي ﷺ عام حجة الوداع) فأما ما ابتدعه الصوفية من الإدمان على سماع المغانى بالآلات المطربة من الشبابات والطار والمعازف والأوتار فحرام، وأما طبل الحرب فلا حرج فيه، لأنه يقيم النفوس، ويرهب العدو،

صفحة رقم 74

فقد ضرب بين يدى النبي ﷺ يوم دخل المدينة، فهمّ أبو بكر بالزجر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعهن يا أبا بكر حتى تعلم اليهود أن ديننا فسيح» فكنّ يضربن ويقلن: نحن بنات النجار، حبذا محمد من جار.
ولا بأس من استعمال الطبل والدف فى النكاح. وكذا الآلات المشهرة به والغناء بما يحسن من الكلام مما لا رفث فيه.
وسماع الغناء من المرأة التي ليست بمحرم لا يجوز.
ثم بين عاقبة أمرهم، فقال:
(أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) أي إنه كتب لهم العذاب والخزي يوم القيامة، لأنهم لما أهانوا الحق باختيارهم الباطل- جوزوا بإهانتهم يوم الجزاء بعذاب يفضحهم ويخزيهم أمام الخلائق:
ثم أشار سبحانه إلى أن هذا داء قد استشرى فى نفسه، فكلما تليت عليه آية ازداد إباء ونفورا، فقال:
(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً) أي وإذا تتلى آيات الكتاب الكريم على هذا الذي اشترى لهو الحديث ليضل عن سبيل الله- يعرض عن سماعها ويولّى مستكبرا، كأن لم يسمعها، كأن فى أذنيه ثقلا، فلا يصيخ لها، ولا يأبه لتلقّفها وتأملها.
ونحو الآية قوله: «قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى».
ولما تسبب عن ذلك استحقاقه لما بزيل كبره وعظمته قال:
(فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) أي فبشر هذا المعرض وأوعده بالعذاب الذي يؤلمه ويقض مضجعه يوم القيامة.

صفحة رقم 75
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية