آيات من القرآن الكريم

وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ ۖ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ
ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ

كلام، جاء كالشاهد بصحته والمنادى على سداده، وأنه ما كان ينبغي أن يكون إلا كما قد كان.
ألا ترى إلى قوله: صُنْعَ اللَّهِ، وصِبْغَةَ اللَّهِ، ووَعَدَ اللَّهُ، وفِطْرَتَ اللَّهِ: بعد ما وسمها بإضافتها إليه بسمة التعظيم، كيف تلاها بقوله الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ، وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً، لا يخلف الله الميعاد لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ وقرئ: تفعلون، على الخطاب. فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها يريد الإضعاف وأنّ العمل يتقضى والثواب يدوم، وشتان ما بين فعل العبد وفعل السيد. وقيل: فله خير منها، أى: له خير حاصل من جهتها وهو الجنة. وعن ابن عباس، الحسنة كلمة الشهادة. وقرئ:
يَوْمَئِذٍ مفتوحا مع الإضافة، لأنه أضيف إلى غير متمكن. ومنصوبا مع تنوين فزع. فإن قلت: ما الفرق بين الفزعين؟ قلت: الفزع الأوّل: هو ما لا يخلو منه أحد عند الإحساس بشدّة تقع وهول يفجأ، من رعب وهيبة، وإن كان المحسن يأمن لحاق الضرر به، كما يدخل الرجل على الملك بصدر هياب وقلب وجاب «١» وإن كانت ساعة إعزاز وتكرمة وإحسان وتولية.
وأمّا الثاني: فالخوف من العذاب. فإن قلت: فمن قرأ مِنْ فَزَعٍ بالتنوين ما معناه؟ قلت: يحتمل معنيين. من فزع واحد وهو خوف العقاب، وأمّا ما يلحق الإنسان من التهيب والرعب لما يرى من الأهوال والعظائم، فلا يخلون منه، لأنّ البشرية تقتضي ذلك. وفي الأخبار والآثار ما يدل عليه. ومن فزع شديد مفرط الشدّة لا يكتنهه الوصف: وهو خوف النار. أمن: يعدى بالجار وبنفسه، كقوله تعالى أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ. وقيل: السيئة: الإشراك. يعبر عن الجملة بالوجه والرأس والرقبة، فكأنه قيل: فكبوا في النار، كقوله تعالى فَكُبْكِبُوا فِيها ويجوز أن يكون ذكر الوجوه إيذانا بأنهم يكبون على وجوههم فيها منكوسين هَلْ تُجْزَوْنَ يجوز فيه الالتفات وحكاية ما يقال لهم عند الكب بإضمار القول.
[سورة النمل (٢٧) : الآيات ٩١ الى ٩٣]
إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩١) وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (٩٢) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٩٣)
أمر رسوله بأن يقول أُمِرْتُ أن أخص الله وحده بالعبادة، ولا أتخذ له شريكا كما فعلت قريش، وأن أكون من الحنفاء الثابتين على ملة الإسلام وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ من التلاوة أو التلوّ كقوله وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ. والبلدة: مكة حرسها الله تعالى: اختصها من بين سائر.

(١). قوله «وقلب وجاب» في الصحاح «وجب القلب وجيبا» : اضطرب. (ع)

صفحة رقم 388

البلاد بإضافة اسمه إليها، لأنها أحبّ بلاده إليه، وأكرمها عليه، وأعظمها عنده. وهكذا قال النبي ﷺ حين خرج في مهاجره، فلما بلغ الحزورة «١» استقبلها بوجهه الكريم فقال: «إنى أعلم أنك أحب بلاد الله إلى الله. ولولا أن أهلك أخرجونى ما خرجت» «٢» وأشار إليها إشارة تعظيم لها وتقريب، دالا على أنها موطن نبيه ومهبط وحيه. ووصف ذاته بالتحريم الذي هو خاص وصفها، فأجزل بذلك قسمها في الشرف والعلو، ووصفها بأنها محرّمة لا ينتهك حرمتها إلا ظالم مضادّ لربه وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ لا يختلى خلاها، ولا يعضد شجرها «٣»، ولا ينفر صيدها. واللاجئ إليها آمن. وجعل دخول كل شيء تحت ربوبيته وملكوته كالتابع لدخولها تحتهما. وفي ذلك إشارة إلى أن ملكا ملك مثل هذه البلدة عظيم الشأن قد ملكها وملك إليها كل شيء «٤» : اللهم بارك لنا في سكناها، وآمنا فيها شرّ كل ذى شرّ، ولا تنقلنا من جوار بيتك إلا إلى دار رحمتك. وقرئ: التي حرّمها. واتل عليهم هذا القرآن: عن أبىّ وأن أتل: عن ابن مسعود. فَمَنِ اهْتَدى باتباعه إياى فيما أنا بصدده من توحيد الله ونفى الأنداد عنه، والدخول في الملة الحنيفية، واتباع ما أنزل علىّ من الوحى، فمنفعة اهتدائه راجعة إليه لا إلىّ وَمَنْ ضَلَّ ولم يتبعني فلا علىّ، وما أنا إلا رسول منذر، وما على الرسول

(١). قوله «فلما بلغ الحزورة» هي تل صغير كما في الصحاح. (ع)
(٢). أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وابن أبى شيبة والدارمي وعبد بن حميد والبزار وأبو يعلى والبيهقي في الدلائل. كلهم من رواية الزهري عن أبى سلمة عن عبد الله بن عدى بن الخيار قال «رأيت رسول الله ﷺ واقفا على الحزورة وهو يقول: والله إنك لخير أرض الله إلى الله وأحب أرض الله إلى الله. ولولا أنى أخرجت منك ما خرجت» هكذا رواه عقيل ويونس وشعيب وصالح بن كيسان عنه. ورواه ابن أخى الزهري عن عمه عن محمد بن جبير بن مطعم عن عبد الله بن عدى بن الخيار: أخرجه الطبراني. وصححه الدارقطني لوجهين. ورواه النسائي وإسحاق والبزار والبيهقي في الدلائل من رواية معمر عن الزهري عن أبى سلمة عن أبى هريرة. ولفظه للبيهقي «ولولا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت» قال البزار: تفرديه معمر هكذا.
وقال البيهقي: وهم فيه معمر وقال الترمذي: رواه محمد بن عمر بن أبى سلمة عن أبى سلمة عن أبى هريرة. وقول الزهري عن أبى سلمة عن عبد الله بن عدى أصح. وقال البيهقي أيضا: ورواية محمد بن عمرو وهم. وفي الباب عن ابن عباس. أخرجه الترمذي من رواية ابن خثيم عن سعيد بن جبير وأبى الطفيل جميعا فيه نحو «ما أطيبك من يلد وأحبك إلىّ. ولولا أن قومي أخرجونى منك ما سكنت غيرك».
(٣). قوله «لا يختلى خلاها... الخ» : أى لا يجز حشيشها، ولا يقطع شجرها. (ع)
(٤). قال محمود: «المراد بالبلدة مكة وإضافة اسم الله تعالى إليها لتشريفها وذكر تحريمها، لأنه أخص أوصافها وأسنده إلى ذاته تأكيدا لشرفها ثم قال: وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ، فجعل دخول كل شيء تحت ربوبيته وملكوته كالتابع لدخول هذه البلدة المعظمة. وفي ذلك إشارة إلى أن ملكا قد ملك هذه البلدة المكرمة وملك إليها كل شيء إنه لعظيم الشأن» قال أحمد: وتحت قوله وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ: فائدة أخرى سوى ذلك، وهي أنه لما أضاف اسمه إلى البلدة المخصوصة تشريفا لها، أتبع ذلك إضافة كل شيء سواها إلى ملكه، قطعا لتوهم اختصاص ملكه بالبلدة المشار إليها، وتنبيها على أن الاضافة الأولى إنما قصد بها التشريف، لا لأنها ملك الله تعالى خاصة، والله أعلم.

صفحة رقم 389

إلا البلاغ. ثم أمره أن يحمد الله على ما خوّله من نعمة النبوّة التي لا توازيها نعمة، وأن يهدّد أعداءه بما سيريهم الله من آياته التي تلجئهم إلى المعرفة، والإقرار بأنها آيات الله. وذلك حين لا تنفعهم المعرفة. يعنى في الآخرة. عن الحسن وعن الكلبي: الدخان، وانشقاق القمر. وما حلّ بهم من نقمات الله في الدنيا. وقيل: هو كقوله سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ الآية وكل عمل يعملونه، فالله عالم به غير غافل عنه لأنّ، الغفلة والسهو لا يجوزان على عالم الذات «١»، وهو من وراء جزاء العاملين. قرئ: تعملون، بالتاء والياء.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. «من قرأ طس سليمان: كان له من الأجر عشر حسنات بعدد من صدّق سليمان وكذب به وهود وشعيب وصالح وإبراهيم، ويخرج من قبره وهو ينادى لا إله إلا الله» «٢».

(١). قال محمود: «لأن العالم بالذات لا يجوز عليه الغفلة» قال أحمد: قد سبق له جحد صفة العلم، وإيهام أن سلبها داخل في تنزيه الله تعالى، لأنه يجعل استحالة الغفلة عليه معللة بأنه عالم بالذات لا بعلم، والحق أن استحالة الغفلة عليه تعالى، لأن علمه لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، بل هو علم قديم أزلى عام التعليق بجميع الواجبات والممكنات والممتنعات، ولا يتوقف تنزيهه تعالى على تعطيل صفاته وكماله وجلاله، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا. [.....]
(٢). أخرجه الثعلبي وابن مردويه من حديث أبى بن كعب رضى الله عنه.

صفحة رقم 390
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشريّ، جار الله، أبو القاسم
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة
الثالثة - 1407 ه
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية