
السكان، بسبب ظلمهم أنفسهم بالكفر والفساد والمعاصي، وفي ذلك عبرة للمعتبر.
٧- نجّى الله الذين آمنوا بصالح لأنهم مؤمنون اتقوا الله وخافوا عذابه، قيل: آمن بصالح قدر أربعة آلاف رجل. وهذا أيضا بشارة بالرحمة والنجاة لأهل الإيمان في الدنيا والآخرة، فاللهم يا ربنا ثبّت علينا الإيمان، والإخلاص في عبادتك، وجنبنا العصيان، فإنا نخاف عذابك، ونجّنا من عذاب الدنيا وأهوال عذاب الآخرة يا أرحم الراحمين.
القصة الرابعة قصة لوط عليه السلام مع قومه
[سورة النمل (٢٧) : الآيات ٥٤ الى ٥٥]
وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (٥٤) أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (٥٥)
الإعراب:
وَلُوطاً منصوب بفعل مقدر، تقديره: واذكر لوطا، أو أرسلنا لوطا.
البلاغة:
أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ استفهام توبيخي وإنكاري.
المفردات اللغوية:
وَلُوطاً أي واذكر لوطا، أو أرسلنا لوطا، لدلالة: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا في قصة صالح السابقة عليه. إِذْ قالَ بدل مما قبله على تقدير: اذكر، وظرف على تقدير: أرسلنا الْفاحِشَةَ اللواط. وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ تعلمون فحشها، من بصر القلب لأن اقتراف القبائح من العالم بقبحها أقبح، أو يبصر بعضكم بعضا انهماكا في الفاحشة، وإعلانا بها، فتكون أفحش.

شَهْوَةً بيان لإتيانهم الفاحشة، وتعليله بالشهوة للدلالة على قبحه، والتنبيه على أن الحكمة في المواقعة طلب النسل، لا قضاء الوطر. مِنْ دُونِ النِّساءِ اللاتي خلقن لذلك. تَجْهَلُونَ عاقبة فعلكم، أو تفعلون فعل من يجهل قبحها، أو يكون سفيها لا يميز بين الحسن والقبيح.
المناسبة:
هذه هي القصة الرابعة في هذه السور، لكن تتمتها في بداية الجزء التالي، قصد بها كما قصد بغيرها من القصص السابقة التحذير من مخالفة أوامر الله، واقتراف الفواحش أو المعاصي الكبيرة، لئلا ينزل بالعصاة من العذاب مثل ما نزل بمن قبلهم.
التفسير والبيان:
وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ: أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ؟ أي واذكر أيها الرسول لقومك قصة لوط حين أنذر قومه نقمة الله بهم في فعلهم الفاحشة التي لم يسبقهم إليها أحد من العالمين فقال منكرا عليهم وموبخا لهم: أتأتون الفاحشة وهي إتيان الذكور دون الإناث، مع علمكم بقبحها، واقتراف القبيح من العالم أشنع من غيره، أو في حال رؤية بعضكم بعضا إذ تأتون في ناديكم المنكر. ثم صرح بما يفعلون بعد الإبهام فقال:
أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ؟ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ هذا تكرار للتوبيخ، أي كيف تقبلون إتيان الرجال من غير النساء، فهذا شذوذ جنسي، وانتكاس للفطرة، وترك لما أحل الله لكم من الاستمتاع بالنساء، والحقيقة أنكم قوم جهلاء سفهاء، لا تعرفون شيئا لا طبعا ولا شرعا، وتجهلون عاقبة هذا الأمر الشنيع، ولا تميزون بين الحسن والقبيح، فتفضلون العمل الشنيع على المباح لكم من النساء. كما قال تعالى في آية أخرى: أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ، وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ، بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ [الشعراء ٢٦/ ١٦٥- ١٦٦].

وإذا فسرت تُبْصِرُونَ بالعلم، ثم قال تَجْهَلُونَ فكيف يكونون علماء جهلاء؟ والجواب كما ذكر الزمخشري أنه أراد: تفعلون فعل الجاهلين بأنها فاحشة، مع علمكم بذلك، أو تجهلون العاقبة، أو أنه أراد بالجهل السفاهة والمجانة التي كانوا عليها، أي أنهم سفهاء ماجنون.
ولا نرى حملة تشنيع على منكر مثل هذه الحملة الشديدة، فقوله الرِّجالَ شذوذ يأباه الحيوان، وقوله: مِنْ دُونِ النِّساءِ انحراف عن الشيء الطبيعي والأفضل، وأنه خطأ بالغ وفعل قبيح، وقوله بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ وصف ثابت لازم لهم بأنهم يفعلون فعال الجهلاء السفهاء الذين لا يميزون ولا يعقلون الفرق بين الحسن والقبيح.
وإزاء هذه الحملة، وبالرغم من عنفها وقسوتها أجابوا عنها بما لا يصلح أن يكون جوابا مقبولا ولا معقولا في ميزان العقلاء، وهو ما سيأتي في مطلع الجزء التالي.
آمنت بالله انتهى الجزء التاسع عشر