آيات من القرآن الكريم

مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ۗ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ
ﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ ﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕ

(لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) أي له سبحانه كل ما فى السموات والأرض ملكا وخلقا وتصرفا وليس ذلك لأحد سواه، فلا يستحق العبادة فيهما غيره، وهو الغنى عن عبادة جميع خلقه، لأنهم ملكه وهم المحتاجون إليه المحمود على نعمه التي أنعمها عليهم.
[سورة لقمان (٣١) : الآيات ٢٧ الى ٢٨]
وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٧) ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٢٨)
المعنى الجملي
بعد أن ذكر سبحانه أنه أجرى الحكمة على لسان لقمان، ثم قفى على ذلك ببيان أنه أسبغ نعمه على عباده ظاهرة وباطنة، وأن له ما فى السموات وما فى الأرض- أردف ذلك ببيان أن تلك النعم وهذه المخلوقات لا حصر لها، ولا يعلمها إلا خالقها كما قال: «وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها».
ولما كانت تلك النعم لا نهاية لها، وربما ظن أنها مبعثرة لا قانون لها، أو أنها لكثرتها يصعب عليه تدبيرها وتصريف شئونها كما يريد- دفع هذا بقوله: (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ).
روى أنه لما نزل بمكة قوله تعالى: «وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ» الآية وهاجر رسول الله ﷺ إلى المدينة أتاه أحبار اليهود وقالوا بلغنا أنك تقول:
«وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا» أتعنينا أم تعنى قومك؟ قال: كلّا عنيت: قالوا ألست تتلو فيما جاءك أنا أوتينا التوراة فيها علم كل شىء، فقال ﷺ هى فى علم الله قليل، وقد أتاكم ما إن عملتم به انتفعتم، قالوا كيف تزعم هذا وأنت

صفحة رقم 93

تقول: «وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً» فكيف يجتمع علم قليل وخير كثير، فنزلت الآية: (وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ) إلخ.
الإيضاح
(وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ) أي ولو أن أفنان الأشجار وأغصانها بريت أقلاما وجعل البحر مدادا وأمدته سبعة أبحر والخلائق جميعا يكتبون بها كلمات الله الدالة على عظمته وجلاله لتكسرت الأقلام ونفد ماء البحر ولم تنفد كلمات الله:
ونحو الآية قوله «قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً» وإنما ذكرت السبعة الأبحر للدلالة على الكثرة، لا لقصد هذا العدد بعينه، فقد تقدم أن قلنا آنفا إن العرب تذكر السبعة والسبعين، والسبعمائة، وتريد بذلك الكثرة كما
جاء فى الحديث «سبعة يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله»
وفى الآية: «مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ».
وقصارى ذلك: إنه سبحانه أخبر أن عظمته وكبرياءه وجلاله وأسماءه الحسنى لا يحيط بها أحد، ولا يصل البشر إلى معرفة كنهها وعدها كما
ورد فى الحديث: «سبحانك لا نحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك».
(إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) أي إن الله قد عز كل شىء وقهره، فلا مانع لما أراد، ولا معقّب لحكمه، وهو الحكيم فى خلقه وأمره، وأقواله وأفعاله، وشرعه وجميع شئونه.
ثم أبان أن هذا الخلق الذي لا حصر له محيط به علما، ولا يعجزه شىء فيه متى أراد، فقال:
(ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ) أي ما خلق جميع الناس ولا بعثهم

صفحة رقم 94
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية