آيات من القرآن الكريم

فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَىٰ وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ
ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ ﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ ﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ

المؤمنين من خصوصية زمنية فإن إطلاقها يجعلها شاملة لكل زمن ومكان وحال أيضا. فالمؤمنون المستقيمون يجب أن يظلوا دائما مطمئنين إلى أن الله قد وعدهم بالنصر والتأييد وجعل ذلك حقا عليه. وأنه لن يخلف وعده ولو اشتدت عليهم الخطوب وتعاظمت الكروب أحيانا. وفي هذا ما فيه من التلقين القرآني الجليل.
وليست هذه الآية الأولى من نوعها. فقد ورد في سور سابقة آيات مماثلة أو مقاربة فيها وعد الله تعالى بنصر رسله كما جاء في آيات سورة الصافات [١٧١- ١٧٣] وبنصر رسله والذين آمنوا في الحياة الدنيا والآخرة معا كما جاء في آية سورة غافر [٥١] بالإضافة إلى سور أخرى جاء الوعد بأساليب أخرى حيث يمكن أن يرد إلى البال أنه فضلا عما في إيمان المؤمنين وإخلاصهم واتجاههم إلى الله وحده من مبرر لهذا الوعد الرباني وتحقيقه في كل ظرف فإن حكمة التنزيل اقتضت هذا التكرار بسبب ما كان يحدق بالمؤمنين في مكة من ظروف صعبة للتثبيت والتشجيع والتطمين.
[سورة الروم (٣٠) : الآيات ٤٨ الى ٥٣]
اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٨) وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (٤٩) فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٥٠) وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (٥١) فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٥٢)
وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٥٣)
. (١) كسفا: قطعا.
(٢) الودق: ماء المطر.

صفحة رقم 458

في الآيات:
١- إشارة إلى مشهد من مشاهد قدرة الله في الأمطار والرياح وتدليل به على قدرة الله على إحياء الموتى: فالله يرسل الرياح فتحرك السحاب وتسوقه من مكان إلى مكان حتى يكون قطعا متراكمة بعضها على بعض فلا تلبث أن تتساقط من خلالها المياه. وحينما ينزل المطر في مكان يستبشر أهله برحمة الله ويتبدل ما كان من حزنهم وقلقهم ويأسهم قبل نزوله فرحا وأملا بما كان من آثار رحمة الله في إحياء الأرض بعد موتها وجفافها. وفي هذا عبرة تسترعي النظر والتدبر. فالله الذي أحيا الأرض برحمته بعد أن كانت جافة خامدة كالميتة قادر بالبداهة على إحياء الموتى، فالمشهدان متقاربان وكلاهما بالنسبة لقدرة الله سواء.
٢- وتنديد بالناس لما يظهرونه من جزع وكفر حينما ينحبس المطر: فلقد تقضي حكمة الله أحيانا أن تهبّ الرياح وتتحرك بدون مطر. فإذا ما هبّت على هذا الوجه فاصفرّ الزرع أظهر الذين لا يؤمنون بالله جزعا وقنوطا. فهؤلاء كالموتى والعمي والصمّ لا يحسّون ولا يرون ولا يسمعون. والنبي غير مكلف بتغيير طبائع الأشياء فيجعل الميت يحسّ والأعمى يبصر والأصمّ يسمع وإنما عليه أن يخاطب الحي البصير السميع وهو الذي يؤمن بآيات الله ويرضى بما تقتضيه حكمته بدون بطر ولا يأس ولا فرح ولا حزن ويسلم أمره لله.
وبين مدلول الآيات وأهدافها ومفهومها وبين الآيات [٣٣- ٣٧] تماثل ظاهر يسوغ القول إن الاتصال بينها وبين سابقاتها قائم سياقا وموضوعا.
وروح الآيات وفحواها يلهمان أنه حدث في ظروف البعثة النبوية أن انحبس المطر ثم أرسل، وأن جزع المشركون ثم فرحوا، فجعل الحادث مناسبة للتذكير والتنبيه وتدعيم السياق وللتدليل على قدرة الله على بعث الناس بعد الموت وهو ما تكررت الإشارة إليه في هذه السورة بالذات، وتكررت البرهنة على قدرة الله عليه بأساليب متنوعة.
ولقد أوردنا بعض روايات عن قحط حلّ بالحجاز ومراجعة بعض الزعماء

صفحة رقم 459

للنبي ﷺ بدعاء الله لكشف البلاء عن الناس في سياق سورة الدخان، فلعل شيئا من هذا قد حدث في ظروف نزول هذه السورة.
ولعل الشقّ الثاني من الآيات يتضمن تنديدا بالمشركين الذين ينكرون البعث وبرهانا على قدرة الله عليه، وتنويها بالمؤمنين الذين قد استجابوا لدعوة الله وأسلموا أنفسهم إليه في كل الحالات، وتطمينا للنبي صلى الله عليه وسلم: فكما أنه إذا تأخر المطر أو هبّت الريح بدون مطر لا يدل على عدم قدرة الله وإنما يكون مرده إلى حكمة الله ونواميسه في كونه فإنه إذا تأخر وعد الله بالبعث فلا ينبغي أن يكون دليلا على عدم قدرة الله عليه أيضا وإنما يكون مردّه إلى حكمته. فالمشركون هم بمثابة الموتى والعمي والصمّ لا يدركون ذلك فيجادلون ويكابرون ويضجون ويصخبون. وما على النبي من موقفهم هذا من شيء لأنه غير مكلف بفعل المستحيل. وقصارى ما عليه أن يسمع الراغبين في الهدى والحق والإيمان الذين يكونون على استعداد لإسلام أنفسهم لله تعالى. وجهوده لم تذهب عبثا لأن مثل هذه الطبقة قد قامت فعلا.
تعليق على ما روي من سماع الموتى لخطاب الأحياء وتعارض ذلك مع جملة فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى
ولقد وقف المفسر ابن كثير عند جملة فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وأخذ يورد أحاديث عديدة بعضها وارد في كتب الأحاديث الصحيحة تذكر أن النبي ﷺ قال:
إن الموتى يسمعون. منها حديث رواه البخاري وأحمد عن أبي طلحة جاء فيه: «إنّ نبي الله ﷺ أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش فقذفوا في طويّ «١» من أطواء بدر خبيث مخبث. وكان إذا ظهر قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال. فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشدّ عليها رحلها ثم مشى وتبعه أصحابه وقالوا ما ينطلق إلّا لبعض حاجته حتى قام على شقة الركيّ «٢» فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان أيسرّكم أنكم أطعتم الله ورسوله

(١) الطوي والركي بمعنى واحد وهو البئر أو القليب أو الحفرة العميقة.
(٢) الطوي والركي بمعنى واحد وهو البئر أو القليب أو الحفرة العميقة.

صفحة رقم 460
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية