آيات من القرآن الكريم

وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ۚ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ
ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ

قيل: لأقاموا، وقيل: لصاروا، وقيل: لمالوا، وكله يرجع إلى معنى واحد، وهو ما تقدم ذكره من القنوط، أي: يقنطون وييئسون من رحمته، ويكفرون رب هذه النعم.
وفي حرف ابن مسعود: (إنك لا تسمع الموتى إنك لا تبعث الموتى).
وقوله: (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ (٥٨)
جائز أن يكون ما ذكر من ضرب المثل للكفار خاصة، يقول: قد بينا لهم ما يعظهم ويزجرهم عما هم فيه، ويدعوهم إلى الإيمان والتوحيد، لكنهم اعتقدوا العناد والمكابرة.
وقوله: (وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ).
أي: لو جئتهم بالآية التي سألوك -أيضًا- فلا يصدقوك ولا يقبلوا الهدى، ويقولون ما ذكر:
(لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ).
ويشبه أن يكون ما ذكر من ضرب المثل للفريقين جميعًا للمؤمن والكافر، ويكون التأويل - واللَّه أعلم -: ولقد ضربنا وبينا للناس لأفعالهم وأحوالهم من القبيح والحسن مثلا وشبها ما يعرفون به قبح كل قبيح، وحسن كل حسن، وما بين لهم الحق من الباطل، والعدل من الجور؛ لأن أُولَئِكَ الكفرة لم يعتبروا ولم يتأملوا، ثم رجع إلى وصف أُولَئِكَ الكفرة، فقال: (وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ)، أي: بزيادة في البيان والوضوح، (لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ)، واللَّه أعلم.
وقوله: (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (٥٩)
قد ذكرنا في غير موضع أن قوله: (لَا يَعْلَمُونَ) يخرج على وجهين:
أحدهما: لم يعلموا؛ لما لم يتأملوا ولم ينظروا في أسباب العلم لكي يعلموا، ولا عذر لهم في جهلهم ذلك؛ لما أعطوا أسباب العلم، لكنهم لم يستعملوها فمنهم جاء ذلك؛ فلم يعذروا.
والثاني: نفى عنهم العلم على وجوده لهم وكونه؛ لما لم ينتفعوا بما علموا، على ما ذكرنا من نفي الحواس عنهم، مع وجود تلك الحواس وكونها لهم؛ لما لم ينتفعوا بها ولم يستعملوها فيما جعلت تلك وأنشئتا لها؛ فعلى ذلك العلم، واللَّه أعلم.
وقوله: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (٦٠)
قَالَ بَعْضُهُمْ: فاصبر على تكذيبهم إياك بالعذاب الذي وعدت لهم؛ إن وعد اللَّه حق

صفحة رقم 294

في العذاب بأنه نازل بهم.
وجائز أن يكون قوله: (فَاصْبِرْ)، أي: اصبر على أذاهم الذي يؤذونك؛ إن وعد الله حق في النصر لك والمعونة.
وقوله: (وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ).
كأنه يقول: لا يحملنك أذاهم إياك حتى تدعو عليهم بالعذاب والهلاك.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ)، أي: لا يستفزوك، ويقول: لا يستجهلنك، وأصله ما ذكرنا: ألا يحملنك أُولَئِكَ الكفرة على الخفة والعجلة والجهل؛ حتى تدعو عليهم بإنزال العذاب والهلاك لهم، وهو - واللَّه أعلم - كأنه من الاستخفاف.
* * *

صفحة رقم 295
تأويلات أهل السنة
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي
تحقيق
مجدي محمد باسلوم
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان
سنة النشر
1426
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية