آيات من القرآن الكريم

أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗ ﭙﭚﭛ ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ

سورة النمل
في السورة حملة تقريع على الكفار وحكاية لبعض مواقفهم وأقوالهم وخاصة في صدد الآخرة وحسابها وجزائها. وفيها قصص بعض الأنبياء وأقوالهم، منها ما أسهب فيه وهو قصة ما كان بين سليمان عليه السلام وملكة سبأ بقصد الموعظة.
وفيها تقريرات عن مظاهر قدرة الله تعالى ورحمته بسبيل البرهنة على ربوبيته وتسفيه المشركين وتقريعهم. وفيها صورة من الدعوة النبوية في العهد المكي وتثبيت وتطمين للنبي ﷺ والمسلمين.
وهي مشابهة في المطلع والنهاية والفصول القصصية الاستطرادية للسورة السابقة مما يمكن أن يكون فيه قرينة على صحة الترتيب. وفصولها مترابطة مما يسوغ القول إنها نزلت متلاحقة حتى تمت.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة النمل (٢٧) : الآيات ١ الى ٦]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ (١) هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٣) إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (٤)
أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (٥) وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (٦)
(١) يعمهون: متحيرون ومترددون ويتيهون. ويقول الزمخشري إن العمه مثل العمى إلا أن العمى عام في البصر والرأي والعمه في الرأي خاصة. وهذا هو

صفحة رقم 279

التحير والتردد حيث لا يدري المرء أين يتجه. وأرض عمهاء بمعنى لا منار بها.
بدأت السورة بحرفي الطاء والسين. وروى المفسرون عن أهل التأويل أنهما من أسماء الله أو أنهما قسم أقسمه الله. كما رووا أنهما مثل سائر الحروف التي بدأت بها السور الأخرى. ونحن نرجح ذلك ونرجح أنهما جاءا لاسترعاء السمع لما بعدهما من ذكر كتاب الله والتنويه به وبالمؤمنين. فهو الكتاب الذي أنزله الله هدى وبشرى للمؤمنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويوقنون بحقيقة البعث الأخروي. وقد تبع ذلك استطراد إلى الذين لا يوقنون بهذه الحقيقة فوصفوا بأن الله قد زين لهم أعمالهم فعموا عن هذه الحقيقة وإدراكها عمى شديدا فاستحقوا سوء العذاب والخسران في الآخرة.
وانتهت الآيات بتوجيه الخطاب إلى النبي ﷺ بسبيل التوكيد بأن القرآن الذي يتلقاه هو من لدن الله تعالى الحكيم الذي لا يفعل إلّا ما فيه الحكمة والعليم الذي يعلم بكل شيء.
ولم يرو المفسرون رواية خاصة في مناسبة نزول الآيات. ومن المحتمل أن تكون مقدمة بين يدي القصص التي حكتها الآيات التالية لها، ولعل الآية السادسة والأخيرة منها قرينة على ذلك، والله أعلم.
تعليق على اجتماع كلمتي القرآن والكتاب معا في آية واحدة
ولقد اجتمعت كلمتا القرآن والكتاب معا في الآية الأولى. والكلمتان جاءتا في القرآن مترادفتين حينما لا تجتمعان. ومع ذلك فكل منهما مختلف الدلالة حيث تعني كلمة (القرآن) الشيء المقروء وكلمة (الكتاب) الشيء المكتوب. وكل من المعنيين متحقق في القرآن، ولعل الحكمة في جمعهما هنا هي الإشارة إلى كون آيات وفصول وسور القرآن كانت تكتب وكانت تقرأ. فهي قرآن مقروء ومكتوب وإذا صحّ هذا ففيه قرينة على أن الفصول القرآنية كانت تدون في العهد المكي لأن

صفحة رقم 280

الآيات مكية. وهو المتسق مع الروايات المتواترة والدلالات القرآنية الكثيرة على ما ذكرناه في مناسبات سابقة وشرحناه في كتابنا القرآن المجيد.
تعليق على جملة زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ
ولقد اختلفت أقوال المفسرين وتعددت في تأويل جملة زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ [٤] لأنها توهم أن الله تعالى زين للكافرين بالآخرة عملهم وكفرهم فعموا نتيجة لذلك عن رؤية الحق وإدراكه، فمما قيل إن معناها حرمناهم التوفيق عقوبة لهم على كفرهم فازدانت أعمالهم في عيونهم «١». ومنه إنا حسّنا لهم ما هم فيه ومددنا لهم في الغيّ جزاء تكذيبهم بالآخرة «٢». ومنه إن إسناد التزيين إلى الله هو مجازي وإن معنى الجملة أن الله متّعهم بطول العمر وسعة الرزق فجعلوا ذلك ذريعة إلى اتباع الشهوات فكأنه زيّن لهم بذلك أعمالهم أو أن الله زيّن لهم أعمال الخير التي وجب عليهم عملها فعموا عنها «٣». وكل من هذه الأقوال وجيه من شأنه إزالة ما قد يثير التوهم في الجملة. ولا سيما أن في القرآن آيات تنسب تزيين الكفر والضلال للشيطان منها آية سورة الأنعام هذه فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٤٣) وآية سورة النحل هذه تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦٣) وفيه كذلك آيات تنسب إلى الإنسان عمله وترتب جزاءه في الدنيا والآخرة على ذلك مما مرّ منه أمثلة عديدة. ومنه آية سورة فصلت هذه مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٤٦) وآية سورة النحل هذه مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٧).

(١) انظر مجمع البيان للطبرسي مثلا.
(٢) تفسير ابن كثير.
(٣) الكشاف للزمخشري.

صفحة رقم 281

وقد تبادر لنا تأويلان آخران (أولهما) أن تقرير كون الذين زيّن الله تعالى أعمالهم هم الذين لا يؤمنون بالآخرة قد يجعل الجملة من باب وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ [٢٧] في آية سورة إبراهيم ويُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ في سورة البقرة [في الآية: ٢٦]. ووصفهم بالمجرمين قرينة مؤيدة لوجاهة هذا التأويل، أما (ثانيهما) فهو أن الله تعالى قد أودع في عباده ناموس استحسان أعمالهم، فمنهم من يبلغ ذلك فيهم إلى حد يعميهم عن إدراك الحق، وهؤلاء الذين يجحدون بآيات الله ويكذبون بالآخرة، وفي سورة الأنعام آية من باب الآية التي نحن في صددها وقد جاءت مطلقة وهي كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٠٨) وعبارتها تشمل جميع الناس محسنهم ومسيئهم وتقوّي وجاهة التأويل الثاني.
وعلى كل حال فإن هذه التأويلات هي التي تتسق مع روح القرآن وتقريراته المحكمة عامة التي من ضمنها تقرير جعل الله في الإنسان قابلية الاختيار والكسب وإرساله الرسل للبشر ليبينوا لهم بإذنه ووحيه طرق الهدى والضلال والحق والباطل والخير والشر، وجزاؤه كلّا بما اختاره وفي الوقت نفسه تنزه الله سبحانه عن تزيين أعمال الكفر والمعاصي للكفار والعصاة.
تعليق عام على آيات السورة الأولى
وكلمة الزَّكاةَ تأتي هنا لثاني مرة في آية مكية. وصيغة الآية مثل صيغة آية سورة الأعراف وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ (١٥٦) التي ذكرت فيها الكلمة أي صيغة حثّ وتنويه. والسورة من السور المبكرة نوعا ما. وفي هذا وذاك دلالة جديدة على أن النبي ﷺ قد رتّب منذ أوائل الدعوة على الميسورين من المؤمنين مقدارا معينا من المال باسم (زكاة) لمصلحة فقراء المسلمين ومصلحة الدعوة أو كان يحثّهم على إنفاق جزء من مالهم بهذا الاسم على هاتين

صفحة رقم 282
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية