قَالَ تَعَالَى: (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَا خَلَقَ اللَّهُ) :«مَا» نَافِيَةٌ، وَفِي التَّقْدِيرِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: هُوَ مُسْتَأْنَفٌ لَا مَوْضِعَ لَهُ، وَالْكَلَامُ تَامٌّ قَبْلَهُ. وَ «أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا» مِثْلُ: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) [الْأَعْرَافِ: ١٨٥] وَالثَّانِي: مَوْضِعُهُ نَصْبٌ بِيَتَفَكَّرُوا، وَالنَّفْيُ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ، كَمَا لَمْ يَمْنَعْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) [فُصِّلَتْ: ٤٨] وَ (بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ) : يَتَعَلَّقُ بِـ «كَافِرُونَ» وَاللَّامُ لَا تَمْنَعُ ذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ تَعَالَى: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَثَارُوا الْأَرْضَ) : قُرِئَ شَاذًّا بِأَلِفٍ بَعْدَ الْهَمْزَةِ، وَهُوَ لِلْإِشْبَاعِ لَا غَيْرَ.
(أَكْثَرَ) : صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ وَ «مَا» مَصْدَرِيَّةٌ.
قَالَ تَعَالَى: (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ (١٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةُ [الَّذِينَ أَسَاءُوا] السُّوأَى) : يُقْرَأُ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ، فَمَنْ رَفَعَ جَعَلَهُ اسْمَ كَانَ، وَفِي الْخَبَرِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: «السُّوأَى» وَ «أَنْ كَذَّبُوا» فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ مَفْعُولًا لَهُ؛ أَيْ لِأَنْ كَذَّبُوا، أَوْ بِأَنْ كَذَّبُوا، أَوْ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ بِتَقْدِيرِ الْجَارِ عَلَى قَوْلِ الْخَلِيلِ. وَالثَّانِي: «أَنْ كَذَّبُوا» أَيْ كَانَ آخِرُ أَمْرِهِمُ التَّكْذِيبَ، وَ «السُّوأَى» عَلَى هَذَا صِفَةُ مَصْدَرٍ.
وَمَنْ نَصَبَ جَعْلَهَا خَبَرَ كَانَ، وَفِي الِاسْمِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: «السُّوأَى» وَالْآخَرُ: «أَنْ كَذَّبُوا» عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ أَنْ «كَذَّبُوا» بَدَلًا مِنَ السُّوأَى، أَوْ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ.
وَالسُّوأَى: فُعْلَى، تَأْنِيثُ الْأَسْوَأِ؛ وَهِيَ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، وَالتَّقْدِيرُ: أَسَاءُوا الْإِسَاءَةَ السُّوأَى، وَإِنْ جَعَلْتَهَا اسْمًا أَوْ خَبَرًا كَانَ التَّقْدِيرُ: الْفِعْلَةَ السُّوأَى، أَوِ الْعُقُوبَةَ السُّوأَى.
قَالَ تَعَالَى: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (١٢)).
(يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ) : الْجُمْهُورُ عَلَى تَسْمِيَةِ الْفَاعِلِ.
وَقَدْ حُكِيَ شَاذًّا تَرْكُ التَّسْمِيَةِ؛ وَهَذَا بِعِيدٌ؛ لِأَنَّ أَبْلَسَ لَمْ يُسْتَعْمَلْ مُتَعَدِّيًا، وَمَخْرَجُهُ أَنْ يَكُونَ أَقَامَ الْمَصْدَرَ مَقَامَ الْفَاعِلِ وَحَذَفَهُ، وَأَقَامَ الْمُضَافَ إِلَيْهِ مَقَامَهُ؛ أَيْ يُبْلِسُ إِبْلَاسَ الْمُجْرِمِينَ.
قَالَ تَعَالَى: (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (١٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (حِينَ تُمْسُونَ) : الْجُمْهُورُ عَلَى الْإِضَافَةِ، وَالْعَامِلُ فِيهِ «سُبْحَانَ».
وَقُرِئَ مُنَوَّنًا عَلَى أَنْ يُجْعَلَ «تُمْسُونَ» صِفَةً لَهُ، وَالْعَائِدُ الْمَحْذُوفُ؛ أَيْ تُمْسُونَ فِيهِ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي) [الْبَقَرَةِ: ٤٨].
قَالَ تَعَالَى: (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (١٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَعَشِيًّا) : هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى «حِينَ»، «وَلَهُ الْحَمْدُ» : مُعْتَرِضٌ. وَ «فِي السَّمَاوَاتِ» : حَالٌ مِنَ الْحَمْدِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ) : فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ؛ أَحَدُهَا: أَنَّ (مِنْ آيَاتِهِ) : حَالٌ مِنَ الْبَرْقِ؛ أَيْ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ كَائِنًا مِنْ آيَاتِهِ، إِلَّا أَنَّ