
الذي هداكم قديما بالنجوم والجبال والطرق والعلامات وحديثا بآيات الضبط، ومن يرسل الرياح مبشرات تبشر بقدوم المطر والخير، وتدفع السفن وتحمل اللقاح إلى الزرع فالرياح تبشر على العموم بالخير... بل أمن يفعل هذا يكون كمن لا يفعل شيئا؟! أإله مع الله؟ تعالى وتبارك عما يشركون..
بل من يبدأ الخلق ثم يعيده، ولا يقدر على البدء والإعادة إلا هو، ومن يرزقكم من السماء بالمطر، ومن الأرض بالنبات وغيره؟ أمن يفعل هذا كله كمن لا يفعل شيئا أبدا؟ بل أيعقل أن يكون مع الله إله آخر يفعل هذا؟! قل لهم يا محمد: هاتوا برهانكم وحجتكم إن كانت لكم حجة، وكنتم صادقين في دعوى أن له شريكا.
قل لهم يا محمد: لا يعلم من استقر في السموات والأرض من الملائكة والإنس والجن حتى الأنبياء والرسل لا يعلمون الغيب أى ما غاب عنهم، ومن جملته قيام الساعة لكن الله يعلم الغيب والشهادة، ويعلم السر وأخفى إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ... الآية: ٣٤ من سورة لقمان، قالت عائشة. من زعم أن محمدا صلّى الله عليه وسلّم يعلم ما في غد فقد أعظم على الله الفرية وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ وهذا يفيد وصف الله بالعلم التام الشامل بعد وصفه بالقدرة والوحدانية، وذلك كله يفيد انفراده بالالوهية وما يشعر الكفار في أى وقت يبعثون للحساب والجزاء، وسآتيهم الساعة بغتة، وهم يجحدون بل ادارك علمهم، تلاحق أى: تكامل علمهم في الآخرة عنها لأنهم رأوا كل ما وعدوا به معاينة فتكامل علمهم به بعد إنكارهم لأحواله كلها، بل هم في شك منها في الدنيا، بل هم من الآخرة وأحوالها عمون بقلوبهم، لا يؤمنون بها ولا يفكرون فيها...
اعتقادهم في البعث [سورة النمل (٢٧) : الآيات ٦٧ الى ٧٥]
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ (٦٧) لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٦٨) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٦٩) وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (٧٠) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٧١)
قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (٧٢) وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (٧٣) وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (٧٤) وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٧٥)

المفردات:
أَساطِيرُ جمع أسطورة وهي ما سطره الأقدمون من خرافاتهم وأحاديثهم ضَيْقٍ في ضيق صدر رَدِفَ لَكُمْ تبعكم ولحقكم ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ ما تخفيه غائِبَةٍ التاء فيها للمبالغة كالتاء في علامة ونسابة والأصل غائب.
بعد ما ثبت بالدليل القاطع أن الله هو المستحق وحده للعبودية إذ هو صاحب القدرة الكاملة، والعلم التام، والوحدانية في الذات والصفات والأفعال، ومن كان كذلك كان قادرا على البعث، ومع هذا كله فلم يؤمنوا به.
المعنى:
وقال الذين كفروا بالله وبرسله أإذا كنا ترابا بعد موتنا نحن وآباؤنا؟ أإنا لمخرجون- من قبورنا بعد أن صرنا ترابا- للبعث والجزاء!؟ إن هذا شيء لا يمكن أن نصدقه، ولا أن نؤمن به، لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل كثيرا، ولم نسمع أن قام أحد بعد موته وصيرورته ترابا، ما هذا الذي تدعونا إليه، وتخبرنا به أيها الرسول إلا أساطير الأولين وأكاذيبهم التي دونوها.
رأى الله- سبحانه وتعالى- فيهم هذا الإنكار للبعث، وهو يعلم أن سبب ذلك حبهم الدنيا، وافتتانهم بها وحبهم للرياسة الكاذبة، والزخرف الزائل، فعالج لهذا الداء