
التي هى اصول الكائنات ومبادى المنافع خير أم ما يشركون. يعنى ان الخالق للاجرام العلوية والسفلية خير لعابديه او للمعبودية كما هو الظاهر وَأَنْزَلَ لَكُمْ اى لاجل منفعتكم مِنَ السَّماءِ ماءً نوعا منه هو المطر ثم عدل عن الغيبة الى التكلم لتأكيد الاختصاص بذاته فقال فَأَنْبَتْنا بِهِ اى بسبب ذلك الماء حَدائِقَ بساتين محدقة ومحاطة بالحوائط: وبالفارسية [بوستانها ديوار بست] من الاحداق وهو الإحاطة وقال فى المفردات الحدائق جمع حديقة وهى قطعة من الأرض ذات ماء سميت بها تشبيها بحدقة العين فى الهيئة وحصول الماء فيها وحدقوا به واحدقوا احاطوا به تشبيها بادارة الحدقة انتهى ذاتَ بَهْجَةٍ البهجة حسن اللون وظهور السرور فيه اى صاحبة حسن ورونق يبتهج به النظار وكل موضع ذى أشجار مثمرة محاط عليه فهو حديقة وكل ما يسر منظره فهو بهجة ما كانَ لَكُمْ اى ما صح لكم وما أمكن أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها شجر الحدائق فضلا عن ثمرها أَإِلهٌ آخر كائن مَعَ اللَّهِ الذي ذكر بعض أفعاله التي لا يكاد يقدر عليها غيره حتى يتوهم جعله شريكا له فى العبادة: وبالفارسية [آيا هست خداى يعنى نيست معبودى با خداى بحق] بَلْ هُمْ بلكه مشركان قَوْمٌ يَعْدِلُونَ قوم عادتهم العدول والميل عن الحق الذي هو التوحيد والعكوف على الباطل الذي هو الإشراك او يعدلون يجعلون له عديلا ويثبتون له نظيرا قال فى المفردات قوله بل هم قوم يعدلون يصح ان يكون من قولهم عدل عن الحق إذا جار عدولا انتهى فهم جاروا وظلموا بوضع الكفر موضع الايمان والشرك محل التوحيد وهو إضراب وانتقال من تبكيتهم بطريق الخطاب الى بيان سوء حالهم وحكاية لغيرهم ثم اضرب وانتقل الى التبكيت بوجه آخر ادخل فى الإلزام فقال ام منقطعة أَمَّنْ موصولة كما سبق جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً يقال قر فى مكانه يقر قرارا إذا ثبت ثبوتا جامدا وأصله القر وهو البرد لاجل ان البرد يقتضى السكون والحر يقتضى الحركة والمراد بالقرار هنا المستقر. والمعنى بل أم من جعلها بحيث يستقر عليها الإنسان والدواب بإظهار بعضها من الماء بالارتفاع وتسويتها حسبما يدور عليه منافعهم خير من الذي يشركون به من الأصنام وذكر بعض الآيات بلفظ الماضي لان بعض أفعاله تقدم وحصل مفروغا منه وبعضها يفعلها حالا بعد حال وَجَعَلَ خِلالَها جمع خلل وهى الفرجة بين الشيئين نحو خلل الدار وخلل السحاب ونحوهما أوساطها: وبالفارسية [و پيدا كرد در ميانهاى زمين] أَنْهاراً جارية ينتفعون بها هو المفعول الاول للجعل قدم عليه الثاني لكونه ظرفا وعلى هذا المفاعيل للفعلين الآتيين وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ يقال رسا الشيء يرسو ثبت قال فى كشف الاسرار الرواسي جمع الجمع يقال جبل راس وجبال راسية ثم تجمع الراسية على الرواسي اى جبالا ثوابت تمنعها ان تميل باهلها وتضطرب ويتكون فيها المعادن وينبع فى حضيضها الينابيع ويتعلق بها من المصالح ما لا يخفى قال بعضهم جعل نفوس العابدين قرار طاعتهم وقلوب العارفين قرار معرفتهم وأرواح الواجدين قرار محبتهم واسرار الموحدين قرار مشاهدتهم وفى أسرارهم انهار الوصلة وعيون القربة بها يسكن ظمأ اشتياقهم وهيجان
صفحة رقم 361
وللاثنين من المذكر والمؤنث هانيا دون هاتا من غير ان فرقوا فى الأمر لهما كما لم يفرقوا بينهما فى ضمير المثنى فى مثل قولك غلامهما وضربهما ولا فى علامة التثنية التي فى قولك الزيدان والهندان وكان الأصل فى هات آت المأخوذ من آتى اى اعطى فقلبت الهمزة هاء كما قلبت فى ارقت الماء وفى إياك فقيل هرقت وهياك وفى ملح العرب ان رجلا قال لاعرابى هات فقال والله ما اهاتيك اى ما أعطيك: ومعنى هاتوا بالفارسية [بياريد] بُرْهانَكُمْ عقليا او نقليا يدل على ان معه تعالى الها آخر والبرهان أوكد الادلة وهو الذي يقتضى الصدق ابدا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ اى فى تلك الدعوى ثم بين تعالى تفرده بعلم الغيب تكميلا لما قبله من اختصاصه بالقدرة التامة وتمهيدا لما بعده من امر البعث فقال قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ من الملائكة وَالْأَرْضِ من الانس والجن الْغَيْبَ وهو ما غاب عن العباد كالساعة ونحوها وسيجيئ بيانه إِلَّا اللَّهُ اى لكن الله وحده يعلمه فالاستثناء منقطع والمستثنى مرفوع على انه بدل من كلمة من على اللغة التميمية واما الحجازيون فينصبونه وَما يَشْعُرُونَ يعنى البشر اى لا يعلمون أَيَّانَ يُبْعَثُونَ متى ينشرون من القبور فايان مركبة من أي وآن فأى للاستفهام وآن بمعنى الزمان فلما ركبا وجعلا اسما واحدا بنيا على الفتح كبعلبك وفى التأويلات النجمية يشير الى ان للغيب مراتب غيب هو غيب اهل الأرض فى الأرض وفى السماء وللانسان إمكان تحصيل علمه وهو على نوعين. أحدهما ما غاب عنك فى ارض الصورة وسمائها مثل غيبة شخص عنك او غيبة امر من الأمور ولك إمكان إحضار الشخص والاطلاع على الأمر الغائب وفى السماء مثل علم النجوم والهيئة ولك إمكان تحصيله بالتعلم وان كان غائبا عنك. وثانيهما ما غاب عنك فى ارض المعنى وهو ارض النفس فان فيها مخبئات من الأوصاف والأخلاق مما هو غائب عنك كيفية وكمية ولك إمكان الوقوف عليها بطريق المجاهدة والرياضة والذكر والفكر وسماء المعنى وهو سماء القلب فان فيها مخبئات من العلوم والحكم والمعاني مما هو غائب عنك ولك إمكان الوصول اليه بالسير عن مقامات النفس والسلوك فى مقامات القلب وغيب هو غيب اهل الأرض فى الأرض والسماء ايضا وليس للانسان إمكان الوصول اليه الا بارادة الحق تعالى كما قال (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) وغيب وهو غيب اهل السماء فى السماء والأرض ليس لهم إمكان الوصول اليه الا بتعليم الحق تعالى مثل الأسماء كما (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) ومن هنا تبين لك ان الله تعالى قد كرم آدم بكرامة لم يكرم بها الملائكة وهو اطلاعه على مغيبات لم يطلع عليها الملائكة وذلك بتعليمه علم الأسماء كلها وغيب هو مخصوص بالحضرة ولا سبيل لاهل السموات والأرض الى علمه الا لمن ارتضى له كما قال (فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) وبهذا استدل على فضيلة الرسل على الملائكة لان الله استخصهم باظهارهم على غيبه دون الملائكة ولهذا أسجدهم لآدم لانه كان مخصوصا بإظهار الله إياه على غيبه ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم (ان الله خلق آدم فتجلى فيه) وغيب استأثر الله بعلمه وهو
صفحة رقم 364